في شهر رمضان المبارك، كانت أولى انتصارات المسلمين بقيادة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فبعد أن استقرت دولة الإسلام في المدينة بدأ المشروع النبوي بتوسيع الدعوة في أنحاء الجزيرة العربية. وكانت غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان، وكان أبرز الدروس والعِبر التي استفادها المسلمون من هذه المعركة الخالدة أن من يتوكل على الله فهو حسبه، ولا يكون النصر إلا من عند الله تعالى.
أسباب غزوة بدر
بعد الإذن بالجهاد في العهد المدني، وصل خبر للمسلمين عن تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالاً عظيمة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان صخر بن حرب، فانتدب النبي ﷺ أصحابه للخروج، وتعجل بمن كان مستعداً للخروج دون انتظار سكان العوالي لئلا تفوتهم القافلة، ولذلك لم يكن خروج المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية في معركة بدر، فهم خرجوا لأخذ القافلة ولم يكن في حسبانهم مواجهة جيش قريش.
وقد خرج من المسلمين ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، منهم من الأنصار بضع وأربعون ومئتان، ولم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعيراً يتعاقبون على ركوبها، وعلم أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ القافلة، فسلك بها طريق الساحل، وأرسل لاستنفار أهل مكة، فاستعدت قريش للخروج دفاعاً عن قافلتها، وحشدت كل طاقتها، ولم يتخلف منهم إلا القليل، فقد رأت قريش في ذلك حطاً لمكانتها، وامتهاناً لكرامتها، وضرباً لاقتصادها، وبلغ عددهم نحواً من ألف مقاتل، ومعهم مئتا فرس يقودونها.
معركة بدر الكبرى
في صبيحة يوم المعركة جعل النبي ﷺ جيشه في صفوف للقتال، وبقي ﷺ في قبة عريش، وجعل ﷺ يكثر من دعاء ربه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]. وبدأت المعركة بتقدم عتبة بن ربيعة، وتبعه ابنه الوليد وأخوه شيبة طالبين المبارزة، فخرج لهم شباب من الأنصار، فرفضوا مبارزتهم طالبين مبارزة بني عمومتهم، فأمر، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث، رضي الله عنهم بالخروج لهم، فقتل حمزة عتبة، وقتل علي شيبة، وأثخن عبيدة والوليد كل واحد منهما بصاحبه، ثم مال علي وحمزة -رضي الله عنهما- على الوليد فقتلاه، واحتملا عبيدة، وتأثرت قريش بنتيجة المبارزة وبدأت الهجوم، وكان النبي ﷺ قد أمر أصحابه برمي المشركين بالنبل إذا اقتربوا من المسلمين.
ثم التقى الجيشان في ملحمة كبيرة، وأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة يوم المعركة، قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9-10]. وبعد المواجهة قتل من المشركين سبعون رجلاً، وكان من بين القتلى عدد من زعماء قريش، منهم: أبو جهل عمرو بن هشام، وأمية بن خلف، وأمر ﷺ بسحب قتلى المشركين إلى آبار ببدر، فألقوا فيها، وكان عدد الأسرى من قريش سبعون رجلاً، وفرَّ بقية المشركين لا يلوون على شيء، تاركين وراءهم غنائم كثيرة في أرض المعركة، ودفن النبي ﷺ شهداء المسلمين، وهم أربعة عشر شهيداً.
نتائج بدر
أصبحت شوكة المسلمين قوية، وأصبحوا مرهوبين بين قبائل الجزيرة العربية كلها، وتعززت مكانة الرسول ﷺ في المدينة، وارتفع نجم الإسلام فيها، ولم يعد المتشككون في الدعوة الجديدة، والمشركون في المدينة يتجرأون على إظهار عداوتهم للإسلام؛ كما كسب المسلمون أساليب جديدة في الحرب، وشهرة واسعة داخل الجزيرة العربية وخارجها. وبذلك تعد غزوة بدر رغم صغر حجمها معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، ولذلك سماها الله عز وجل بيوم الفرقان، قال تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41]، ففرَّق بها سبحانه بين الحق والباطل؛ فأعلى فيها كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه، ونصر نبيه وحزبه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.