رغم استخدام كل "الألعاب" و"الحيل" وحتى "السحر" الذي يملكه المخرج المصري الناجح محمد سامي، كي يجني مسلسل "نعمة الأفوكاتو" بعضاً من نجاح "جعفر العمدة" المذاع في العام الماضي، إلا أن "الطبخة" اللذيذة التي يقدمها المخرج الشهير، كل عام، بالكيفية ذاتها، فشلت هذا العام في الوصول إلى الجمهور بذات القوة، ولم يجن أثراً يذكر مقارنة بسابقه، رغم الإمكانات الكبيرة، المتاحة، حيث بقي عنصر واحد خارج نطاق الخدمة، فأوقع العمل ككل في دائرة النقد، بل والهجوم.
كل هذا الإيمان!
في الوقت الذي أعاد فيه الإعلان عن مسلسل نعمة الأفوكاتو، الصورة الشهيرة للمحامي حسن سبانخ، في فيلم "الأفوكاتو" 1983 من بطولة النجم المصري عادل إمام، إلا أن دقائق قليلة من العمل كانت كفيلة بإغلاق أي باب للمقارنة، بين عمل عظيم مازال يحصد الإعجاب والمشاهدة والضحكات حتى الآن، وآخر تم فرضه فرضاً على المشاهدين.
وبخلاف تشابه الأسماء، ولازلت أتساءل حول السبب الذي دفعهم لاختيار اسم "كليشيه" كهذا، حيث لم يعد أحد في مصر يستخدم هذا المصطلح، ربما باستثناء صناع مسلسل "نعمة" الذين أعادوه للأذهان ولكن بصورة سلبية للغاية.
شاهدت مقطع فيديو يروي فيه الزوجان، محمد سامي، ومي عمر، قصة المسلسل الجديد، والحق أن الرجل يأخذ عمله بمأخذ جد شديد، حيث يواصل التفكير ليلاً ونهاراً، في الطريقة التي ستظهر بها زوجته على الشاشة، يقول محمد سامي: "كنت بفكر أنا ومي في مسلسل أكتبهولها، وفي يوم صحيتها من النوم الساعة 4 الفجر قولتلها مي إصحي إصحي، خلاص عرفت فكرة مسلسلك اللي جاي"، لتكمل هي القصة من جهتها وتقول: "وحكالي برومو المسلسل، محامية بتقول كذا كذا، عجبتني الفكرة، وقولتله شايفة إنها تكون مصرية عادية من منطقة طبيعية مايكونش مجتمع إيه كلاس"، ثم يعود محمد سامي ليكمل: "كتبت حلقة واحدة في نفس اليوم، كان عاجبني لسان الشخصية، وبعدها كلمت مهاب السيناريست وحكيتله وقولتله تعالى اسرح في الموضوع، وبدأ يقول أفكار ومي تقول أفكار، ومسكناها حلقة حلقة نحل مشاكل ونقفل الفجوات، واشتغلنا على الورق واديناله حقه".
يعترف المخرج المصري أن زوجته هي من اختارت الطريقة التي سوف تخرج بها شخصية نعمة على الشاشة، لازماتها، وطريقتها، وحركتها، حتى طريقة تعديل التربون، واللازمة التي بدت لي سخيفة جداً: "يا لهوي".
مازلت أتساءل عن هذا الإيمان العميق لدى محمد سامي بزوجته مي عمر، كل هذا الدعم، والثقة، وبالطبع الحب، الذي يغمي عينيه عن حقيقة تواضع قدرات مي الفنية، ربما لهذا قالوا "مراية الحب عامية"، وربما لهذا، لا يتوقف سامي، عن منح مي فرصة بعد أخرى، دون اكتراث لمدى إجادتها من عدمه، المهم أن تحصل على الفرصة وأن يتم الأمر على طريقة سامي ومي، ولتزأر العاصفة بعد ذلك، فالفرص بلا نهاية، وإن توقفت الشركة المتحدة عن الإنتاج، عقب مأساة مسلسل "نسل الأغراب" فلن تتوقف جهات أخرى عن ذلك كما هو الحال هذا العام، حيث قامت شركة مصرية خاصة بإنتاج العمل، ومن الحب ما قتل.
خلطة لا تخيب.. لماذا خابت هذه المرة؟
يملك محمد سامي خلطة لا تخيب أبداً، أو كما يقول بعض النقاد "توليفة" تبدأ مع بطل مثالي يحب المحيطين، وصعود من الصفر إلى قمة النجاح، بعد غدر غير متوقع ثم كثير من البكاء والانهيار، ثم تأتي المرحلة المحببة للمشاهدين والمخرج والمؤلفين المتعاونين حيث الانتقام العنيف جداً، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة، حيث النهايات السعيدة التي ترضي المشاهد، وتجعله يودع الحلقات قرير العين، هادئ النفس، حيث كل شيء على ما يرام، تلك الحلقة التي يحصل فيها المجرمون على جزائهم، ويعيش فيها البطل السعادة المطلقة.
لكن لماذا لم يحظ المسلسل بنسب المشاهدات ذاتها التي حصدها جعفر العمدة في العام الماضي؟ صحيح أن انعدام المنطق سمة مشتركة بين أعمال سامي التي يتناسى معها الجمهور كل شيء في مقابل الحصول على حدوتة جذابة، لكن برأيي هناك أسباب عديدة وراء فشل الخلطة الناجحة هذا العام، يمكن تلخيصها جميعاً في عدة أسباب أساسية، في مقدمتها "مي" والتي تميز أداؤها بالعديد من المشاكل أهمها:
- الانفعالات العنيفة جداً التي يمكن وصفها باللغة الدارجة أنها "أوفر"، حيث الكثير من الضرب باليدين على الأثاث، والصراخ غير المتقن.
- طريقة الإلقاء التي بدت وكأنها "تسميع" أكثر منها تمثيلاً.
- الجمل الطويلة جداً، التي ينقطع معها نفس "الممثلة" قبل استكمال الجملة، فتخرج بطريقة ركيكة وغير مقنعة.
- محاولات تقمص شخصية بنت البلد التي باءت بالفشل بشدة، حيث مخارج الحروف بها مشكلة حقيقية، وطريقة الحديث راقية رغم كل محاولات تقمص "السوقية".
وقد ساهم في الوقت نفسه عدد من العوامل الأخرى، في هذا الفشل، أهمها المبالغة الشديدة في أداء بقية الشخصيات، حيث بدا الجميع "يمثلون" حقاً، ربما باستثناء المنتج والممثل عماد زيادة، أما الباقون فقد أذهلتني كم الأفواه المعووجة، ونبرات الصوت التي جاءت أعلى من الاحتمال، والجمل المثيرة للتعجب، لعل أغربها جملة "صلاح" أحمد زاهر، والذي قدم دور زوج نعمة، وهو يحدث جثة زوجته الثانية ويقول لها: "موتي عشان ماتدنيش فلوسي، برضو هاخدهم منك يا سارة، هاخد فلوسي.. إديني فلوسي وبعدين غوري في داهية، هاخد فلوسي منك حتى لو موتي".
أذهلني أيضاً اختيار أسماء كليشه تماماً كعنوان المسلسل مثل، لقب "أبو علب" الذي حمله والد نعمة سعيد أبو علب، و"عم كراسي"، و"أبو الصلح"، ناهيك عن تيمة سامي الشهيرة والتي يقوم فيها أبطاله بإهانة المحيطين بهم في محيط العمل، وهو ما تعمدت نعمة القيام به طوال المسلسل، حيث ظلت إهانة الموكلين، ومعاملتهم بطريقة غير لائقة، سمة مشتركة حتى في البرومو التشويقي الذي تم بثه حول للمسلسل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.