حينما سجل ميسي هدفه الشهير أمام خيتافي بطريقته المارادونية، تحديداً في عام 2007، كان باو كوبارسي، منذ 3 أشهر، قد صرخ صرخته الأولى في هذا العالم.
حينما كان ميسي يشق طريقه نحو المجد والمقارنات، بينه وبين دييجو أرماندو مارادونا، كان باو كوبارسي يحبو في الأحياء الكتالونية دون دراية بما ينتظره بعد أعوام!
في السابعة من عمره، خرج باو كوبارسي إلى صفوف النادي الكتالوني الأصغر في المقاطعة؛ فريق جيرونا، ومنذ ذلك الحين وهو يلفت الأنظار بشدة من قِبل كل من رآه.
وفي عام 2018، في الحادية عشرة من عمره تحديداً، انضم باو كوبارسي بشكل رسمي إلى صفوف فريق برشلونة بفئاته السنية المختلفة.
6 سنوات كاملة، عاشها باو كوبارسي من أصل 17 عاماً في صفوف برشلونة، لكنه لم يكن معروفاً بهذه الكيفية، حتى راهن عليه أسطورة برشلونة تشافي هيرنانديز، الذي يقود زمام القيادة الفنية للفريق حالياً.
لم يكن ظهور باو كوبارسي في الفريق الأول يستدعي الاحتفاء به؛ ربما لأن نادي برشلونة قد تعايش مؤخراً مع كم كبير من المواهب التي حاولت الصحافة تضخيمها، والإعلام تنجيمها بشتى الطرق.
لكن، سرعان ما أثبت باو كوبارسي أنه قد يكون الاستثناء الحقيقي لهذه الفترة العصيبة التي شهدها موسم برشلونة، الذي ظهر فيه كوبارسي بشكل رسمي بعد الخسارة التاريخية في كأس السوبر الإسباني في الرياض أمام غريمه التقليدي ريال مدريد برباعية.
ظهر باو كوبارسي في فترة حرجة، كان دفاع برشلونة ينزف فيها دون مبالغة، وأصبح من الصعب على لاعب في السابعة عشرة من عمره أن يتأقلم سريعاً في خط دفاع تم تجهيزه منذ سنتين لهذه الحقبة تحت قيادة تشافي هيرنانديز.
في الجهة المقابلة، كانت قرعة دوري أبطال أوروبا في ثُمن النهائي لها، تضع فريق برشلونة في مواجهة قوية أمام نادي نابولي الإيطالي، وهو نفس التوقيت الذي ثبّت فيه كوبارسي أقدامه في خط دفاع برشلونة، لدرجة أنه اتخذ مركز أندرياس كريستنسن، الذي تقدم في الخطة وأصبح لاعب المحور الدفاعي للفريق، وتحول جول كوندي إلى ظهير أيمن، وأصبح كوبارسي ثاني قلبي الدفاع بجوار الأوروجوياني رونالد آراوخو!
باو كوبارسي مستقبل دفاع برشلونة
لم يكن من السهل تصديق أن كوبارسي سينجح، حتى وإن حجز مقعداً أساسياً له في صفوف النادي الكتالوني، مع تزاحم المباريات المهمة والمفصلية للفريق على الخط في مرحلة مهمة من الموسم.
حتى أتت تلك المواجهة القوية، بين فريق برشلونة الإسباني ونادي نابولي الإيطالي، في إياب ثمن نهائي مسابقة دوري أبطال أوروبا في ملعب المونتجويك في كتالونيا.
بعد أشهر قليلة من تتويج النيجيري فيكتور أوسيمين بجائزة أفضل لاعب في قارة أفريقيا، لم تكن الجائزة ورواجها يعنيان أي شيء للصغير باو كوبارسي، الذي استطاع تحجيم أفضل لاعب في قارة أفريقيا بشكل كامل طوال اللقاء.
والذي وُلد بشهادة ميلاد رسمية من تلك الليلة التاريخية والصعبة، حتى أتته بشكل رسمي من قِبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم؛ بجائزة أفضل لاعب في المباراة عقب نهايتها.
واستطاع دفاع برشلونة، المُتذبذب ما قبل كوبارسي، أن يستقر على حالة مثالية بعده، وقلّت الأهداف المُسجلة في شباك الفرق، واتضح أن الصغير يخرج من مناطقه الدفاعية لإيقاف الهجمات تقريباً من نصف الملعب إذا كان الفريق في حالة هجومية كاملة.
وكالعادة، اصطدم باو كوبارسي بالمُعضلة التي اشتهر بها نادي برشلونة؛ معضلة المقارنات المتزامنة مع تألق الشباب تحديداً بقامات وقادة الفريق تاريخياً.
حتى أخذ لقب "بيكيه الجديد"، ولم يكن الإعلام الكتالوني وحده هو الذي يتغنى بالشاب الإسباني، لكن حتى المحلل الإنجليزي أوين هارجريفز، الذي قال عن باو كوبارسي إنه نجم المستقبل بالنسبة لنادي برشلونة بالتحديد، عقب مباراة نابولي التاريخية وما قدمه خلالها!
ويبدو أن الحظ قد ابتسم لباو كوبارسي؛ الذي أصبح فيما بعد أصغر لاعب تمثيلاً لمنتخب إسبانيا خلال مشاركته كبديل في مباراة إسبانيا الودية أمام منتخب كولومبيا في لندن، وبذلك يكون قد جمع كل الصفات الحسنة دفعة واحدة.
هل يفرُط برشلونة في استخدام باو كوبارسي؟!
لكن الخوف كله على باو كوبارسي، من أن يصل إلى ما وصل إليه أنسو فاتي، اللاعب الشاب الذي قالوا إنه خليفة ميسي، والذي دمرته الإصابات ولم تُسعفه بنيته الجسدية ولا قدرته النفسية على تحمل عبء الرقم 10 عقب رحيل ميسي!
الخوف على كوبارسي أيضاً، من أن يلقى مصير بيدري جونزاليس، الذي وصل من صفوف فريق لاس بالماس في جزر الكناري في صفقة لم يزد سعرها عن 6 ملايين يورو، وأصبح في الوقت الحالي عُرضة دائماً للإصابات والسقوط الحُر فيها.
يعيش برشلونة مرحلة التضاد دائماً، بين ما يريده فيتشبث به، وبين ما لا يُريده فيُصر على استنزافه؛ فنجد أن أغلب المواهب الشابة التي غادرت الفريق مؤخراً غادرته بسبب ضعف احتمالية مشاركتها بسبب قامات الفريق كله، الذين خرجوا فيما بعد، وتركوا للفريق عناصر شابة في أكاديميته، كان لزاماً على برشلونة أن يُجربها ويرتضي بنتيجة التجربة، سواء بالفشل أم النجاح.
أغلب عناصر برشلونة، التي قال الإعلام إنها ميسي الجديد، بويول الجديد، تشافي الجديد، إنييستا الجديد، لا يعيشون الحاضر الذي عاشه في الماضي كل من يُقارنون بهم!
حيث كانت جودة برشلونة مختلفة، والإدارة الفنية له عبقرية، والإدارة المتمثلة في الرئيس وحاشيته أفضل اقتصادياً من الوضع العام حالياً، حيث كان من السهل البحث عن المواهب الشابة وإدراجها في فريق بالفعل قد نجح، عكس من يدخلون التشكيلة حالياً بضرورة النجاح.
قد يكون باو كوبارسي أحد الضحايا المحتملين، في قائمة سيسخر الناس فيها من بيكيه الجديد، الذي قد ينتهي به المطاف، وكما جرت العادة في برشلونة، إما إلى الإصابة، أو للخروج من صفوف الفريق لفرق أقل في ترتيب الليجا الإسبانية.
أو يُثبّت باو كوبارسي أقدامه بصلابة في صُلب الفريق، وحينها سيكون مُلزماً بضرورة الحفاظ على هذا المركز الذي ربما لم يسعَ إليه راغماً، وإنما أتاه قدراً ورزقاً.
بعد ما أثبت نجاحه الباهر أمام نابولي، ثم أتلتيكو مدريد، سيتعين على باو كوبارسي حالياً أن يوقف قطار باريس سان جيرمان الذي يقوده كيليان مبابي، وإذا أفلح في ذلك فسيتجه نحو حلم ربما كان يفوق عمره قبل عدة أشهر، لكن في الوقت الحالي فهو يُبرهن على أنه كبير بما فيه الكفاية على مثل هذه الأحلام!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.