عابرة للحدود.. أسباب وآثار ثورة المزارعين على الاتحاد الأوروبي

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/05 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/05 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
يستخدم المزارعون جراراتهم لإغلاق طريق سريع أثناء توجههم إلى برشلونة خلال احتجاج على ضغوط الأسعار والضرائب واللوائح الخضراء، والمظالم التي يتقاسمها المزارعون في جميع أنحاء أوروبا/ رويترز

تمثل احتجاجات المزارعين في أوروبا حركة كبيرة ومعقدة، تمتد جذورها بعمق إلى المخاوف بشأن السياسات الزراعية، والأنظمة البيئية، واستدامة الزراعة في المستقبل في مختلف أنحاء القارة. بدأت هذه الاحتجاجات في شكل مظاهرات محلية، وسرعان ما اكتسبت زخماً، ما يعكس استياءً أوسع وأدى إلى مظاهرات واسعة النطاق في مختلف دول الاتحاد الأوروبي.

أسباب الأزمة

إن التحديات والأزمات التي يواجهها المزارعون الأوروبيون بسبب التدابير البيئية والاستدامة الصارمة التي أدخلها الاتحاد الأوروبي والحكومات الوطنية متعددة الأوجه ومتجذرة بعمق في تقاطع السياسة البيئية والزراعة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية. وفي قلب شكاوى المزارعين تكمن التدابير البيئية الصارمة التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون، وتعزيز التنوع البيولوجي، وحماية الموارد الطبيعية. وفي حين أن النوايا وراء هذه السياسات هي مكافحة تغير المناخ وحماية البيئة، فإن العديد من المزارعين يجادلون بأن التدابير مرهقة للغاية، وتهدد سبل عيشهم، وتفشل في تقديم الدعم الكافي للانتقال إلى ممارسات أكثر استدامة. وكثيراً ما تتضمن مطالبهم الدعوة إلى مراجعة هذه السياسات، وتقديم المساعدة المالية للمساعدة في التحول نحو الاستدامة، وزيادة المشاركة في عملية صنع السياسات لضمان أن تكون اللوائح الجديدة واقعية وقابلة للتحقيق دون تعريض القطاع الزراعي للخطر.

ويمكن إرجاع سبب الأزمة إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك الأهمية المتزايدة للقضايا البيئية، والصفقة الخضراء الطموحة للاتحاد الأوروبي، والضغوط الاقتصادية التي يواجهها المجتمع الزراعي. وقد تفاقمت هذه الضغوط بسبب الأحداث العالمية، مثل اضطرابات سلسلة التوريد بسبب الهجمات الروسية على احتياطيات الحبوب في أوكرانيا، وتقلب أسعار السلع الأساسية، وتأثير جائحة كوفيد-19، والتي أدت إلى مزيد من الضغط على هوامش المزارعين وزيادة شعورهم بالضعف.

وقد وصلت هذه الأزمة إلى نقطة الغليان مع احتجاجات واسعة النطاق قام بها المزارعون في مختلف البلدان الأوروبية، وهي الحركة التي ظلت على نار هادئة لأكثر من شهرين ولا تظهر أي علامة على التراجع مع اقتراب الانتخابات العامة الأوروبية.

المزارعون يجدون أن هذه السياسات مرهقة للغاية وتضر بسبل عيشهم. وأصبحت هذه الاحتجاجات واضحة بشكل خاص في المراكز الحضرية في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك باريس وبرلين وبروكسل، حيث جلب المزارعون شكاواهم إلى الواجهة من خلال مظاهرات دراماتيكية شملت الجرارات والحصار. وتعد احتجاجات بروكسل الأعنف بين هذه الاحتجاجات، حيث تسبب مئات المزارعين، برفقة قافلة مؤلفة من نحو 900 جرار، في إصابة المدينة بالشلل، وتعطيل حركة المرور ووسائل النقل العام أثناء التعبير عن شكاواهم.

إن مشاهد المواجهة بين المزارعين والشرطة في بروكسل، والتي شملت رش الأسمدة السائلة، والبيض، بل وحتى رمي المفرقعات النارية على قوات الشرطة خلال الاحتجاجات السابقة، ترمز إلى شعور أعمق بالضيق. كما أن استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه من قبل الشرطة ضد المتظاهرين يسلط الضوء على شدة الصدام بين توجيهات سياسة الاتحاد الأوروبي والحقائق التي يواجهها قطاعه الزراعي.

وفي استجابة لاحتجاجات المزارعين والمناخ السياسي الناشئ، كان هناك بعض التراجع من قبل الاتحاد الأوروبي بشأن تدابيره البيئية. حيث حول مسؤولون رفيعو المستوى، بما في ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تركيزهم نحو تخفيف الضغط على المزارعين. ويشمل ذلك تأجيل مقترحات مكافحة المبيدات الحشرية وتخفيف قوانين استعادة الطبيعة. 

كما اعترفت بلجيكا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بمحنة المزارعين. يعد اعتراف وزير الزراعة البلجيكي ديفيد كلارينفال بأن "المزارعين في وضع صعب" بمثابة لحظة اعتراف نادرة من مسؤول رفيع المستوى. ومع ذلك، فإن الاعتراف وحده لا يفعل الكثير لسد الفجوة بين طموحات الاتحاد الأوروبي البيئية والواقع العملي للزراعة.

إن استراتيجية الاتحاد الأوروبي من المزرعة إلى الشوكة والدفع نحو نموذج زراعي أكثر استدامة أمران أساسيان في الصراع. ويقول المزارعون إن هذه المبادرات، رغم نبل نواياها، لا تأخذ في الاعتبار حقائق الزراعة وتهدد قدرتها على البقاء اقتصاديا. وقد سلط التنسيق الأوروبي عبر كامبيسينا (ECVC) الضوء على الكيفية التي تعمل بها السياسات النيوليبرالية واتفاقيات التجارة الحرة على تقويض الاستقرار الاقتصادي للمزارعين الأوروبيين من خلال تعزيز القدرة التنافسية الدولية على حسابهم. وتزداد المخاوف أيضاً بسبب الضغوط الاقتصادية المحتملة الناجمة عن اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور، والتي يُخشى أن تؤدي إلى تفاقم المنافسة وزيادة انخفاض أسعار المنتجات الزراعية الأوروبية. وتزداد القضية تعقيداً بفِعل ديناميكيات التجارة الدولية، وخاصة تصورات المنافسة غير المتكافئة الناجمة عن اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمها الاتحاد الأوروبي، كما هو الحال مع كتلة ميركوسور. 

آثار احتجاجات المزارعين على الاتحاد الأوروبي

إن احتجاجات المزارعين في مختلف أنحاء أوروبا ليست مجرد أحداث محلية أو معزولة، بل إنها تطورت إلى حركة كبيرة ذات عواقب واسعة النطاق على الاقتصاد والسياسة والبيئة في الاتحاد الأوروبي. تعكس هذه الاحتجاجات، المدفوعة بالمظالم سابقة الذكر، استياءً عميقاً من السياسات والممارسات الزراعية الحالية داخل الاتحاد الأوروبي. إن تأثير هذه الاحتجاجات على الاقتصاد والأمن في أوروبا متعدد الأوجه وكبير. من الناحية الاقتصادية، فإن ثورة المزارعين لديها القدرة على تعطيل الوضع الزراعي وإزعاج قطاع النقل المسؤول عن تسليم البضائع، وبالتالي التأثير على سلسلة التوريد الشاملة والاقتصاد الإقليمي.

كما أن تصاعد الاحتجاجات وتحولها نحو إنشاء حواجز على الطرق ومظاهرات حاشدة في عدة أجزاء من أوروبا، يعكس الغضب إزاء تفاقم عدم المساواة داخل القطاع الزراعي.

وعلى الجبهة السياسية، أصبحت الاحتجاجات نقطة تجمع للأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة، حيث قدم اليمينيون أنفسهم كمدافعين عن المزارعين ضد سياسات الاتحاد الأوروبي. وتعمل هذه الديناميكية على تشكيل المشهد السياسي، وخاصة مع اقتراب أوروبا من الانتخابات العامة، حيث تكتسب الأحزاب اليمينية المتطرفة المزيد من الثِقَل من خلال الاستفادة من استياء المزارعين. وقد أدى ذلك إلى وضع تواجه فيه الإصلاحات البيئية والمبادرات الخضراء معارضة، حيث يُنظر إليها على أنها تتعارض مع مصالح المجتمع الزراعي.

علاوة على ذلك، تسلط الاحتجاجات الضوء على الحاجة الملحة للانتقال العادل إلى ممارسات الزراعة المستدامة وصافي الانبعاثات الصفرية. ويجب أن يأخذ هذا التحول في الاعتبار احتياجات المجتمعات الريفية لضمان أن سياسات الاستدامة لا تؤدي عن غير قصد إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية أو تغذية التلاعبات القومية.

وفي الختام، فإن احتجاجات المزارعين في الاتحاد الأوروبي هي مظهر من مظاهر الأزمة التي تتجاوز الزراعة. وهي تعكس نقاشاً أوسع نطاقاً حول الاتجاه المستقبلي للاتحاد الأوروبي، والتوازن بين الاستدامة البيئية والقدرة التنافسية الاقتصادية، وأهمية الاستماع إلى احتياجات كافة أصحاب المصلحة وتلبيتها. وبما أن أوروبا تقف عند مفترق الطرق هذا، فإن حل هذه الأزمة لن يحدد مستقبل قطاعها الزراعي فحسب، بل سيحدد أيضاً هوية وقيم الاتحاد الأوروبي نفسه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حامد أبو العز
باحث سياسي فلسطيني
باحث سياسي فلسطيني
تحميل المزيد