هل يقود تشابي ألونسو مدرسة جديدة في كرة القدم؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/04 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/04 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجّه كارلو أنشيلوتي نصيحة للمدربين الشباب بعدم إعطاء اللاعبين الكثير من التوجيهات أثناء الحيازة على الكرة، كي لا يحدوا من إبداعهم في الملعب.

اتفق المدرب الإيطالي واللاعب السابق تياغو موتا مع كلام أستاذه، عندما سُئل عن رأيه بما قاله أنشيلوتي، لكنه شدد على أهمية وضع ذلك الإبداع ضمن سياق مناسب، وإلا سيقع هؤلاء اللاعبون في مشكلة بالملعب – في إشارة منه إلى سوء التنظيم أو الضياع – لأنه من الصعب بالنسبة لهم أن يُعبّروا عن أنفسهم بشكل مطلق وسط الفوضى.

تُهاجم فرق أنشيلوتي بضراوة على جهة واحدة من الملعب، حيث يُركز المدرب الإيطالي على خلق تفوّق عددي بإحدى جهات الملعب. عكس ذلك، يهدف اللعب التموضعي على السيطرة المطلقة على كل المساحات في الملعب، كي يتيح للفرق التي تعتمد هذا الأسلوب أن تخترق كل القنوات الخمس. 

يُعتبر مدرب نادي أرسنال، الإسباني ميكيل أرتيتا من أبرز المدافعين عن اللعب التموضعي، وذلك عندما شرح أهميته بكلمات بسيطة: “إذا كنت في المطبخ، وكنت أعلم بأن الأكواب قد رتبتها في خزانة محددة، فسوف أجد فنجان قهوتي بسرعة في كل صباح”.

تأثر أرتيتا تماماً كما تشافي ودي زيربي، بأفكار أستاذه وصديقه بيب غوارديولا، أحد أكبر المروّجين لمعتقد اللعب التموضعي، ولكن مع سطوة هذا الأسلوب في كرة القدم، ظهر حزب معارض له، وكأن هناك محاولة لاغتيال غوارديولا كما كتب المدرب الموريتاني محمدي العلوي بإحدى المرات.

حقق فرناندو دينيز، مدرب فلومينينزي البرازيلي شهرة واسعة في العامين الماضين من خلال الكرة المثيرة التي يقدمها مع فلومينينسي، فرغم استقبال بيب له ومتابعته تدريبات مانشستر سيتي قبل سنوات، وصل المدرب البرازيلي إلى قناعة تامة أن اللعبة يجب أن تعود إلى اللاعب كما السابق.

بينما مالمو الفريق السويدي يقدم كرة قدم مناصرة لأفكار أنشيلوتي، فمدربه هينريك ريد ستورم يعتقد أنه أحياناً يود المدربون أن يشعروا وكأنهم آلهة في الملعب، يحبون أن يمتلكوا كل الأجوبة ويقدموها للاعبين، لذلك اللعب التموضعي شائع جداً في كرة القدم الحالية.

لكنه على النقيض، يعتبر أن التحدي الحقيقي يكمن بعدم امتلاك المدرب لكل الأجوبة، ومنح اللاعبين مساحة لإيجاد الحلول بأنفسهم، وأن التركيز على كل الأجوبة، يجب أن يكون في الحالة الدفاعية، وتحديداً بالرقابة الوقائية. 

حقق غوارديولا لقب دوري أبطال أوروبا بالموسم الماضي، وجاء ذلك بعد حركة تكتيكية ماكرة، عندما وضع ستونز في وسط الملعب، في فكرة مستلهمة من توخيل، لأنه كما بحث المدرب الإسباني طوال سنواته التدريبية على السيطرة الهجومية المطلقة، أراد تطبيق المبدأ نفسه مع الرقابة الوقائية.

يعتبر توخيل من أفضل المدربين في الرقابة الوقائية (هي عندما يكون الاستحواذ معك، لكنك تستعد بشكل استباقي لمحاولة قطع أي هجمة قد يقوم بها خصمك عندما تخسر الكرة) بأسلوبه 3-2، تحديداً مع تشيلسي، والذي أعطى الفريق امتيازات عديدة أثناء بناء اللعب أو بالاستعداد للدفاع عند خسارة الكرة، وكان جورجينيو وقتها العقل المدبر خلف كل العمليات.

تشابي ألونسو مدرسة جديدة في كرة القدم!

وسط كل هذه المعارك التكتيكية والتركيز المحموم على مدربين بارزين مثل أرتيتا، ناغليسمان، إنزاغي، ودي زيربي، برز اسم مدرب جديد على الساحة، وسرق الأضواء بصعوده السريع والمفاجئ، الإسباني تشابي ألونسو، مدرب فريق باير ليفركوزن، الذي يتربع حالياً على قمة الدوري الألماني.

تشابي ألونسو مدرب نادي بايرن ليفركوزن - تشابي ألونسو مدرسة جديدة في كرة القدم!
تشابي ألونسو مدرب نادي بايرن ليفركوزن

يلعب تشابي ألونسو،  بمحوري ارتكاز خلفهما خط دفاعي مكون من 3 مدافعين بخطة 1-2-4-3، حيث يبحث المدرب الإسباني أن يخلق وضعيات فيها تفوق عددي لصالح لاعبيه بين الخطوط.

تتيح هذه الاستراتيجية للمدرب الإسباني، أن يكون فريقه مرناً أمام مختلف الأساليب التي قد يتبعها منافسيه. لأنه بكل تأكيد، لن يبني من الخلف بالشكل نفسه أمام الفرق التي لا ترفع خطوطها تماماً كتلك التي تضغط بحدة عالية.

ألونسو لا يبحث عن المرونة في بناء اللعب فقط، بل بالطريقة التي يُهاجم بها لاعبوه أيضاً. وقد ظهر ذلك من خلال رغبته بدمج جزء من أفكار اللعب التموضعي واللعب الوظائفي معاً.

مدرب ليفركوزن يطبق بالفعل مبادئ اللعب التموضعي، لكن ذلك يقتصر على مرحلة بناء اللعب فقط، ولا يسعى للهجوم على القنوات الخمس بشكل كامل، بل يفضل التركيز على خلق تفوق عددي في جانب واحد من الملعب، على غرار ما يفعله أنشيلوتي.

بالتالي، ألونسو لم يقم بتأسيس مدرسة جديدة في كرة القدم بقدر ما استقى ما أعجبه من مجموعة واسعة من الأفكار، وقام بتطويرها بما يتناسب مع رؤيته الخاصة. فكما يذكر بيب غوارديولا في كتابه: “الأفكار في عالم كرة القدم ملك للجميع، ولقد استعرت وما زلت استعير منها ما أستطيع”.

كذلك، قرار ألونسو بالاستمرار مع ليفركوزن لموسم إضافي، يُعد خطوة موفقة تُسجل في صالحه، معبراً عن حرصه الحقيقي على تنمية مهاراته وتطوير ذاته كما صرح. إذ يُتيح اللعب لأندية ذات قاعدة جماهيرية أصغر وتحت ضغوط أقل فرصة أكبر لتجريب أفكار جديدة بصعوبة أقل وراحة أكبر.

وربما لأنه تعلم ممن سبقوه، الذين فضلوا المكاسب المادية والشهرة الفورية على التطور المستمر والتدرج في النجاح، والتطور التصاعدي، فمن يطمح للوصول إلى القمة يجب عليه أن يتحلى بالصبر ويجتنب التسرع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

هل يقود تشابي ألونسو مدرسة جديدة في كرة القدم؟

هل يقود تشابي ألونسو مدرسة جديدة في كرة القدم؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/04 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/04 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجّه كارلو أنشيلوتي نصيحة للمدربين الشباب بعدم إعطاء اللاعبين الكثير من التوجيهات أثناء الحيازة على الكرة، كي لا يحدوا من إبداعهم في الملعب.

اتفق المدرب الإيطالي واللاعب السابق تياغو موتا مع كلام أستاذه، عندما سُئل عن رأيه بما قاله أنشيلوتي، لكنه شدد على أهمية وضع ذلك الإبداع ضمن سياق مناسب، وإلا سيقع هؤلاء اللاعبون في مشكلة بالملعب – في إشارة منه إلى سوء التنظيم أو الضياع – لأنه من الصعب بالنسبة لهم أن يُعبّروا عن أنفسهم بشكل مطلق وسط الفوضى.

تُهاجم فرق أنشيلوتي بضراوة على جهة واحدة من الملعب، حيث يُركز المدرب الإيطالي على خلق تفوّق عددي بإحدى جهات الملعب. عكس ذلك، يهدف اللعب التموضعي على السيطرة المطلقة على كل المساحات في الملعب، كي يتيح للفرق التي تعتمد هذا الأسلوب أن تخترق كل القنوات الخمس. 

يُعتبر مدرب نادي أرسنال، الإسباني ميكيل أرتيتا من أبرز المدافعين عن اللعب التموضعي، وذلك عندما شرح أهميته بكلمات بسيطة: "إذا كنت في المطبخ، وكنت أعلم بأن الأكواب قد رتبتها في خزانة محددة، فسوف أجد فنجان قهوتي بسرعة في كل صباح".

تأثر أرتيتا تماماً كما تشافي ودي زيربي، بأفكار أستاذه وصديقه بيب غوارديولا، أحد أكبر المروّجين لمعتقد اللعب التموضعي، ولكن مع سطوة هذا الأسلوب في كرة القدم، ظهر حزب معارض له، وكأن هناك محاولة لاغتيال غوارديولا كما كتب المدرب الموريتاني محمدي العلوي بإحدى المرات.

حقق فرناندو دينيز، مدرب فلومينينزي البرازيلي شهرة واسعة في العامين الماضين من خلال الكرة المثيرة التي يقدمها مع فلومينينسي، فرغم استقبال بيب له ومتابعته تدريبات مانشستر سيتي قبل سنوات، وصل المدرب البرازيلي إلى قناعة تامة أن اللعبة يجب أن تعود إلى اللاعب كما السابق.

بينما مالمو الفريق السويدي يقدم كرة قدم مناصرة لأفكار أنشيلوتي، فمدربه هينريك ريد ستورم يعتقد أنه أحياناً يود المدربون أن يشعروا وكأنهم آلهة في الملعب، يحبون أن يمتلكوا كل الأجوبة ويقدموها للاعبين، لذلك اللعب التموضعي شائع جداً في كرة القدم الحالية.

لكنه على النقيض، يعتبر أن التحدي الحقيقي يكمن بعدم امتلاك المدرب لكل الأجوبة، ومنح اللاعبين مساحة لإيجاد الحلول بأنفسهم، وأن التركيز على كل الأجوبة، يجب أن يكون في الحالة الدفاعية، وتحديداً بالرقابة الوقائية. 

حقق غوارديولا لقب دوري أبطال أوروبا بالموسم الماضي، وجاء ذلك بعد حركة تكتيكية ماكرة، عندما وضع ستونز في وسط الملعب، في فكرة مستلهمة من توخيل، لأنه كما بحث المدرب الإسباني طوال سنواته التدريبية على السيطرة الهجومية المطلقة، أراد تطبيق المبدأ نفسه مع الرقابة الوقائية.

يعتبر توخيل من أفضل المدربين في الرقابة الوقائية (هي عندما يكون الاستحواذ معك، لكنك تستعد بشكل استباقي لمحاولة قطع أي هجمة قد يقوم بها خصمك عندما تخسر الكرة) بأسلوبه 3-2، تحديداً مع تشيلسي، والذي أعطى الفريق امتيازات عديدة أثناء بناء اللعب أو بالاستعداد للدفاع عند خسارة الكرة، وكان جورجينيو وقتها العقل المدبر خلف كل العمليات.

تشابي ألونسو مدرسة جديدة في كرة القدم!

وسط كل هذه المعارك التكتيكية والتركيز المحموم على مدربين بارزين مثل أرتيتا، ناغليسمان، إنزاغي، ودي زيربي، برز اسم مدرب جديد على الساحة، وسرق الأضواء بصعوده السريع والمفاجئ، الإسباني تشابي ألونسو، مدرب فريق باير ليفركوزن، الذي يتربع حالياً على قمة الدوري الألماني.

تشابي ألونسو مدرب نادي بايرن ليفركوزن - تشابي ألونسو مدرسة جديدة في كرة القدم!
تشابي ألونسو مدرب نادي بايرن ليفركوزن

يلعب تشابي ألونسو،  بمحوري ارتكاز خلفهما خط دفاعي مكون من 3 مدافعين بخطة 1-2-4-3، حيث يبحث المدرب الإسباني أن يخلق وضعيات فيها تفوق عددي لصالح لاعبيه بين الخطوط.

تتيح هذه الاستراتيجية للمدرب الإسباني، أن يكون فريقه مرناً أمام مختلف الأساليب التي قد يتبعها منافسيه. لأنه بكل تأكيد، لن يبني من الخلف بالشكل نفسه أمام الفرق التي لا ترفع خطوطها تماماً كتلك التي تضغط بحدة عالية.

ألونسو لا يبحث عن المرونة في بناء اللعب فقط، بل بالطريقة التي يُهاجم بها لاعبوه أيضاً. وقد ظهر ذلك من خلال رغبته بدمج جزء من أفكار اللعب التموضعي واللعب الوظائفي معاً.

مدرب ليفركوزن يطبق بالفعل مبادئ اللعب التموضعي، لكن ذلك يقتصر على مرحلة بناء اللعب فقط، ولا يسعى للهجوم على القنوات الخمس بشكل كامل، بل يفضل التركيز على خلق تفوق عددي في جانب واحد من الملعب، على غرار ما يفعله أنشيلوتي.

بالتالي، ألونسو لم يقم بتأسيس مدرسة جديدة في كرة القدم بقدر ما استقى ما أعجبه من مجموعة واسعة من الأفكار، وقام بتطويرها بما يتناسب مع رؤيته الخاصة. فكما يذكر بيب غوارديولا في كتابه: "الأفكار في عالم كرة القدم ملك للجميع، ولقد استعرت وما زلت استعير منها ما أستطيع".

كذلك، قرار ألونسو بالاستمرار مع ليفركوزن لموسم إضافي، يُعد خطوة موفقة تُسجل في صالحه، معبراً عن حرصه الحقيقي على تنمية مهاراته وتطوير ذاته كما صرح. إذ يُتيح اللعب لأندية ذات قاعدة جماهيرية أصغر وتحت ضغوط أقل فرصة أكبر لتجريب أفكار جديدة بصعوبة أقل وراحة أكبر.

وربما لأنه تعلم ممن سبقوه، الذين فضلوا المكاسب المادية والشهرة الفورية على التطور المستمر والتدرج في النجاح، والتطور التصاعدي، فمن يطمح للوصول إلى القمة يجب عليه أن يتحلى بالصبر ويجتنب التسرع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى فرحات
مدون رياضي
مدون رياضي
تحميل المزيد