على مدى أكثر من نصف عام من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تطالب الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن، بوقف إطلاق النار. على الرغم من استشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 74 ألف آخرين، بالإضافة إلى الدمار الواسع الذي طال كافة جوانب الحياة في القطاع.
فعلى عكس تصريحاتها عن حل الدولتين وغيرها من مسكنات تحاول بها لجم الرأي العام الداخلي والعالمي المناهض لإسرائيل، بدت تصرفات إدارة بايدن غير مسبوقة في مستوى الدعم الذي قدمته واشنطن لإسرائيل في حربها ضد المدنيين الفلسطينيين. هذا الدعم تجسد ليس فقط في رفض الدعوات لوقف إطلاق النار، بل وصل إلى حد تزويد إسرائيل بالذخيرة والأسلحة بشكل يومي. هذا النهج ليس بجديد على السياسة الأمريكية، إذ يتبع بايدن خطى الإدارات الأمريكية السابقة منذ تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948. بل يمكن القول إنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أظهرت إدارة بايدن مستوى استثنائياً ومتطرفاً من الدعم لإسرائيل، شمل الجوانب العسكرية والدبلوماسية وحتى العاطفية والسياسية.
بينما يعتقد البعض أن هذا الدعم لم يختلف كثيراً عن السبعين عاماً الماضية، يرى آخرون أن الأسلوب الذي يُقدم به هذا الدعم قد تغير. يُعد نهج بايدن استمراراً للسياسة الأمريكية التقليدية تجاه إسرائيل والفلسطينيين، والتي تميزت بثباتها عبر العقود، سواء في الإدارات الجمهورية أو الديمقراطية.
بناءً على التاريخ المعقد والطويل الأمد للدعم الغربي لإسرائيل، يبرز الدور الأساسي الذي لعبته القوى الغربية في تشكيل واستمرارية دولة الاحتلال الإسرائيلي. هذا الدعم، الذي كان في بدايته يتمثل بالتحالفات العسكرية والاقتصادية مع دول مثل فرنسا وألمانيا الغربية، وكذلك الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية، كان حجر الأساس الذي قامت عليه إسرائيل.
منذ منتصف الخمسينيات، شكلت فرنسا المصدر الأساسي لتسليح قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما أسس لعلاقة استراتيجية ساهمت في بناء القدرات العسكرية للاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، عززت إسرائيل علاقاتها مع ألمانيا الغربية، مستفيدة من الدعم الألماني المتميز ليس فقط في المجال العسكري بل في الاقتصادي أيضاً، حتى منتصف السبعينات.
إنشاء إسرائيل في عام 1948 مثّل نقطة تحول، حيث استطاعت أن تضمن لنفسها حليفاً قوياً. في البداية، كان هذا الدعم يأتي من بريطانيا وفرنسا، ولكن مع مرور الزمن، تحول الوزن إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت الداعم الرئيسي لإسرائيل. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في مصادر الدعم، بل كان انعكاساً لتغيرات أوسع في الجغرافيا السياسية العالمية والمصالح الاستراتيجية للقوى العظمى.
هذا الدعم المتواصل والمتطور من الغرب، والذي تحول تدريجياً من تركيز على الدعم العسكري والاقتصادي إلى شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، لم يقتصر تأثيره على البعد العسكري فحسب، بل امتد ليشمل الجوانب الدبلوماسية والسياسية أيضاً. هذه العلاقات المتطورة تعكس الدور المحوري الذي لعبه ويلعبه الدعم الغربي في بقاء واستمرار الدولة الإسرائيلية، مما أدى إلى تأثيرات معقدة على الصراع في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
تميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها علاقة خاصة بالمقارنة مع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الأخرى في العالم، وظهرت المساعدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل على أنها السمة الأساسية في إطار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؛ ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية ودوره في المحافظة على التأييد الأمريكي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية من جهة أخرى. وتعتبر حرب يونيو/حزيران في عام 1967 حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيسي في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ليصبح دعم واستمرار اسرائيل حاجة أمريكية، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل. ومن الأهمية الإشارة إلى أن إسرائيل قد مولت حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية والطارئة، وهي بالتالي أي الولايات المتحدة تعتبر شريكاً لإسرائيل في إرهابها وعدوانها وقتلها للأطفال والشيوخ والنساء الفلسطينيين وخاصة بعد عام 1967.
منذ عام 1967، شكلت المساعدات الأمريكية لإسرائيل ركناً أساسياً ومحورياً في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، معبرة عن تجاوب الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع استراتيجية تعزيز وترسيخ التحالف مع إسرائيل. هذا التعاون تجسد في مختلف الأصعدة؛ السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية. لعل أبرز مظاهر هذا الدعم يتمثل في الموقف الأمريكي الثابت داخل المنظمات الدولية، حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لإحباط أي قرار قد يدين إسرائيل أو يعارض ممارساتها واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية.
وقد ذهبت الإدارات الأمريكية إلى أبعد من ذلك بالعمل على إفشال إصدار أي قرار دولي يدين الأعمال التعسفية لإسرائيل في المنطقة. يُظهر التاريخ الطويل للدعم الأمريكي لإسرائيل، على مدى العقود السبعة الماضية، التزاماً ثابتاً بتعزيز القدرات السياسية والعسكرية والدبلوماسية لإسرائيل، خصوصاً في ظل العدوان على الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية.
توضح الأحداث الجارية، خاصة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مدى عمق هذا التواطؤ الأمريكي، الذي أصبح اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. ارتفعت قيمة المساعدات العسكرية والمالية الأمريكية لإسرائيل، بالتزامن مع استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) ثلاث مرات لإسقاط مشاريع القرارات التي تدعو لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. كل هذا الدعم يؤكد أن مشاركة الإدارة الأمريكية في إبادة الفلسطينيين تتم منذ عقود، لكنه يتضح اليوم تصاعد الهستيريا الإسرائيلية في قطاع غزة.
في استمرار واضح لمسلسل التواطؤ الأمريكي مع إسرائيل، وافقت الولايات المتحدة مؤخراً على إرسال مساعدات عسكرية تشمل قنابل وطائرات F35 بقيمة تتجاوز مليارات الدولارات إلى إسرائيل. هذا الدعم جاء رغم تعبير واشنطن عن مخاوفها بشأن هجوم إسرائيلي محتمل على رفح، والذي قد يشكل خطراً على حياة أكثر من مليون فلسطيني، كل ذلك ليوضح سياسة واستراتيجية النفاق الأمريكي التي تتبعها، وقد كشفت صحيفة واشنطن بوست عن موافقة الولايات المتحدة على أكثر من 100 صفقة سلاح لإسرائيل وتسليمها منذ بداية الحرب المدمرة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
إسرائيل، والتي تعتبر أكبر متلقٍّ للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، استفادت بشكل كبير من الدعم الأمريكي على مر العقود. وفقاً للمؤشرات الرسمية الأمريكية، فإن المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة لإسرائيل بين عامي 1946 و2023 بلغت نحو 158.6 مليار دولار. بينما تشير البيانات الصادرة عن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" إلى أن القيمة الإجمالية للمساعدات الأمريكية الملتزم بها لإسرائيل خلال نفس الفترة تصل إلى حوالي 260 مليار دولار، وهو ما يفوق بكثير التقديرات الرسمية.
كل هذا الدعم والتواطؤ الأمريكي مع الاحتلال يؤكد على الدور الأمريكي المباشر وغير المباشر في حرب الإبادة التي تشن على الشعب الفلسطيني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.