لماذا حث الإسلام النساء بالخروج إلى صلاة العيد حتى المرأة الحائض؟

تم النشر: 2024/04/11 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/11 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
صلاة العيد في أحد مساجد مصر/shutterstock

نحن المسلمين لنا عيدان فقط، عيد الفطر وعيد الأضحى، ولذلك علّمنا جدّنا أن نحتفل بهما كأحسن ما يكون، ونجعلهما أجمل فرحتين في العام، وكان هو نفسه يكرمنا فيهما، ويعطينا المال الوفير كعيديات، ويشتري لنا أفخر أنواع الهدايا والشوكولاته، وكانت جدتي رحمها الله تفتح بيتها لنا جميعاً، بناتها وأحفادها، وتصنع أقراص العجوة، وتعد الفطور اللذيذ والفول، وتدعونا لنقضي أياماً حلوة في بيتها، وما أروع لمة العائلة والكرم والضيافة، في بيت الجد والجدة ونحن بدورنا علّمنا أولادنا أن ينتظروا العيدين بفارغ الصبر، ودعوني أعُد معكم قليلاً لطفولتي.

فقد كان أكثر من أثر في توجيهي وتربيتي بعد جدي علي الطنطاوي رحمه الله ابنة جدي الرابعة، أي خالتي، خالتي كانت جارتنا في دمشق، ومنها تعلمت أموراً كثيرة بالدين والخلق، وفي التربية وفقه الحياة. وبالمناسبة فإن خالتي كانت وقتها تدرس في كلية الشريعة في جامعة دمشق، فكانت تعرف بالفقه، فتحثنا على الفضائل والمستحبات وتعيننا على القيام بها.

وكانت خالتي تحب إدخال السرور إلى قلوب الصغار، فكانت في غياب جدي هي التي تهتم بالعيد، وتشوقنا له، وتشتري لنا جميعاً الهدايا، وهي من تحثنا على الذهاب لصلاة العيد في دمشق، وتكلمنا عن أهميتها، وتصحبنا أنا وأخواتي صباحاً إلى مكان إقامتها، فنرى رفيقاتنا وكل معارفنا مجتمعات هناك في صبحية العيد، فدمشق كانت وقتها صغيرة، وكلنا نعرف بعضنا، ومصلى العيد ملاصق لبيتنا، كان هذا اللقاء أجمل ما نبدأ به العيد السعيد.

وما زلت أشعر بالسعادة، وأحمل روابط إيجابية لتلك الذكريات حتى اليوم.

وكبرت ودرست الشريعة، وعلمت أن صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم، وبالتالي يجوز تخلف بعضهم عنها، لكن حضورها والمشاركة فيها سنة مؤكدة، فلا ينبغي تركها إلا لعذر شرعي، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين كصلاة الجمعة، فلا يجوز لأي مكلف من الرجال الأحرار المستوطنين أن يتخلف عنها (ورجح بعضهم أن هذا القول أظهر في الأدلة وأقرب إلى الصواب).

وأما بالنسبة للنساء فقالوا: "خروج المرأة لصلاة العيد مستحب"، رغم  أن الحديث حث عليها وأمر بها.

وأضافوا شرطاً: ألا تخشى منها "الفتنة"، قال النووي في المجموع: قال الشافعي والأصحاب: يستحب للنساء غير ذوات الهيئات حضور صلاة العيد، وأما ذوات الهيئات وهن اللواتي يشتهين لجمالهن فيكره حضورهن، هذا هو المذهب والمنصوص، وبه قطع الجمهور، وحكى الرافعي وجهاً أنه لا يستحب لهن الخروج بحال، والصواب الأول. وإذا خرجن استحب خروجهن في ثياب بذلة ولا يلبسن ما يشهرهن، ويستحب أن يتنظفن بالماء، ويكره لهن التطيب، وهذا كله حكم العجائز اللواتي لا يشتهين ونحوهن، فأما الشابة وذات الجمال ومن تشتهى فيكره لهن الحضور، لما في ذلك من خوف الفتنة عليهن وبهن. فإن قيل: هذا مخالف حديث أم عطية المذكور (قلنا) ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل، ولأن الفتن وأسباب الشر في هذه الأعصار كثيرة بخلاف العصر الأول. انتهى كلامهم.

وهذه الفتاوى موجودة على المواقع المعاصرة، وما زال يُفتى بها للعامة، ما جعل كثيرين يحرمون الأنثى من الخروج والفرح في يوم العيد، فهي حقيقة وليست مبالغة.

وأنا لا أتكلم من فراغ، فمازال هناك في عصرنا من يرى ذلك، ويأخذ بهذه الفتاوى، وفي بلاد إسلامية، وحتى عهد قريب كان خروج النساء لصلاة العيد ممنوعاً، وحين جاهدت بعض الداعيات لتغيير ذلك اتهمن بالتفلت وحوربن، وتعرضن للتهديد (منهن خالة "صديقة نصيف" في السعودية).

وسأسهم أنا بمجموعة من الملاحظات حول هذا الموضوع:

١- الفتنة موجودة في كل عصر، وفي كل زمان، ولذلك ليست مسوغاً للحرمان.

٢- وكيف لا تخرج الشابة؟

فحين أصر النبي صلى الله عليه وسلم على خروج الحائض؛ فإن من لا تزال تحيض تكون صغيرة، وشابة، وحين قال المصطفى: فلتلبسها أختها من جلبابها فهذا يدل على أنها صبية، فالكبيرة لا بأس أن تضع من ثيابها، فعلامَ وضعوا شرط الفتنة، وبه سوغوا للبعض حرمان المرأة من الخروج لأجمل فرحتين بالعام كله؟! خاصةً أن العيد للصغار، ولتحبيبهم بدينهم!

٣- وكيف تخرج الفتاة مبتذلة في يوم العيد؟! والسنة أن يلبس المسلم أجمل ثيابه وجديدها؟! ألا يذهب هذا بالفرحة؟ وألا يُشعر الفتاة بالتفرقة الصارخة بينها وبين أخيها.

٤- "الفتنة" شرط لم يضعه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو لا يمكن أن يكون في يوم العيد لسببين:

– فاليوم أصبحت النساء المتبرجات في كل مكان، حتى في أشرف البقاع، وهن منتشرات في كل البلاد الإسلامية، فإذا منعنا المرأة المتدينة والملتزمة من الخروج، فهل سنستطيع منع الفاسقة من الخروج؟

أقصد هل سنمنع الفتنة: أم سنحرم فقط الفتاة المسلمة؟!

– وسنكون وكأننا نقول لها: التزامك منعك من المشاركة بالسرور مع الناس، ونحن المسلمين لنا عيدان، ولكن يحق لنا منعك من الإناث عنهما، وفي حين يخرج الناس للاحتفال ومعهم إخوتك الذكور سيكون عليك أنت التزام البيت؟!

وأي فتنة ستكون في يوم عيد يخرج فيه كل أفراد العائلة معاً من بيوتهم، ويكونون في الطريق بصحبة محارمهم وآبائهم وأمهاتهم، ثم عند وصولهم للمصلى (وخلال الخطبة والصلاة) يجتمع الرجال في جهة والنساء في جهة أخرى بعيدة؛ ليقيموا شعيرة إسلامية، لا تزيد مدتها عن نصف ساعة؟!

٥- ولقد قال ابن قدامة في المغني: لا بأس بخروج النساء يوم العيد إلى المصلى، وقال ابن حامد: يستحب ذلك، وقد روي عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، أنهما قالا: حق على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين، وكان ابن عمر يخرج من استطاع من أهله في العيدين، وروت أم عطية قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى: العواتق، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها. متفق عليه، وهذا لفظ رواية مسلم، ولفظ رواية البخاري، قالت: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى يخرج الحيّض فيكنّ خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم.

6- قال الفقهاء: "تؤدى صلاة العيد في المصلى وليس في المسجد. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء من بعده، ولا يترك النبي صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قربه ويتكلف فعل الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل، ولأننا قد أمرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به".

فإذا كان علينا الاقتداء بكل ما وردنا، ولا يحق لنا التغيير فيه، فيجب أن تخرج النساء للمصلى في يوم العيد، كما أمر النبي.

والخلاصة 

العيدان أجمل احتفالين، بل هما الوحيدان بالنسبة لنا ولأولادنا، ويجب أن نعزز هذا عند بناتنا، وعند إخوتهن الذكور، فيعلمون أن البنت من حقها الخروج والاحتفال والفرحة، ولا تحبس بالبيت.

وإن فكرة منعها من الخروج بحجة الفتنة قاسية ومؤلمة على النفس، وصادمة، وتعطي الفتاة مشاعر سلبية، وتجعلها تكره أنوثتها، وهو أمر لا نرتضيه، وهو خلاف الفطرة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد