في ظل الأحداث المتسارعة في المنطقة، تستعد تركيا لإجراء انتخاباتها المحلية، والتي من المزمع انعقادها يوم الأحد 31 من مارس/آذار، ضمن 81 ولاية، والتي ستمثل نقطة تحول حاسمة في مسيرة وتجارب الديمقراطية في تركيا، هذه الانتخابات من المتوقع أن تقدم صورةً نمطية تُجسّد التغيرات والاستقطابات السياسية والاجتماعية والثقافية الجديدة في الدولة والمجتمع.
فقد بدأت الأحزاب السياسية التركية تُعيد تشكيل تحالفاتها بما يتوافق مع مصالحها في انتخابات ستحدد من سيتولى مناصب رئاسة البلديات وعضوية المجالس البلدية، بالإضافة إلى مخاتير القرى والأحياء، لكن هذه الانتخابات المحلية تأتي عقب معركة الانتخابات الرئاسية التي شهدت منافسة شديدة بين تحالف الشعب وتحالف الأمة، والتي أسفرت عن فوز تحالف الشعب ورئيسه رجب طيب أردوغان بأكثر من 52% من أصوات الناخبين؛ ما عزز من التواجد البرلماني لحزب "العدالة والتنمية" بالفوز بـ 268 مقعداً من أصل 600 مقعد في البرلمان.
في هذه الانتخابات المحلية تبرز أحزاب منفردة صغيرة ستخوض غمار الانتخابات بعيداً عن التحالفات التي اعتادت أن تكون ضمنها، هذه الأحزاب تحمل تطلعات جديدة وتسعى إلى أن تكون أحزاباً مؤثرة ومسيطرة في الحياة السياسية التركية، ومن المؤكد وحسب اللوائح المعلنة قبيل الانتخابات دخول حزب "الرفاه مجدداً" بمرشحين جدد بمعزل عن العدالة والتنمية؛ حيث سيخوض "الرفاه مجدداً" غمار الانتخابات في قائمة تضم 617 مرشحاً؛ مما يعكس تطلعات الحزب الفعلية لتوسيع نفوذه في طريق مغاير عن تحالف الشعب وحزب العدالة والتنمية.
على الرغم من أن المحافظين يشكلون القاعدة الشعبية الأساسية لحزب "الرفاه مجدداً"، وعدم تقديمه مرشحين بالانتخابات المحلية كان سيزيد من أصوات "حزب العدالة والتنمية"، الذي يمتلك قاعدة شعبية كبيرة أيضاً من المحافظين، وهذا ما يؤكد نية حزب "الرفاه مجدداً" أن هذه الانتخابات ستكون مؤشراً على مدى قدرة حزبه على الوصول إلى أهداف وطموحات الحاضنة الشعبية التي سئمت من الأحزاب التركية المسيطرة بعد أن فشلت في تحقيق وعودها.
وعلى الطرف الاخر أعلن كل من زعيم "حزب النصر "التركي أوميت أوزداغ الذي يتخذ موقفاً مناهضاً للاجئين والمهاجرين والعرقيات الأخرى، وزعيمة "الحزب الجيد" ميرال أكشنار بأن أحزابهم ستخوض الانتخابات المحلية بمرشحي حزبيهما دون تحالفات مع حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأخرى المعارضة.
وكان حزب "الشعب الجمهوري" يعوّل على تغيير "الحزب الجيد" موقفه بالترشح منفرداً في الانتخابات المحلية، التي تجري في نهاية هذا الشهر مارس/آذار، لأن ذلك سيؤدي إلى انقسام أصوات المعارضة أيضاً؛ مما سيعطي فرصة سانحة لحزب "العدالة والتنمية" وحزب "الحركة القومية" بانتزاع بعض الأصوات التي كانت من الممكن أن تذهب باتجاه أحزاب المعارضة، وخصوصاً بعد قوة وفاعلية أسماء مرشحي حزب العدالة والتنمية وخصوصاً في الولايات الكبرى.
مفترق طرق
تشهد الانتخابات البلدية التركية حدة وتنافسية متزايدة، خصوصاً في ظل الاستقطاب السياسي الذي شهدته البلاد خلال السنوات الأخيرة. وكان لفوز المعارضة في انتخابات عام 2019 ببلديات رئيسية، أبرزها إسطنبول وأنقرة، دلالة بارزة على تغيير الأجواء السياسية. ويحظى أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الذي يعتزم الترشح مجدداً، بترشيحه كمنافس رئيسي محتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يعكس الدور الاستراتيجي للبلديات في تشكيل المشهد السياسي التركي.
لذلك خلال هذه الانتخابات المحلية سيسعى حزب "العدالة والتنمية "وحزب "الحركة القومية" بكل جهد لاستعادة بلديات العاصمة أنقرة وإسطنبول، لدرجة أن الرئيس أردوغان أعطى أهمية للفوز في أنقرة وإسطنبول بقدر ما أولاه للانتخابات الرئاسية، وإذا لم يتم الفوز في البلديات الكبرى، وخاصة إسطنبول وأنقرة، سيضع الكثير من التساؤلات حول مستقبل شعبية الحزب الحاكم في المدن الكبرى.
وعلى النقيض يستعد حزب "الشعب الجمهوري" للانتخابات المحلية بسياسة الضغط على نقاط ضعف حزب "العدالة والتنمية " وتحالف الشعب دون أن يكون له برامج حقيقية كتلك التي يقوم حزب "العدالة والتنمية" بتسليط الضوء عليها، أهمها إعادة التمدين، خصوصاً بعد فاجعة الزلزال الذي كبَّد تركيا خسائر فادحة وفي الوقت نفسه تزداد الضغوط على حزب "الشعب الجمهوري"؛ بسبب عدم قدرته على تقديم برامج ترضي تطلعات الشارع التركي، خصوصاً في إسطنبول، بالإضافة إلى صعود أحزاب معارضة جديدة قد تهدد مكانته في كونه الحزب الرئيسي للمعارضة في البلاد، ومن ناحية أخرى إذا لم يتمكن إمام أوغلو من الفوز بمنصب رئيس بلدية إسطنبول مرة أخرى، فمن الممكن أن يكون قد استُهلك سياسياً؛ مما قد يجعل طريقه إلى منصب الرئاسة التركية مغلقاً؛ كونه كان الشخصية الأبرز في حزب الشعب الجمهوري خلال الآونة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، لن تكون الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في نهاية الشهر الجاري مارس 2024 انتخابات محلية فقط، ولكنها ستكون انتخابات عامة وميزاناً قد يعطي مؤشرات حقيقية عن المستقبل السياسي القادم لتركيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.