يعتبر يوم الأرض الفلسطيني أحد أهم الأيام التي يعتز بها الشعب الفلسطيني وكل من نبع من داخله حب الأرض، قصة يوم الأرض بدأت عندما أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مصادرة ما يقرب من 21 ألف دونم من أراضي العديد من القرى في منطقة الجليل، بهدف بناء تجمعات سكنية يهودية على تلك الأراضي الفلسطينية وتهويد منطقة الجليل، والذي ترتب عليه خروج الشعب الفلسطيني في مظاهرات واحتجاجات ضد حكومة الاحتلال، أدت إلى مواجهات بين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال، انتهت بارتقاء ستة شهداء فلسطينيين، بالإضافة إلى 49 جريحاً ونحو 300 معتقل.
فقد شكَّل يوم الأرض محطةً فارقةً ومفصليةً في العلاقة بين الحكومات الإسرائيلية وفلسطينيي الـداخل، حيث أشعل قرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة إسحاق رابين، ووزير الأمن شيمون بيريز، بالعام 1976، معركة الأرض والمسكن، بعد تحريك مخطط إسرائيلي لمصادرة هذه الاراضي من أراضي سهل البطوف والمل والشاغور في الجليل، وتعود ملكيتها لمزارعين من بلدات سخنين وعرابة ودير حنا وعرب السواعد.
على وقع الأحداث الحاصلة الآن في دولة الكيان المحتل، يحتفل الفلسطينيون بالذكرى الـ48 ليوم الأرض في هذه الأيام، والذي يحمل دلالات مهمة، منها أن الحرب على الأرض أصبحت وجودية، في ظل الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية، وفي ظل التمييز والعنصرية الممارسَين ضد كل ما هو فلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطينيي الداخل، فقد عمدت المؤسسة الإسرائيلية إلى ترسيخ التمييز القومي، ومنح الأفضلية لليهود على حساب الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم وبيوتهم بعد النكبة في كافة مناحي الحياة، سواء من خلال التشريعات كقانون "العودة والجنسية"، ومنع لم شمل العائلات الفلسطينية، وسحب المواطنة والإقامة الدائمة منهم.
وضمن صراع الديمغرافيا والجغرافيا شرّع الكنيست الإسرائيلي قانون لجان القبول للسكن في البلدات اليهودية، وقانون القومية الذي يكرس الفصل العنصري والفوقية لليهود، ويقر بأن إسرائيل هي الوطن القومي ودولة للشعب اليهودي فقط .
وتحولت أحداث يوم الأرض إلى معركة يدافع فيها الشعب الفلسطيني عن وجوده وكرامته أمام غطرسة المحتل وجبروته، حيث دفع فلسطينيو الداخل في المظاهرات ضد الاستيطان ومصادرة الأراضي ضريبة الدم في مناطق الجليل والمثلث، وسرعان ما تحول ذلك إلى كل الأراضي المحتلة، موحدة الشعب الواحد في كل أماكن وجوده، وحتى في الشتات.
وفي ظل حكومة نتنياهو واليمين المتطرف التي تحكم دولة الكيان الآن، فمن الواضح أن توجهات الحكومة الجديدة تميل لحسم قضية ضم أراضي الضفة الغربية، وفي ظل ميول عنف ظاهر للتعامل مع الفلسطينيين، حيث تستمر دولة الكيان كقوة احتلال، تسيطر فعلياً على الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 وسكانها وحدودها بقوة عسكرية مطلقة، وتغيير معالم تلك الأرض وفرض سياسة الأمر الواقع، بتكثيف بناء المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، وعلى أكثر من ثلثي مساحتها، ورفع عدد اليهود الذين يسكنونها ليتناسب مع عدد السكان الفلسطينيين الأصليين، مقترفة في سبيل تحقيق ذلك أشكالاً وألواناً من الجرائم اليومية بحق الفلسطينيين، من تمييز عنصري وقتل خارج إطار القانون وسلب للممتلكات وانتهاك لحرمات المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
فنحن نشهد النسخة 2024 من الضّم، والتي تختبئ في إشارات صغيرة في الاتفاق الائتلافي بين الليكود وحزب الصهيونية الدينية، حيث إن ضّم المناطق الفلسطينية إلى إسرائيل لن يجري علناً، رغم التصريحات العالية بشأن أهمية هذه المناطق الاستراتيجية والوطنية والتاريخية.
فإذا نظرنا إلى الاتفاق الائتلافي الذي يدلل وفق رؤيتهم على ضمّ مشروع بالقانون للمناطق الفلسطينية، وعلى نية البدء بتطبيق نظام الأبرتهايد ضد السكان الفلسطينيين، كما يرون أن هذا هو مغزى نقل الصلاحيات الإدارية والتنظيمية، التي تضمنها الاتفاق، إلى المستوى السياسي، وخضوعها المباشر له، وإنشاء آلية مستقلة للمستوطنات، من دون أيّ إشارة إلى الوضع المدني للفلسطينيين. ويرى باحثون إسرائيليون أنه يجب الانتباه بصورة خاصة إلى نقطتين تدلان على الضّم: الأولى، بموجب الاتفاق الائتلافي سيجري تمويل وتنفيذ خطة انتقائية لتطبيق قوانين الكنيست على الضفة الغربية، بواسطة آلية رسمية، بأوامر من قائد المنطقة، وهو الذي سيوقّع هذه الأوامر على مضض، لكن مَن يأمره بذلك هو الوزير المعيَّن من حزب الصهيونية الدينية أمثال بن غفير أو سموتريتش، وبالتنسيق مع عمل الإدارة المدنية للمستوطنات، والتي ستنشأ تحت إمرته. وبهذه الطريقة فإن الصلاحيات الجوهرية لسنّ تشريعات في المنطقة ستكون بأكملها في يد السلطة السياسية- التنفيذية، ولن تكون في يد القائد العسكري، ولن يكون الكنيست هو المسؤول عن سَنّ القوانين في المنطقة، ومعنى ذلك تطبيق قوانين حكومية مباشرة، من دون العودة إلى البرلمان، ووفقاً لوجهة نظر الهيئة المسؤولة عن المستوطنات اليهودية.
بالإضافة إلى ذلك، يلغي الاتفاق الائتلافي، برأيهم، المكانة الخاصة لوحدة المستشار القانوني في مناطق الضفة الغربية، وهذه الوحدة عملت عشرات السنوات ضمن إطار النيابة العامة العسكرية، وهي تقدم استشارة قانونية مستقلة للقائد العسكري للمنطقة، ولرئيس الإدارة المدنية، فإن هذه الوحدة ترى نفسها مُلزمة بالقيام بواجباتها حيال القائد العسكري، و"تحمل في حقيبتها" القانون الدولي وقوانين الاحتلال، والقوانين الإدارية والدستورية، من الآن فصاعداً لن يقف أحد في طريق المستوى السياسي الذي لا يعتبر نفسه مُلزماً بقوانين الاحتلال، ولا بالدفاع عن حقوق السكان الخاضعين للاحتلال من الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، أمام أطماع اليميين المتطرف الذي أصبح يحكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي الآن.
وأخيراً نحن سكان الأرض، حراس الأرض، متجذرون بها رغم كل محاولات القتل والتهجير والإبادة، فهذا وطننا الذي لا وطن لنا سواه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.