تعتقل الآلاف من سكان غزة.. هكذا تصنع إسرائيل غوانتانامو جديداً والعالم لا يأبه 

تم النشر: 2024/04/08 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/08 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
معتقلين مدنيين جردهم الاحتلال من ملابسهم في قطاع غزة/رويترز

بينما تقف الحكومات الغربية على قدم وساق مطالبة بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة، ودعمها لإسرائيل في حرب إبادتها على الفلسطينيين للقضاء على المقاومة، تقوم إسرائيل بشن حملات اعتقال واسعة النطاق، حيث تعتقل وتختطف آلاف الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحتجزهم في معتقلات ومراكز اعتقال تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، حيث يتعرضون لأبشع أشكال التعذيب والإهانة، في صمت دولي مخزِ.

حيث ذكرت صحيفة هآرتس العبرية في تقرير لها أن مئات الفلسطينيين الذين اعتُقلوا في غزة خلال الحرب الحالية مُحتجَزون منذ أسابيع في منشأة اعتقال في القاعدة العسكرية سديه تيمان قرب مدينة بئر السبع جنوب البلاد.

وتداولت وسائل إعلام عبرية بعض المقاطع المصورة مؤخراً تظهر اقتياد عشرات الفلسطينيين نحو أراضٍ فارغة في غزة للتحقيق معهم أو نقلهم إلى خارج القطاع.

معصوبي الأعين، مكبلي الأيدي، عراة، على أجسادهم آثار تعذيب واضحة، هذه كانت حال المعتقلين الذين ظهروا في الصور، تنقلهم الشاحنات العسكرية الإسرائيلية إلى وجهات غير معلومة، منذ بداية توغلها البري في قطاع غزة.

 مؤسسات حقوقية من بينها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان شبهت قاعدة الاعتقال المذكورة بمعتقل غوانتانامو الأمريكي الشهير، الذي تأسس في يناير/كانون الثاني 2002 في منطقة خليج غوانتانامو التي استأجرتها الولايات المتحدة لقواتها البحرية عام 1903 من كوبا. ومعتقل غوانتانامو يُعرف بأن الكثيرين مرّوا فيه بأهوال لا توصف، دون تهمة أو محاكمة.

المرصد الأورومتوسطي  ذكر في بيان له في 18 ديسمبر/كانون الأول أن المعسكر الإسرائيلي سدي تيمان تحول إلى غوانتانامو جديد يجري فيه احتجاز المعتقلين في ظروف قاسية جداً، داخل أماكن أشبه بأقفاص الدجاج في العراء ومن دون طعام أو شراب لفترة طويلة من الوقت.

صورة نشرتها صحيفة "هآرتس" من داخل معتقل "سديه تيمان" – هآرتس

وتتراوح الفئات العمرية للمعتقلين في المعسكر المذكور بين القُصّر وكبار السن، يُحقق معهم معصوبي الأعين، وأيديهم مكبلة معظم اليوم في مجمعات مسيجة، وخلال ساعات الليل تسلط الأضواء عليهم بقوة، بهدف إرهاقهم وتعذيبهم، وفق ما ورد في تقرير المرصد.

وحسب شهاداتٍ جمعها الأورومتوسطي لمعتقلين جرى الإفراج عنهم من المعسكر الإسرائيلي فإنهم تعرضوا لأنماط متعددة من التعذيب وسوء المعاملة وجرى منعهم من استخدام الهواتف، ولم يحظوا بفرصة لقاء محامين أو بزيارات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

يقول مدير الشؤون القانونية والسياسات في منظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان محمد عماد إن "ما أظهرته الصور والشهادات القليلة التي صدرت ممن أُطلق سراحهم تظهر فظاعة فاقت ما يُرتكب في غوانتانامو الأمريكي".

يذكر أن تقارير قالت إن 6 معتقلين فلسطينيين لقوا مصرعهم داخل معسكرات احتجاز جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووفق تقارير التشريح فإن جثتين على الأقل كانتا مصابتين بكدمات، كما توجد في حالات أخرى أدلة على العنف قبل الوفاة، والإهمال الطبي.

حاول الاحتلال في السنوات السابقة وتحديداً في 2013 و2014 أن يفرض على الأسرى اللباس البرتقالي عوضاً عن البُني المفروض عليهم، لكنهم رفضوا ذلك بشدة، وفق ما يقول الناشط الحقوقي الأسير المحرر فؤاد الخفش.

 الأسرى رفضوا محاولة الاحتلال تشبيههم بمعتقلي غوانتانامو ووصفهم بالإرهابيين ومعاملتهم بنفس الطريقة التي عُومل بها سجناء المعتقل الأمريكي، وأصروا على عدم ارتداء الزي.

ويشير مدير مركز أحرار لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطيني إلى أن أسرى قطاع غزة يجري التعامل معهم بتصنيف آخر تحت عنوان "مقاتل غير شرعي"، لافتاً إلى أن "من اختطفهم جيش الاحتلال مؤخراً يتعرضون لظروف قاسية، إذ لا يُسمح للمحامين بمعرفة أماكن وجودهم، وبالتالي لا معلومات عنهم".

ويرجح  أن يكون هؤلاء المعتقلون موجودين في معتقلات سرية وفي أماكن خاصة بعيداً عن الأسرى الآخرين، مضيفاً أنهم "يُعذبون وتُنتزع الاعترافات منهم بالقوة، وهو أمر معروف عن الاحتلال".

وفي 16 ديسمبر/كانون الأول أعلن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحد تلقي عديد من التقارير المقلقة من شمال غزة "عن عمليات احتجاز جماعية ومعاملة سيئة وإخفاء قسري طالت ربما آلاف الفلسطينيين"، بمن فيهم الأطفال والنساء.

حيث إن إسرائيل تتعامل مع ملف معتقلي غزة مثل العصابات، فتختطفهم من بيوتهم وتضعهم في المعتقلات في البرد القارس من دون توفير أي من المتطلبات الدنيا، سواء طعام أو شراب أو خدمات علاجية، وتُعرضهم للتعذيب وإطلاق النار داخل المعسكرات، ما أدى إلى فقدان بعضهم لحياته.

إن إسرائيل لم تترك يوماً نهجها الهمجي والعصابي منذ احتلال فلسطين حتى اليوم، لكن الحرب الحالية جاءت  وأظهرت للعالم الحقيقة البشعة الذي كان يتعامى لعقود عن رؤيتها في فلسطين. 

 إن اقتحام البيوت وإعدام الرجال أمام نسائهم و أطفالهم واختطافهم وتعذيبهم هو سلوك إجرامي قديم، لكن يوجد اليوم انتهاك أوسع وأكبر أمام المجتمع الدولي وبشكل علني وصريح.

فبينما تنتفض حكومات وساسة غربيون من أجل الأسرى الفلسطينيين، لا يهتمون بآلالف الفلسطينيين الذين يقتلون منذ أكثر من نصف عام، ولا بآلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال منذ سنين ويزدادون كل يوم.

 تمارس قوات الاحتلال جرائم حرب وإبادة جماعية مسجلة وموثقة أمام العالم، بينما ما زال العالم يصر على التحدث مع الاحتلال بلباقة، رغم أنه يرمي بكل القوانين الدولية والمبادئ الأخلاقية وحقوق الإنسان عرض الحائط.

الحرب على غزة كشفت بشكل لا يقبل الجدل عن وجه العالم الحقيقي، وخاصة المنظومة الدولية والأخلاقية التي يفترض أن تحميه. إسرائيل، بهمجيتها وتوحشها الاستعماري، لم تخرق فحسب كل القوانين الدولية والمعايير الأخلاقية التي طالما تباهى بها الغرب كحامٍ ومدافع عنها، بل أظهرت كم العنف الصريح والمطلق الذي يخفيه الغرب والذي ما فتئ أن ظهر في صورة دعم وتأييد غير مشروط لحرب إسرائيل الوحشية ضد الشعب الفلسطيني. هذا الموقف الغربي يجعل القيم المزعومة والآليات التنظيمية الدولية تبدو خاوية وبلا معنى اليوم منذ أكثر من أي يوم مضى.

ويوماً بعد يوم، تزداد الفجوة بين الادعاءات الأخلاقية للغرب والواقع المرير الذي نشهده في غزة. انتفض الغرب لاغتيال إسرائيل لـ6 أجانب من المطبخ  المركزي العالمي، وهو عمل مروع بلا شك، بينما لم يحرك ساكناً على المذابح التي تجرى أمام الكاميرات منذ أكثر من نصف عام في غزة وقتل فيها أكثر من 32 ألف فلسطيني، فمذبحة موظفي المطبخ العالمي ليست فقط برهاناً جديداً على وحشية إسرائيل، بل أيضاً على العنصرية الصارخة والمقيتة التي يمارسها الغرب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسماعيل الريماوي
كاتب وباحث فلسطيني
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد