في يناير/ كانون الثاني الماضي، انتقد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، محكمة العدل الدولية لإصدارها سلسلة من الإجراءات المؤقتة ضد إسرائيل، واصفاً الهيئة الدولية بـ"المعادية للسامية".
بينما اتهم الشهر الماضي، الأمم المتحدة بأنها مؤسسة معادية للسامية ولها أمين عام معادٍ للسامية، إذ يرى أن قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص وقف إطلاق النار الفوري في غزة لأسباب إنسانية، ما هو إلا مساعدة لمقاومة لإعلان نصرها.
هذه التصريحات ليس من المبالغة وصفها بالفاشية، بل هي اعتى، فهي تخرج من فم وزير معروف من قبل العالم بتطرفه الديني لأقصى درجة، في حكومة احتلال، وفقاً لقوانين الدولية. رغم هذا يبدو أن العالم لا يأبه، فبعد مرور نصف عام مازالت أمريكا وبعض الحكومات الغربية تبرر المجازر التي ترتكبها حكومة بن غفير وأصدقائه، فالغرب الذي يتحسس من الفاشية، لا يرى الآن أي ملامح أو صفات مشتركة بينها وبين بن غفير وشركاه.
إذ يبدو أن الغرب كالعادة أصيب بفقدان الرؤية التاريخيّة، فحين يتعلّق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، وحين يتعلّق الأمر بالوقوف أمام تاريخهم الاستعماري الذاتي، والجرائم التي ارتكبتها حضارتهم المجيدة، يفقدون المنطق والتحضر المزعوم.
في مقال للفيلسوف والكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو، يُطلعنا على استطلاع للرأي أُجري في بريطانيا كشف عن مفارقة مثيرة: ربع الشبان البريطانيين دون سن العشرين يرون في ونستون تشرتشل، القائد البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، شخصية من نسج الخيال. بينما يميل العديد من المشاركين في الاستطلاع إلى الاعتقاد بأن شخصيات كشارلوك هولمز وروبن هود لها جذورها في الواقع.
في ختام المقال، يسحب إيكو استنتاجاً حاداً، مشيراً إلى أن الفارق ليس بالضرورة واسعاً بين البريطاني الذي يعتقد بأن تشرتشل كان شخصية من نسج الخيال، وبين الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الذي ذهب إلى حرب العراق معتقداً أن بالإمكان حسمها في غضون 15 يوماً. يرى إيكو أن كلا الحالتين تُعبر عن ظاهرة مماثلة تتمثل في النقص في الوعي التاريخي والتصور الواقعي للأحداث.
ذلك تماماً ما يصيب العالم اليوم تجاه الاحتلال الإسرائيلي وتطرفه، إذ يغض البصر عن حقيقته، عن كونه هو المجرم والمحتل، ورغم المآسي وانحياز الشوارع وأغلب البشر للحق الفلسطيني، مازالت الحكومات الغربية ومؤسساتها تراوغ.
إن إسرائيل لا تحتل فلسطين فقط، بل تحتل العالم، بالسيطرة على فكره ورؤيته، وهذا ما يشكل تهديداً للنظام العالمي وشكل الحضارة التي نعرفها اليوم، إذ لا ترى إسرائيل في الاتفاقيات الدولية ولا القوانين أي فائدة، وتضرب بها كل يوم عرض الحائط. فمنذ نشأتها، شكّلت إسرائيل عنصراً مثيراً للخطر والاضطراب في النظام الدولي، مسببة توترات في مسائل السلام والأمن العالميين. حيث تأسست على أراضٍ فلسطينية واستولت على أجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية، في تحدٍّ واضح للأعراف والقوانين الدولية، حسب ما نصت عليه قوانين الأمم المتحدة.
ولم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، بل وسّعت حدودها منفردة عبر سلسلة من الحروب مع دول الجوار العربي، متبعةً سياسة عدوانية ضد دول المنطقة والفلسطينيين.
وتكمن الخطورة في اعتبار إسرائيل دائماً واحدة من أكبر الاستثناءات في النظام العالمي؛ فهي لا تحدد حدودها الإقليمية بوضوح وتعرّف نفسها كدولة لكل اليهود حول العالم، متجاوزةً مفهوم الدولة القومية الذي يستند إلى حدود معروفة ومواطنة محددة.
على الرغم من امتلاكها للأسلحة النووية، ترفض إسرائيل الإفصاح عن ذلك رسمياً، بينما تعمل على منع أي تطور نووي في المنطقة، خاصةً في إيران. بل بكل عنجهية هددت وزراء الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول العربية والشعب الفلسطيني، في تعبير عن السياسة العدائية بشكل صريح.
بالإضافة لذلك، تشجع على استيطان اليهود في الأراضي الفلسطينية، في مثال صارخ للاستعمار الاستيطاني، مستخدمةً العنف والإرهاب.
ما يجري اليوم من الاحتلال الإسرائيلي بدعم الغرب ما هو إلا الفاشية التي تخشاها أوروبا، فما تقوم به لفرض ممارسات دولية تضرب بعرض الحائط مرتكزات الشرعية الدولية السابقة، وتفرض شرعية جديدة قائمة على العنف والقوة المفرطة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.