“أنا لست لي”.. لأن أزمة الشعوب العربية هي خذلان حكامها وخنوعهم

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/04 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/04 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
مظاهرة بالجامع الأزهر تضامنا مع فلسطين/الأناضول

"أنا لست لي!" أدرك يقيناً أن الشاعر محمود درويش كان يصور حالةً فريدة من التلاشي الشخصي في هذا البيت الخالد من تراثه الشعري، ولكنه بات اليوم يمثل حالة سياسية عربية عنوانها الخنوع وتعطيل كل مستشعرات الانتماء على مختلف عناوينها، وبأوضح ما تكون عليه الصورة وتظهر بها الأشكال.

وربما ذلك مرتبط بالشكل الذي تأسست عليه الدول العربية، والذي أنتج في أغلبها وليداً ضعيفاً لا يكبر أبداً ولا يمتلك مقومات القوة الذاتية، وأبقى حالة الاحتياج الدائم للغير، والارتهان إلى قوته، ونزع كل أشكال الإحساس والشعور والالتزام إلا إلى القوة والسلطة وتوهم البقاء والخلود!

إن كثيراً من الزعامات وعلى طول الزمن الممتد من تشكل الحالة العربية المعاصرة وحتى اليوم ارتضت لنفسها عقد تلك الصفقة البائسة ليس اضطراراً، بل رغبةً وانحيازاً وقراراً طوعياً يتلذذ فيه صاحبه بمشاعر الذل، ويغطي عليه بالمزيد من البهرجة الزائفة التي لا قيمة لها، ولا تنجح في ستر ما انكشف من قبح خطاياه المرتكبة.

ومن المثير أن هذا النزوع المحموم نحو السلطة يتجاوز بمرور الوقت فرديته، فيتحول كما نرى دوماً إلى ظاهرة جماعية تبدأ بالعائلة، وتتطور وصولاً لتحول المنصب إلى مؤسسة وراثية لا تغيير فيها ولا تبديل.

ولذلك حين يطلب الناس بين الحين والآخر موقفاً أو انحيازاً للحق أو نصرة للمظلوم من الأنظمة الرسمية لا يجدون إلا العكس، ارتزاق واضح وبيّن، وانحياز قبيح للمظلوم، وفي أحسن الأحوال صمت مطبق لا أول له ولا آخر، وعدم الاهتمام بكل ما يقال عنهم، فهم في وادٍ والشعوب وتطلعاتها في وادٍ آخر، ما يؤكد أن هذا الطلب أو الانتظار حتى لا قيمة له، فهو انتظار لوهم لن يتحقق، وامتلاء من فراغ!

يضاف إلى ذلك التفكك الكبير الذي ساد الحالة العربية، والذي أسهم في تثبيت هذا الواقع السلبي، وزاد منها هذا الانكفاء على الذات، والعمل على تنمية الحال دون الاهتمام بإسناد الأشقاء، ناهيك عن تحويل فوهات الصراع ووجهة القوة، فكأنهم غدوا هنا الإخوة الأعداء.

ولعل ذلك كله انعكاس كذلك لترسيخ الحالة القطرية البحتة، ومحاولة تذويب الشعور العربي والإسلامي العام، وتنمية الهويات الفرعية على حساب ما سواها من الهويات الأكبر والأعم، ما أفرز اليوم هذا الجمود والجحود النكد.

أنا لست لي: يقولها بنشوة زعيم عربي قدم صكوكه الموقعة على بياض، ويرددها كلما أحكمت التزامات الأخلاق والوطنية ومعاني الدين العظيم عليه الحصار.

أنا لست لي: إجابة ثابتة وموقف خانع مستمر وتبرير واهن يسطره الحاكم ولا يجد سواه بديلاً.

أنا لست لي: بل للقوى الكبرى التي تتحكم بالمشهد بشكل واضح ويخشى غضبهم هذا الزعيم أو ذاك.

ذلك هو نشيد السلطة الكؤود، الذي يقابله ترنيم الشعوب الغاضبة المنادية بالتحرر من سطوة الاستبداد.. فأي النشيدين ستكون له الغلبة والانتصار؟!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عامر ممدوح
أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة العراقية
أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة العراقية
تحميل المزيد