عيد الفطر هو وقت الفرح والسعادة، كافأنا الله به بعد صيام شهر رمضان، ولكن فرحة العيد قد تشوبها شوائب تؤرقها، فليس دائماً ما يكون الوضع المالي في أفضل حالاته، خصوصاً بعد شهر رمضان الكريم الذي قد يصاحبه الكثير من الإنفاق.
لذا في هذا العام، قررت أن أخوض تحدياً مختلفاً؛ كيف أستطيع أن أقضي عيداً سعيداً مع عائلتي وأصدقائي بأقل التكاليف ولكن بنفس القدر من البهجة والسعادة؟!
مغامرة شراء ملابس العيد
أولى محطات مغامرتي كانت شراء ملابس العيد، مهما كبرت ومهما اشتريت ملابس طوال العام سيظل لملابس العيد شعور مختلف، ولكن للأسف الأسعار من حولي لم تكن مشجعة حتى على شراء "طرحة العيد" فقط حتى وليس ملابس كاملة.
لذا كان تساؤلي لذاتي: كم هو شعور رائع أن ترتدي ملابس جديدة في العيد! لكن هل يجب أن يكلفنا ذلك ثروة؟ جاءت الإجابة فوراً: بالطبع لا!
لذا استخدمت سلاح التخطيط المسبق والصبر، ببساطة هناك عدة عوامل قد تؤثر على السعر عند الشراء؛ أولها العيد نفسه، فالأسعار في "المواسم" ترتفع بشدة، وكما علمونا قديماً فالأمور عرض وطلب، الكل يريد شراء الملابس في العيد لذا ترتفع أسعارها، لذا قررت أن أشتري مبكراً قبل حلول شهر رمضان ذاته، وسأفعل المثل مع عيد الأضحى حيث سأشتري ما أحتاج من ملابس بعد انتهاء عيد الفطر وانتهاء موسمه في الشراء.
هذا التكنيك مَثّل فرقاً لم أكن أتخيله في الأسعار؛ فالقطعة التي اشتريتها بـ100 جنيه مثلاً قبل رمضان وصل اليوم سعرها لـ200 أو أحياناً 250 جنيهاً.
وأيضاً كانت لديّ صديقة أكثر مهارة تشتري من الموسم السابق، فهي في نهاية موسم الصيف تشتري ملابس العيد الصيفية للعام المقبل، حيث تكون التخفيضات على أشدها لكونه نهاية الفصل، وكافة المحلات تريد التخلص من البضاعة الزائدة بأسعار زهيدة لتضع الجديد.
لم يكن هذا هو التكنيك الوحيد الذي اتبعته للتوفير، ولكن مع الشراء المبكر بدأت رحلتي كذلك بالبحث عن ملابس العيد في أماكن غير تقليدية، فالمحلات الشهيرة وحتى المحلات العادية أسعارها خرافية حالياً، وستمثل معضلة حقيقية لميزانيتي المضروبة من الأساس، لذا توجهت إلى محلات البالة حيث تباع الملابس بالكيلو. وهناك خلط دائم بين محلات الكيلو ومحلات الملابس المستعملة، فمحلات البالة تبيع ملابس جديدة تماماً، بل وماركات عالمية، ولكن تحوي مشكلة ما، كأن تكون موديلات السنوات السابقة، أو هناك زر ناقص في القطعة، أو كانت القطعة المعروضة في المحل فاتسخت من التراب، وهكذا يمكن بالتجاوز عن هذه الأمور الحصول على قطع مميزة جداً وماركات عالمية بجودة حقيقية بسعر قد يمثل 10% إلى 50% أحياناً من سعرها الأصلي.
ولقد كانت استراتيجيتي البحث عن قطع خفيفة ورقيقة؛ ليس فقط لأنها تناسب طقس العيد الحار، ولكن أيضاً لأن وزنها الخفيف يجعل سعرها أقل، ونجحت في العثور على قطع مميزة بأسعار لا تصدق، بعضها كان من براندات عالمية، لكن بسعر زهيد جداً.
بالنسبة للملابس الأساسية الأخرى، التي لا يهمني أن تكون من ماركات معروفة، اتجهت إلى الأسواق الشعبية مثل سوق العتبة، وسوق متحف المطرية، والوكالة، وهناك وجدت مجموعة واسعة من الخيارات بأسعار تقل عن نصف ما تطلبه المحلات الكبيرة حرفياً، ومع بعض الذوق في تنسيق الألوان ووضع ديزاين عقلي لما أريد أن يكون عليه الزي، تمكنت من إعداد مظهر أنيق للعيد يبدو أغلى بكثير من تكلفته الفعلية.
يا كحك العيد.. يا بسكويت
أما عن الكحك والبسكويت والبيتي فور وصديقتي اللذيذة الغُريبة، فقد قررت أن أرتدي قبعة الشيف وأدخل المطبخ، لم يكن الأمر مأساوياً كما تخيلت، بل كان أقل صدمة من صدمتي حين رأيت أسعار الكحك في المحلات الشهيرة وحتى نصف الشهيرة، لذا فإن استحضار أرواح الشيفات المتمكنين كانت مناسبة لي في هذه اللحظة، وبصراحة، لقد قضيت أوقاتاً مليئة بالمرح والضحك، مع أمي وأخي وزوجته وأبنائه، لنقضي يوماً في تحضير حلويات العيد.
قمت بالطبع قبلها بشراء المكونات بالجملة من محلات إعداد الحلوى في منطقة درب البرابرة في وسط البلد، وهو ما ساعدني كثيراً في توفير المال، ولكن لم تكن مجرد الصواني المليئة بالكحك والبسكويت منخفضة التكاليف هي الفائدة الوحيدة لعمل الكحك منزلياً، بل ذكريات جميلة لا تُنسى مع العائلة، ووقت لطيف من المشاركة في التقطيع والخبز.
غداء العيد من الأسماك
أما بالنسبة لوجبة غداء العيد، فهي الأسماك بكل تأكيد، لا داعي أن أحكي عن اتصالاتي بكافة المحلات الخاصة ببيع الأسماك حولي؛ سواء الأسماك الجاهزة أو النيئة والصدمة الخاصة بالأسعار، لذا لكي أضمن الحصول على أفضل الأسعار، قمت بزيارة سوق السمك في السيدة زينب في الصباح الباكر، وجدت البلطي والمكرونة والبوري، والماكريل، ووجدت كذلك الجمبري الجامبو المميز، ولكن بعد مشاهدة سعره قررت أن الأسماك الأخرى كافية، اشتريت كذلك من هناك بعض الرنجة التي يحبها بعض أفراد عائلتي ليتم شيّها مع غداء العيد.
دفعت مبلغاً زهيداً مقابل تنظيف الأسماك كذلك، ما سيجعل خطوة طهيها أسهل كثيراً، كذلك قمت بمشاهدة عدد من طرق إعداد الأسماك المختلفة على اليوتيوب، واخترت أفضل الطرق المحببة للأسرة، وقد جهزت كل شيء استعداداً لملحمة افتراس الأسماك أول أيام العيد، وكل هذا بسعر أقل من النصف في حالة اشتريت الأسماك جاهزة.
زينة المنزل.. اللمسات البسيطة تصنع الفرق
أخيراً، جاء وقت تزيين المنزل، وهي الخطوة الأكثر لطفاً، حيث نجتمع جميعاً ونتشارك في هذه اللحظات ليلة الوقفة على أنغام أغنية يا ليلة العيد التي تظل تصدح في المنزل طوال الليل، وطبعاً مع ارتفاع أسعار الزينة في السوبر ماركت ومحلات الزينات، كنت قد جهزت أموري من قبل، هل تتذكر رحلتي إلى درب البرابرة في وسط البلد لشراء مكونات الكحك؟ نعم في هذه الزيارة حصلت على كيس موفر من البالونات الملونة وعدد من أفرع الزينة بأسعار مميزة حقاً، وخطتي هي المحافظة على فروع الزينة بعد العيد وتغليفها مرة أخرى وتحويشها للأعياد المقبلة، حيث يمكن إعادة استخدامها مرة أخرى حتى لو أضفنا عليها وقتها لمسات جديدة.
في النهاية هذه التجربة علمتني الكثير، فقد كنت قبل خوضها أشعر بالاكتئاب وبأنني لن أستطيع أن أحظى أنا وأسرتي بعيد سعيد كالأعياد السابقة مع هذه الأزمات المادية، ولكن أدركت أن السعادة لا تأتي من كمية المال التي أنفقها، بل من جمال اللحظات التي نخلقها مع من نحب، وأن البساطة يمكن أن تجلب لنا أكبر قدر من الفرحة والرضا، والقدرة على تحمل ما نمر به من صعاب حالياً. لذا عيد فطر سعيداً، وأتمنى للجميع عيداً مليئاً بالحب والبهجة والتوفير!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.