تمتد مسيرة بيب غوارديولا لأكثر من 900 مباراة تدريبية، تخيل أن المباراة الوحيدة التي انتهت بالتعادل برباعية لمثلها، كانت تعادُله أمام تشيلسي في ملعب ستامفورد بريدج بالدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2023-2024!
هذا الإخفاق، الذي لا يبدو إخفاقاً بالنسبة لمدرب بحجم بيب غوارديولا؛ حدث على يد أحد أهم الأسلحة التي فرط فيها غوارديولا بنفسه، أو ربما اضطُر إلى الاستغناء عنها لوفرة الأسلحة لديه.
السلاح الذي استغنى عنه بيب غوارديولا؛ هو الشاب الإنجليزي الذي يُدعى "كول بالمر"، الشاب الذي نشأ وتربى تربية كاملة في نادي مانشستر سيتي، حيث وُلد في عام 2002، ودخل أكاديمية مانشستر سيتي في الثامنة من عمره!
بعد أن كان في جلسات تفاوض مع تشيلسي، وكذلك ليفربول، لكن الوعود التي حصل عليها من نادي مانشستر سيتي كانت أفضل بكثير، وأقوى إذا أردنا الدقة؛ حيث أخبروه بأنهم يعرفون موهبته ويثقون به.
لم يكن حديث السيتي بخصوص بالمر مجرد حديث، بل فرصة للتفوق به على تشيلسي وليفربول، وبالفعل، حصد كول بالمر وعوده، واتجه بالتدريج إلى القائمة الطويلة في نادي مانشستر سيتي.
يمكننا القول إنَّ كول بالمر يُشبه مانشستر سيتي تماماً، حيث قضى بين جدران النادي السماوي ثلاثة عشر عاماً، وهي مدة أكثر من نصف عمره نفسه، ورغم ذلك، لم يُمانع بيب غوارديولا خروجه، أو لنقُل إنَّ وفرة اللاعبين في تشكيلته سمحت بهذا الخروج!
كان بالمر صغيراً للغاية، حين لعب الكرة في الحدائق المُقابلة للمنزل، بعد أن رفضت والدته كثيراً أن يفعل ذلك، لكنّ شغف الصغير باللعبة جعله يفعل ما استطاع حتى يُلاحقها، وربما ورثها عبر الجينات من والده، الذي لا يعمل في إطار كرة القدم حالياً، لكنه احترفها في الدرجات الدُنيا في ماضيه.
يمتلك والده ذكريات رائعة مع اللعبة، لكنه حاول أن يجعل نجله هو من يصنع لحظات لا تُنسى، وأن يرتقي السُّلم الذي استعصى عليه، وزرع فيه هذا الحب، وفي الثامنة من عُمره، ألحقه بأكاديمية مانشستر سيتي، التي كانت بمثابة بوابة ضخمة لعالم الاحتراف للأسرة.
قد يكون كول بالمر قد لعب في تشيلسي، خلال موسمه الحالي، وهو الأول له بقميص الفريق اللندني، أكثر مما لعب في ثلاث سنوات كاملة بصفوف فريق مانشستر سيتي الأول تحت قيادة غوارديولا.
حيث اعترف غوارديولا بأن مسألة خروج بالمر من مانشستر سيتي إلى صفوف تشيلسي كانت مسؤوليته الكاملة، لكنه أصر على أن ترسانة من اللاعبين كافية، كما قُلنا، كانت السبب الرئيسي لمنح أحد أفخم الأسلحة المُصنعة بأيدي مانشستر سيتي، وبسهولة، إلى فريق مُنافس!
كان الاختيار صعباً، بين كول بالمر، الشاب الذي تبدو عليه أمارات الموهبة والتفوق، وبرناردو سيلفا، ورقة غوارديولا التي لا يخسرها إطلاقاً، ورياض محرز، الجناح الذي يعتمد عليه دائماً، وفيل فودين، الشاب الذي يتقارب مع بالمر عُمراً، لكنه يسبقه في الموهبة والإنجازات بخطوات متباعدة.
كان الاختيار صعباً، ووضع بالمر مدربه غوارديولا في خانة اليك: إما أنا أو هُم!
ربما صنع مانشستر سيتي هذا الصرح العملاق خلال سنوات، من فريقٍ أول يصعب هزيمته محلياً، إلى السيطرة القارية مؤخراً على قارة أوروبا، إلى الأكاديمية الناجحة التي تُعتبر من أفضل وأقوى أكاديميات كرة القدم في العالم.
لكن ربما كان لهذا التصنيع ضرر لا يقل أهمية عن النفع؛ حيث أصبح مانشستر سيتي مُطالَباً بأن يضخ كل هذه المواهب والدماء في نسيجه بسرعة كبيرة، ثم يتعامل بهدوء معها وينتظر أن تتأقلم، ويشتري النجوم الكبار الذين يطلبهم غوارديولا بنفسه، أو أن يتخلى عن أفضل لاعبيه لصالح الجيران، أو للقارة العجوز بالكامل، وهو أمر يضره، سواء كان البيع محلياً أو قارياً!
لم يكن بالمر يطمع في أكثر من مزيد من الدقائق، حيث آمن الفتى بموهبته، ومثّل إيمانه عقبة بالغة في مانشستر سيتي نفسه، الذي أكد مدربه غوارديولا مدى جودة بالمر، وأصر على تحمُّله المسؤولية، لكنه في الوقت نفسه كان في حيرة من أمره: ماذا يفعل؟!
كول بالمر.. طريد مانشستر سيتي ينافس على هداف الدوري الإنجليزي
لم يخرج بالمر من مانشستر سيتي بسهولة؛ بل خرج تاركاً خلفه لحظات مثالية، حيث كان اللاعبَ الوحيدَ في قوام مانشستر سيتي خلال الموسم الماضي، الذي سجل في بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، وبطولة كأس الرابطة الإنجليزية، وبطولة الدرع الخيرية، وبطولة كأس السوبر الأوروبي.
سجَّل كول بالمر في شباك أرسنال بافتتاحية الموسم، سجَّل هدفاً رائعاً، رغم أن هذا الهدف لم يمنح مانشستر سيتي لقب البطولة التي آلت أمورها إلى ركلات الترجيح ثم فوز أرسنال بالدرع الخيرية.
لكنه عاد، بعد أيام، وسجَّل هدفاً، في بطولة كأس السوبر الأوروبي، البطولة التي لعبها نادي مانشستر سيتي أمام نادي إشبيلية، سيد وزعيم بطولة الدوري الأوروبي، حيث كان السيتي متأخراً وعاد إلى رُشده من خلال هدف بالمر الذي منحه التعادل، وهذه المرة منحهم الهدف فرصة التتويج بلقب كأس السوبر الأوروبي، وللمرة الأولى في تاريخ النادي السماوي!
بعد أيام، قرر مانشستر سيتي ألا يرضخ لطلبات بالمر، واتجه إلى قبول عرض تشيلسي، الذي قُدر بنحو 40 مليون جنيه إسترليني، في صفقة لم يتوقعها أحد، وكان على مانشستر سيتي أن يتنازل عن أحد العناصر الهجومية، ووقع الاختيار على كول بالمر؛ الضحية التي كانت الأصغر عُمراً، والأقل تأثيراً- من وجهة نظر غوارديولا- ولم يتوقع أحد أن كول بالمر سينفجر كل هذا الانفجار في صفوف البلوز!
لقد خرج كول بالمر من مانشستر سيتي، بعد ثلاثة عشر عاماً كاملة، تعلم فيها كل شيء، وتتلمذ فيها على كرة رائعة، وثبات عبقري، وعرف متى وكيف يلعب الكرة، ثم نقل كل هذه التجارب إلى عدو من أعداء مانشستر سيتي.
تقول الصحافة الإنجليزية، إن خروج بالمر من صفوف مانشستر سيتي سيكون من بين الصفقات القليلة التي سيندم عليها مانشستر سيتي، وسيتضرر منها بيب غوارديولا، وسيُصبح كول بالمر، الذي تغير اسمه صحفياً بالإنجليزية من COLE إلى COLD كناية عن برودة أعصابه وتبلده في اللحظات المصيرية والمفصلية.
خرج بالمر من مانشستر سيتي، وسجل، بقميص تشيلسي، في شباك: أرسنال، مانشستر يونايتد، مانشستر سيتي، وأيضاً في شباك توتنهام، ويقف عند المرتبة الثالثة بقائمة هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2023-2024 خلف إيرلينج هالاند الأول، ومحمد صلاح الثاني بالتساوي مع المصري.
استطاع بالمر أن يصنع ثمانية أهداف بقميص تشيلسي في بطولة الدوري الإنجليزي هذا الموسم، وهو رقم يبدو أكثر من صناعة أبرز لاعبي خط وسط مانشستر سيتي هذا الموسم، إذا استثنينا إصابة كيفن دي بروين وابتعاده عن صفوف الفريق.
وبذلك، يكون كول بالمر هو اللاعب الوحيد الذي سيندم عليه غوارديولا فعلاً، لكن ما باليد حيلة؛ فقد يكون الضرر هو صرح مانشستر سيتي نفسه، أو جودة لاعبي السيتي التي تجعل خروج أحد عناصرها منفعة لغيره بلا شك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.