بدأ عرض مسلسل بهار للمخرجة نسليهان يشيليورت في فبراير 2024، وهو مسلسل تركي كتبته عائشة أوزوم ومن بطولة ديميت إيفغار وبورا غولسوي ومحمد يلماز آك.
يعتبر مسلسل بهار النسخة التركية من المسلسل التلفزيوني الكوري "الطبيبة تشا" الذي عُرض لأول مرة عام 2023.
دعونا نتحدث عن قصة مسلسل "بهار" الذي حصل على أعلى التقييمات بـ 3 حلقات من حلقاته الأربع الأولى. يحكي المسلسل حالة "الصحوة" التي يمكن اعتبارها كلاسيكية من خلال شخصية امرأة تُدعى "بهار". تعمل بهار طبيبة، لكنها تترك عملها بعد زواجها وتفضل البقاء في المنزل لرعاية حياتها الزوجية وطفليها. تنقلب حياة بهار رأساً على عقب عندما تمرض وتدخل المستشفى. يتبين أنَّ ابن عمها وزوجها -الذي ينتمي إلى عائلة مرموقة- هما المرشحان المناسبان لعملية زراعة الكبد التي تحتاجها. يوافق ابن عمها وزوجها في البداية على التبرع بالكبد، لكنهما يتراجعان بعد ذلك. على الرغم من تراجع كلا الشخصيتين عن العملية، تشعر بهار بالخذلان من زوجها على وجه التحديد. عندما وصلت بهار إلى حافة الموت، اُنقذت حياتها بفضل متبرع آخر.
تُمثّل استفاقة بهار من هذه العملية ولادة جديدة لها في الحياة. يتغير كل شيء بدايةً من الآن. تقرر بهار الانتقام من زوجها وعائلتها بسبب هذا الموقف وتتخلى عن الأنماط السلوكية المفروضة عليها منذ سنوات. تتوقف بشكل كامل تقريباً عن الاهتمام بالأعمال المنزلية وتخصّص معظم الوقت لنفسها وتمضي قدماً في عيش حياتها بإنجازات تجعلها تشعر بقيمتها الذاتية. تقرر بهار العودة إلى مسارها المهني بصفتها طبيبة. تعمل في نفس المستشفى التي يعمل فيها زوجها والطبيب الذي أجرى لها العملية. يعد هذا الطبيب أحد أكبر الداعمين لبهار أثناء محاولتها استعادة السيطرة على حياتها مرة أخرى. سنرى كيف ستتشكل القصة في الحلقات القادمة.
لماذا تحقق الاقتباسات من الإنتاجات الفنية الكورية نجاحاً كبيراً؟
في السنوات الأخيرة، يمكن للجميع تقريباً أن يشهدوا على حقيقة أنَّ الأعمال المقتبسة من المسلسلات والأفلام الكورية الجنوبية اكتسبت شعبية هائلة في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، جذبت هذه الظاهرة جمهوراً كبيراً ليس فقط في آسيا، بل أيضاً في الغرب. إذن، ما أسباب انتشار الاقتباس من الدراما الكورية؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في مجموعة متنوعة من العوامل، من بينها نهج الإنتاج عالي الجودة للأعمال الفنية الكورية وتناولها موضوعات عالمية وأفكارها وقوالبها الفنية المبتكرة وانتشارها الثقافي ودور وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت في تعزيز هذا الانتشار.
في البداية، يجب عدم إغفال حقيقة أنَّ إنتاج الأفلام والمسلسلات في كوريا الجنوبية قد اعتمد معايير عالية الجودة. تتسم الإنتاجات الكورية بحبكات أصلية وتأثيرات بصرية رائعة وأداء تمثيلي متميز. تجعل هذه الإنتاجات الفنية المشاهدين ملتصقين بالشاشة لمتابعة التطور العميق لشخصياتها وحبكتها الدرامية الجذابة. بالإضافة إلى ذلك، تنجح الأعمال الفنية الكورية، التي تتناول موضوعات عالمية مثل الحب والانتقام والعلاقات الأسرية، في التواصل بسهولة مع المشاهدين من خلفيات ثقافية مختلفة. يعد هذا الطابع العالمي للموضوعات أحد أهم الأسباب التي تجعل الإنتاجات الفنية الكورية تعبر الحدود.
ثمة ميزة أخرى مهمة للإنتاج الفني لكوريا الجنوبية تتمثَّل في أفكارها وقوالبها المبتكرة، إذ تكسر القالب التقليدي لسرد القصة وتمزج بنجاح بين قوالب فنية مختلفة مثل الإثارة والفانتازيا والخيال العلمي لتقديم تجارب جديدة ومختلفة للجمهور. يميز هذا الابتكار الإنتاجات الكورية عن نظيراتها في الدول الأخرى ويجعلها تحظى بشعبية كبيرة بين الجماهير، لاسيما الشباب.
تؤدي أيضاً استراتيجية "القوة الناعمة" المتبعة من جانب كوريا الجنوبية دوراً مهماً في انتشار تلك الإنتاجات الفنية. نجحت كوريا في خلق تأثير عالمي عبر الانتشار الثقافي، بدايةً من الموسيقى الشعبية الكورية والموجة الثقافية الكورية الجنوبية المعروفة باسم "هاليو". سمحت هذه الظاهرة الثقافية بنشر الإنتاجات الفنية الكورية وتعزيز شهرتها وشعبيتها على مستوى العالم.
أخيراً، سمحت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات البث الرقمية المختلفة للأعمال الفنية الكورية بالوصول إلى جمهور أوسع مما كان عليه الحال في السابق. أدت المجتمعات الافتراضية عبر شبكة الإنترنت ومجموعات المعجبين دوراً مهماً في زيادة شعبية تلك الأعمال. يعد الإنترنت عاملاً رئيسياً في تخطي الفن الكوري حدود بلاده ليتحول إلى ظاهرة عالمية.
باختصار، ثمة عدد من العوامل وراء النجاح العالمي لاتجاه الاقتباس من الدراما الكورية، من بينها الإنتاج الكوري عالي الجودة والموضوعات العالمية والأفكار والقوالب الفنية المبتكرة والانتشار الثقافي ودور منصات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت. أدى الجمع بين جميع هذه العناصر إلى قبول وحب الجمهور للأعمال الكورية في جميع أنحاء العالم. لم تعد المسلسلات والأفلام الكورية مجرد إنتاجات ترفيهية فحسب، بل تتمتع أيضاً بالقدرة على الجمع بين شخصيات ومجتمعات مختلفة عبر بناء جسور ثقافية تعزز التواصل. لذا، يمكننا القول باطمئنان إنَّ شعبية الأعمال الفنية الكورية ستستمر في الازدياد خلال السنوات المقبلة.
الفن الكوري ودوره في استراتيجية "القوة الناعمة"
الصعود المذهل للنفوذ الثقافي العالمي لكوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة يوضح كيف تبني كوريا الجنوبية قوتها الناعمة في مختلف أنحاء العالم. أصبحت الموجة الكورية، المعروفة باسم "هاليو"، ظاهرة ثقافية بدأت في تسعينيات القرن الماضي وأثَّرت في ملايين الأشخاص حول العالم.
بدأ صعود المد الثقافي الكوري في المقام الأول مع انتشار المسلسلات والأفلام. انتشرت مسلسلات مثل "أغاني الشتاء" و"حبيبي من نجم آخر" خارج حدود قارة آسيا ليستمتع بها جمهور من مختلف القارات. تسارعت تلك الشعبية بعد إضافة الدراما الكورية -مثل مسلسل "هبوط طارئ للحب"- إلى المكتبة الخاصة بمنصة "نتفليكس". وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، تؤدي المسلسلات والافلام الكورية دوراً مهماً في تعزيز التنوع الثقافي والتفاهم المتبادل بين الثقافات المختلفة.
أخذ انتشار الموسيقى الشعبية الكورية الجنوبية هذه الموجة الثقافية إلى مستوى جديد. تصدرت فرق غنائية مثل " BTS " و "BLACKPINK " القوائم الموسيقية العالمية، مثل قائمة "بيلبورد" لأكثر 100 أغنية استماعاً. وفقاً لتقرير الموسيقى العالمي الصادر عن الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية لعام 2023، تعد ألبومات فرقة " BTS" من بين الألبومات الأكثر مبيعاً حول العالم، وهو ما يثبت أنَّ ظاهرة الموسيقى الشعبية الكورية تجاوزت شعبيتها حدود آسيا لتصل إلى جميع أنحاء العالم.
لا يتجلّى التأثير الاقتصادي للقوة الناعمة الكورية في أرقام مبيعات صناعة الترفيه فحسب، بل أيضاً في عائدات السياحة وحجم صادرات المنتجات. وفقاً لهيئة السياحة في كوريا الجنوبية، ساهمت شعبية الدراما والموسيقي الشعبية الكورية في زيادة تدفق السائحين إلى كوريا الجنوبية بأعداد كبيرة. يُبدي الزوار اهتماماً كبيراً بزيارة الأماكن التي شاهدوها في المسلسلات التلفزيونية والأفلام وتجربة الطعام الكوري وشراء منتجات التجميل الكورية.
لا يقتصر تأثير الأعمال الفنية الكورية في الجانب الاقتصادي والدبلوماسي للبلاد فحسب، بل يشمل أيضاً التفاعل الاجتماعي والثقافي. هناك اهتمام متزايد بين الشباب حول العالم بتعلّم اللغة الكورية ومعرفة المزيد عن الثقافة الكورية. تجمع صفحات المعجبين على منصات التواصل الاجتماعي ومنتديات شبكة الإنترنت بين أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة حول العالم، وهو ما يخلق شعوراً بالتآلف.
تحمل القوة الناعمة الثقافية لكوريا الجنوبية معنى أكبر كثيراً من مجرد نجاح صناعة الإعلام والترفيه في البلاد. تدفع هذه الظاهرة النمو الاقتصادي إلى الأمام وتُشكّل العلاقات الدولية وتعزز التفاهم بين الثقافات. قد يُمثّل نجاح كوريا الجنوبية في توسيع نطاق تأثيرها ونفوذها في جميع أنحاء العالم مصدر إلهام لدول أخرى، فالإيمان بقوة الثقافة واللغة والفنون في التقريب بين الناس عبر الحدود هي الاستراتيجية الرئيسية وراء صعود كوريا الجنوبية لتكون قوة ثقافية عظمى عالمياً.
بعض الأمثلة المختلفة للاقتباس من الأعمال الفنية الكورية
المسلسل التركي "خسوف القمر" مأخوذ في الواقع عن مسلسل كوري يسمى "الحديقة السرية". أما مسلسل "الطبيب المعجزة" -الذي حصل على تقييمات عالية وتصدر قوائم الأعلى مشاهدة لفترة- مقتبس من مسلسل كوري بعنوان "الطبيب الجيد". يحكي المسلسل قصة طبيب شاب يعاني من مرض التوحد. بثت أيضاً قناة "ABC" في الولايات المتحدة النسخة الأمريكية المقتبسة من هذا المسلسل الكوري والتي حملت نفس الأسم. حقق المسلسل نسب مشاهدة عالية أثناء فترة عرضه، حيث انتقد نظام الرعاية الصحية الأمريكي. هناك أيضاً مسلسل "سوتس" الذي عُرض في الولايات المتحدة بنفس الاسم الأصلي لنسخته الأصلية الكورية. يركز المسلسل على كواليس عالم القانون والمحاماة.
يمكن توسيع نطاق تلك الأمثلة وفقاً لتصنيفات مختلفة مثل البلد وأسلوب التناول ومدة العرض. توضح الأمثلة المذكورة أعلاه مدى تأثير الدراما الكورية ليس فقط داخل كوريا ولكن أيضاً على المستوى العالمي. أعيد تشكيل هذه الأعمال المتنوعة ثقافياً لجذب الجماهير المحلية مع الحفاظ على روح نسختها الأصلية. في الوقت نفسه، هذا النجاح للأعمال المقتبسة من الإنتاجات الفنية الكورية يعمل بمثابة جسر تواصل بين الثقافات المختلفة حول العالم، وهو ما يخلق بيئة من التفاعل والتفاهم على مستوى العالم. تعد أيضاً شعبية الأعمال المقتبسة وتأثيرها دلالة قوية على كيفية استخدام الأفلام والمسلسلات التلفزيونية أداة فعّالة لتعزيز "القوة الناعمة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.