فرض الله تعالى الصوم زاداً للروح وغذاءً للنفس ومتاعاً للقلب، لتسمو همم المسلمين وترتفع إلى درجة مستوى الملائكة المقربين لله تعالى، وقد جعل الله الصوم رياضةً ربانية تخلق من الإنسان الصادق في ذلك الشهر شخصاً كريماً يترفع عن الشهوات ويسمو عن الدنايا.
فالمراد بشهر رمضان -أي شهر الصيام- الذي كلف الله فيه المسلمين بالإمساك عن المفطرات من بياض النهار إلى سواد الليل مصحوباً بالإقلاع عن السيئات والكف عن المحرمات وترك اللغو واللهو، الانهماك في الطاعة والعبادة والخشية والتدبر أثناء قراءة القرآن والصلاة والذكر؛ حتى يخرج المسلم بالأجر الوفير والثواب الجزيل.
وفي شهر رمضان فرصةٌ للمرأة المسلمة لإصلاح النفس وتزكيتها، فمن أوجه العبودية التي تتمثل في حياة المرأة المسلمة في شهر الصيام أنها تتعلم الإخلاص لله عز وجل، كما قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وقال: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، فتتعلم المرأة أن تحفظ هذا السر الذي بينها وبين الله سبحانه وتعالى بالابتعاد عن هذه المفطرات، وأن ترعى الأمانة والعهد الذي بينها وبين الله في إكمال هذا الصوم من الفجر إلى الغروب، ولا تنقض عهد الله بأي نوع من أنواع المفطرات التي تفسد الصوم. وكذلك فإن تعلم هذا الإخلاص من شهر الصوم والصبر ينعكس بالنسبة للمرأة على الأعمال الأخرى، التي لا بد أن يبتغى فيها وجه الله، سواء كانت هذه الأعمال عبادة أو دعوة أو طلب علم أو أعمالاً خيرية.
ومن وجوه عبودية المرأة في شهر رمضان ما يحدث من مقاومتها لنفسها لامتناعها عن الطعام والشراب والنكاح، فيكون لهذا منع للنفس عن مألوفاتها، وهو تعويد وترويض لكف النفس عن الشهوات المحرمة في ليالي رمضان وأيام الشهور في غير رمضان.
كذلك فإن للمرأة في رمضان أيضاً، دوراً محموداً أيضاً وهو إطعام الطعام، ولكن هذا لا يعني أن تمكث المرأة في المطبخ طيلة الوقت لكي تعد أنواع الطعام والشراب في رمضان، فليس لأجل هذا فُرض الصوم، فإنما فرض لعل الناس يتقون، قال الله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183].
وللمرأة أن تذهب إلى المسجد لتؤدي فيه الصلوات ومنها صلاة التراويح، وكان عمر، رضي الله عنه، يخصص إماماً للنساء يصلي بهن، وإذا أتت إلى المسجد فصلت مع المسلمين فهذا أمر حسن، وإذا صلت في بيتها فهذا أحسن، وفي كل منهما خير، وفي حضور المرأة بالشروط الشرعية إلى المسجد تحقق موجبات الرحمة والمغفرة، من خلال الخشوع أثناء قراءة القرآن، وإقامة الصلاة، يقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن). (رواه أحمد وأبو داوود وصححه الألباني).
وأخيراً رمضان بخصوصياته الإيمانية، وأعماله الجليلة، والتي للمرأة نصيب كبير منها، يوجه المرأة إلى أن لا يكون همها في هذا الشهر مقتصراً على النوم الطويل، والتفنن في المآكل والمشارب، وأنها بدلاً من ذلك يجب أن تجعل رمضان منطلقاً لأعمال الخير المتعددة، ولتجديد دورها الرائد في الحياة كلها من قراءة للقرآن وذكر ودعاء وتربية ودعوة إلى الخير، وأن تستثمر أوقات هذا الشهر الفضيل فيما يجلب لها الفوز و السعادة يوم القيامة، وأن تغتنم أيامه ولياليه فيما يقربها من الجنة ويبعدها عن النار، وذلك بطاعة الله تعالى والبعد عن معاصيه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.