منذ بدء معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 يشن الاحتلال حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلفت أكثر من 32 ألفاً و705 من الشهداء، وأكثر من75 ألفاً و190 من الإصابات، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً بالبنية التحتية وارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في القطاع، وضمن تلك الانتهاكات الصارخة والصادمة ضد الصحفيين، وبالتحديد شبكة "الجزيرة" الإعلامية.
الصور الأخيرة التي عرضتها قناة الجزيرة لانتشال جثث متفحمة لشهداء في الشوارع والطرق المحيطة بمشفى الشفاء الطبي، والعثور على مئات الجثث في المشفى ومحيطه عقب انسحاب الاحتلال، شاهدة على إجرام وفاشية الاحتلال، ولطالما أثارت فيديوهات بثتها قناة "الجزيرة" حول أحداث العدوان في غزة ردود فعل عربية وعالمية وغالباً ما يقوم الاحتلال بالرد عليها، وآخرها فيديوهات مسربة من طائرة مسيرة "إسرائيلية" بعد الاستيلاء عليها، يظهر استشهاد مدنيين عزل، وجرف وتنكيل بجثث مواطنين.
هذه الصور والمشاهد تُضاف إلى سجل الاحتلال واعتداءاته الممنهجة على أهالي قطاع غزة، وعلى الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، وتكميم الأفواه، فقد دمر الاحتلال عديداً من مقرات الوسائل الإعلامية ضمن حربه المستمرة على قطاع غزة، وترهيب الصحفيين وتخويفهم، بهدف طمس الحقيقة ومنعهم من نقل الكلمة والصورة عما يجري داخل قطاع غزة من جرائم بشعة يرتكبها على مدار الساعة، وقناة "الجزيرة" وحدها تقريباً والسباقة في نقل الأخبار التي تبث ميدانياً وتنقل جرائم الاحتلال.
لذلك جاءت مصادقة الكنيست "الإسرائيلي"، أمس الإثنين، على قانون يسمح لنتنياهو بحظر وسائل إعلام أجنبية يُزعم أنها تضر بالأمن في "إسرائيل"، على رأسها قناة "الجزيرة".
واصطُلح على تسمية هذا التشريع بـ "قانون الجزيرة"، وأُقر بأغلبية 71 صوتاً مقابل 10، وذلك بعد نحو ستة شهور من تغطية القناة للعدوان على قطاع غزة ونقلها لجرائم الاحتلال.
ووفق ما نشرته قناة "الجزيرة"، يمنح القانون نتنياهو إمكانية حظر بث القناة المستهدفة، وصولاً إلى إغلاق مكاتبها في "إسرائيل".
وكان نتنياهو دعا، في وقت سابق، إلى إقرار هذا القانون خلال الجلسة العامة للكنيست، حسب بيان صادر عن حزبه الليكود، الذي أكد أن رئيس الوزراء سيتخذ بعد ذلك إجراء فورياً لإغلاق قناة "الجزيرة" وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في القانون.
وقال نتنياهو عقب مصادقة الكنيست على القانون: إن قناة "الجزيرة" لن تبث من "إسرائيل" بعد اليوم، وحان الوقت لطردها.
وأضاف أنه ينوي التحرك فوراً لوقف نشاط القناة، متهماً إياها بـ"إلحاق الضرر بأمن "إسرائيل"، وبكونها شاركت فعلياً في هجوم السابع من أكتوبر، وحرضت على جنودنا، حسب زعمه.
وفي فبراير الماضي، أعلن وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي، وضع حكومة الاحتلال "الإجراءات المطلوبة" لمنع بث قناة "الجزيرة" القطرية من الأراضي المحتلّة.
وجاءت تصريحات قرعي خلال جلسة نقاشية عقدتها لجنة الأمن القومي في الكنيست، حول "مشروع قانون منع بث أي جهة أجنبية إذا كان يضر بأمن إسرائيل"، والمعروف أيضاً باسم "مشروع قانون الجزيرة".
ويحصر النص المقترح صلاحية القانون حال إقراره لفترة مؤقتة مدتها 3 أشهر، أو لحين انتهاء حالة الطوارئ، المعلنة بعد هجمات الـ7 من أكتوبر، أو حتى نهاية العدوان في غزة.
ووفقاً لبيان الكنيست، فإن "الصلاحيات التي يمنحها مشروع القانون لوزير الاتصالات تشمل إصدار تعليمات بمنع بث القنوات الأجنبية من داخل دولة "إسرائيل"، وإصدار تعليمات بحجب مواقع الإنترنت التابعة لتلك القنوات".
تتعرض "الجزيرة" للتحريض المستمر من قبل "إسرائيل" منذ بداية الحرب، في الـ7 من أكتوبر الماضي، كما تعرضت طواقمها للاستهداف المباشر في قطاع غزة، حيث بلغ عدد مرات الاستهداف التي تعرض لها طاقم القناة وأسرهم منذ بداية العدوان قرابة 5 مرات.
لا يخفى على أحد أن الاحتلال يُحاول ومنذ بداية العدوان على قطاع تقويض كل ما يشكل دعماً ومساندة لفلسطين سواء كان إعلامياً كـ"قناة الجزيرة"، أو حتى إغاثياً كـ"وكالة الأونروا"، ويكره كل شيء له علاقة بالحقيقة، فهو كيان قائم على الافتراء والكذب وتشويه وتزوير الحقائق.
إن إغلاق ومنع قناة "الجزيرة" هو انتهاكات صارخ لنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948 أن "لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير؛ ويتضمن هذا الحق حرية الفرد في تكوين آراء بدون تَدَخُل أحد، والبَحث عن واستقبال ونقل المعلومات والأفكار من خلال كافة وسائل الاتصال بصرف النظر عن حدود الدول"، وأن "القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة والدول الديمقراطية في العالم كله تكاد تجمع على أن حق الرأي والتعبير والحرية الممنوحة لوسائل الإعلام في ممارسة عملها هي الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية".
بات مؤكداً أن ما تعرضه "قناة الجزيرة" لتسجيلات حصرية تُظهر حجم الخسائر لدى الاحتلال، وأن الاحتلال في ورطة، وأن القانون هدفه ليس "قناة الجزيرة" والتغطية على الجرائم فحسب، وإنما أيضاً يستهدف الجهود القطرية وإفشال جهودها لإنهاء العدوان على قطاع غزة، وقيامها بدور الوساطة في موضوع تبادل الأسرى والمحتجزين، ونتنياهو لا يريد إتمام أي صفقة من أي نوع، فالتصعيد مع قناة "الجزيرة" يرمي إلى البحث عن معارك جانبية في ظل الإخفاقات المتكررة على المستوى السياسي والعسكري، وعلى مستوى الرأي العام العالمي، ومن بين ذلك دولة قطر، بهدف عرقلة المفاوضات غير المباشرة حول أي صفقة محتملة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.