أحكام قضية شكري بلعيد.. هل تمثل نقطة تحول في المشهد السياسي التونسي؟!

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/31 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/31 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش
أرشيفية - رويترز

في ساعة مبكرة من فجر الأربعاء 27 مارس/آذار الحالي، قضت المحكمة الابتدائية في تونس بإعدام 4 أشخاص وبالسجن المؤبد لاثنين آخرين بتهمة المشاركة في اغتيال زعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين (الموحد) شكري بلعيد، قبل 11 عاماً.

وأدانت المحكمة 23 شخصاً في القضية، وأصدرت أحكاماً بالسجن تتراوح بين سنتين و120 سنة بحق متهمين آخرين، في حين برّأت 5 أشخاص، حسبما جاء في النقطة الإعلامية للمساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أيمن شطيبة.

وقياساً لما رافق القضية طيلة أكثر من عقد من الزمان، من سجال سياسي حاد وما حفها من أحداث، خاصةً منها اعتقال القاضي بشير العكرمي، الذي شغل منصب قاضي التحقيق المكلف في جريمة اغتيال السياسيَّين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي منذ 2013، قبل أن يتولى منذ 2016 منصب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية، فإن الحكم في القضية وإن كان في طوره الابتدائي، كان محل ترقب كبير على مستوى الساحة الوطنية، ومحل رهان أكبر عند هيئة الدفاع عن بلعيد وتياره السياسي لتحصيل إدانة مباشرة لحركة النهضة في المسؤولية عن الاغتيال.

جاءت الأحكام على غير ما كانت تريده هيئة الدفاع ومن ورائها العائلة السياسية لبلعيد وجزء من اليسار التونسي، حيث عبّر عدد من أعضائها طيلة اليومين الماضيين، في معرض تعليقهم على الأحكام الصادرة، أنّها ليست إلا الجزء الأول المتعلق بحلقة المنفذين، وأنه ستتلوها حلقات أخرى تشمل جهات التخطيط والقرار والتستر على جريمة الاغتيال، وأنّ هذا الملف له ارتباط بقضية ما يعرف بالجهاز السري لحركة النهضة.

حركة النهضة في المقابل سارعت بعد سويعات من صدور القرار، لإصدار بيان اعتبرت فيه أن "ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكل تخصصاتها وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل، يعد بشكل يقيني، أدلة براءة لحركة النهضة وأدلة قطعية على الأجندة المشبوهة لما يسمى بهيئة الدفاع المتمثلة في استهداف طرف سياسي ظلماً وعدواناً وكذباً وبهتاناً"، وفق ما جاء في نص البيان. كما دعت في البيان نفسه "إلى فتح صفحة المصالحات الكبرى، والإعراض عن الأصوات الناعقة بالفتنة والإقصاء والكراهية".

لا تبدو الصورة إذن بعد إصدار الأحكام أفضل مما سبقها، ولا يتوقع أن تنهي الجدل الذي رافقها على امتداد سنوات، فهيئة الدفاع ما زالت تتمترس- وستظل- خلف مربع الإدانة المباشرة لـ"النهضة"، وهي تتصرف منذ اليوم الأول كأداة لطرف سياسي يصدر أحكاماً أيديولوجية مرتبطة بصراع صفري يقوده جزء من اليسار مع حركة النهضة بشكل خاص ومع الحالة الإسلامية بشكل عام.

بل اتخذت من دم بلعيد مطية لتصفية حسابات ضيقة مع طرف سياسي منافس حتى لم نجد لها من وصف لسلوكها غير "قميص بلعيد".

وبالنتيجة لا يمكن في تقديري فهم سلوك تعامُل هذه الجهة مع الاغتيال الذي استهدف شكري بلعيد يوم 6 فبراير/شباط 2013، منذ تلك اللحظة إلى اليوم، إلا في سياق التحالف الموضوعي بين الإرهاب والثورة المضادة؛ لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي، والحيلولة دون استقرار أي تجربة وطنية ديمقراطية لحكم البلاد.

في المقابل قد يفتح إصدار الأحكام دون توجيه أي تهمة مباشرة إلى "النهضة" أو أحد قياداتها، الباب أمام صراع بين الرئيس وتيار الوطنيين الديمقراطيين، الذين اختاروا حتى اللحظة الدفاع عن مسار سعيّد في علاقة محكومة بتبادل المصالح بين رئيس يبحث عن مزيد من تثبيت حكمه وتيار "الوطد" الحريص على الاستفادة من وجوده في محيط الرئيس وبعض الأجهزة المؤثرة في الدولة لتصفية حساباته التاريخية والدائمة مع التيار الإسلامي ولاستدامة بقاء الدولة تحت حكم الأجهزة الأمنية.

في الجهة الأخرى من المشهد، يبدو أن الاطمئنان الذي أبداه بعض النشطاء السياسيين لصدور الأحكام، والفرح المبالغ فيه- خاصة لدى أنصار حركة النهضة- بالأحكام غير واقعي. والحال أن الجميع على يقين بأن البلاد باتت اليوم محكومة بالتعليمات، فضلاً أنّ الأحكام ما زالت في طورها الابتدائي، وأنّ الجهات التي تقود الدولة قادرة في أي طور من الأطوار اللاحقة للقضية على تكييف الأحكام بما يتناسب مع أجندتها للحكم وبما يحقق لها المكاسب السياسية التي تبحث عنها.

كما أن "النهضة" أساساً وكل الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية كل هذا التأخير بالبت في ملف كان الأولى أن يُبَت فيه منذ مدة، بما فتح الباب لكل المتصيدين، لتوظيفه في مزيد من تقسيم الحالة السياسية والمس من الوحدة الوطنية.

قد تكون خطوة إصدار أحكام طال انتظارها في قضية اغتيال بلعيد، أمراً يبدو إيجابياً من الوهلة الأولى، ولكنَّ غياب البيئة السياسية الصحية ورزوح البلاد تحت حكم رئاسي مغلق وقضاء وظيفي، يجعلنا في شك كبير من الوصول إلى حل نهائي لها، وليت الحالة السياسية للبلاد تسعفنا فعلاً لفتح كل ملفات الاغتيال السياسي منذ عهد الحبيب بورقيبة إلى اليوم؛ حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فعلاً، ونتعرف حقيقةً لا توظيفاً، على كل الجهات الداخلية، خاصةً الخارجية، التي كانت- وما زالت- تستهدف أمننا واستقرارنا وحقنا في وطن حر وديمقراطي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زياد بو مخلة
رئيس مركز علاقات تركيا والعالم الإسلامي
تحميل المزيد