عمره 17 عاماً فقط وتوفي بمجرد سقوطه بالملعب.. من المسؤول عن موت اللاعب وسيم جزار؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/27 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/27 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
اللاعب الجزائري وسيم جزار/ مواقع التواصل

تعرَّض الوسط الرياضي الجزائري لصدمة كبيرة إثر تلقيه مساء الأحد 24 مارس 2024، نبأ وفاة فتى يُدعى وسيم جزار، لم يكن عمره يتجاوز 17 عاماً، ولم يكن معروفاً لدى العامة، قبل أن يشتهر بعد رحليه عن الدنيا بطريقة درامية.

اعتاد وسيم جزار التدرب وخوض اللقاءات الرسمية بملعب بلدته "وادي الماء" بمدينة باتنة، شرق الجزائر العاصمة، لكنه لم يكن يدري لا هو ولا عائلته ولا أصدقاؤه أنّ المباراة التي خاضها يوم الجمعة، 15 مارس 2024، ستكون الأخيرة في مشواره الرياضي القصير، وأنه سيغادر الملعب مُغشياً عليه نحو أقرب مستشفى على متن سيارة خاصة وليس سيارة إسعاف، وذلك قبل أن يفارق الحياة بعد مكوثه تسعة أيام في قسم الإنعاش.

وسيم جزار
لحظة وفاة اللاعب وسيم جزار/ مواقع التواصل

أين كانت سيارة الإسعاف عندما سقط وسيم جزار؟

هذه الوفاة، وبغض النظر أنّها قضاء وقدر، وأنَّها قد تحدث في كل ملاعب العالم، إلَّا أنها كان يمكن تفاديها لو شارك المرحوم وسيم جزار في تلك المباراة "اللعينة" في ظروف أفضل من تلك التي أقيمت فيها.

فقد خاض وسيم جزار مباراته الأخيرة ضمن فريقه نجم وادي الماء أمام نادي أمل مروانة، لحساب دوري رابطة باتنة الجهوية لكرة القدم لفئة الناشئين (أقل من 17 عاماً).

وجرت المواجهة الرياضية بدون وجود سيارة إسعاف، ولا رجال الحماية المدنية (الدفاع المدني)، وهو الأمر الذي يجُرّنا تلقائياً لطرح هذين السؤالين: "كيف أعطى حكم اللقاء إشارة انطلاق المباراة دون التأكد من وجود سيارة الإسعاف؟". و"لماذا لم يقم مراقب اللقاء بتنبيه الحكم لغياب تلك السيارة الطبية الضرورية؟".

يمكن الإجابة عن السؤال الثاني، فأقول: "ربما لم يكن هنالك أصلاً مراقب للقاء، وذلك في ظل حالة سوء التنظيم التي تسير بها الكرة الجزائرية، خاصةً على مستوى دوريات الأقسام الدنيا والفئات الصغرى".

ولكن لا يوجد أي مبرر لخوض مباراة في غياب سيارة الإسعاف، خاصة أنّ قوانين الاتحاد الجزائري لكرة القدم واضحة في هذا الشأن، والتي تشترط وجود هذه الوسيلة الضرورية في كل المباريات. وزد على ذلك أنّ المباراة جرت في وَضَح النهار وفي شهر رمضان. 

وهنا نصل إلى العامل الثاني غير المنطقي الذي أحيط بالمباراة، وهو أنها أقيمت في نهار يوم رمضاني، أي أنَّ اللاعبين كانوا صائمين، وكانوا مدعوين لبذل جهد كبير وتضييع جزء كبير من طاقاتهم، ثم انتظار وقت الإفطار لمدة عدة ساعات لاسترجاع الطاقة المُهدرة.

قد يرد عليّ البعض منكم ويقول لي: "نعم المباراة جرت في شهر رمضان، وقد أظهرت الدراسات العلمية الحديثة أنه لا يوجد أي تأثير سلبي على ممارسة الرياضة في هذا الشهر الفضيل".

فأجيبكم: نعم، لا يوجد تأثير سلبي، ولكن يجب ممارستها وفقاً لشروط معينة سأتطرق إليها بعد العودة لظروف وفاة الشاب وسيم جزار.

إجراء الإسعافات الأولية لوسيم جزار بوسائل بدائية 

أظهرت لقطات الفيديو أنّ المرحوم ضرب الكرة برأسه وهو في حالة جري، ثم لمسه أحد لاعبي الفريق المنافس بقدمه في منطقة حساسة، ما أدى لفقدانه التوازن والسقوط بشكلٍ سيئ، وبالتالي فقدان الوعي، وسط صدمة وذهول وهلع من زملائه ومنافسيه.

ورغم محاولة معالج الفريق إسعاف وسيم جزار فإنّ "الوسائل البدائية" المستخدمة في الإنعاش حالت دون إعادة المصاب إلى وعيه، ما أدى لنقله على جناح السرعة لأقرب مستشفى بالمدنية على متن سيارة عادية، حيث بقي بقسم الإنعاش لمدة 9 أيام، قبل أن تفيض روحه إلى بارئها.   

 صحيح أنّ الموت حق، وأنّ وسيم جزار كان على موعد مع أجله، ولكن ألم يكن من الممكن تفادي وفاته في تلك السن الصغيرة، وتفادي إدخال الحزن إلى عائلته وأحبائه. فقد كان من المحتمل جداً أن يبقى على قيد الحياة لو كانت سيارة إسعاف موجودة بالملعب لإنعاشه بعين المكان، ثم نقله إلى المستشفى في أحسن الظروف.

وأعتقد أيضاً أنّه لو لم تُلعب المباراة في نهار رمضان لَما سقط اللاعب بتلك الطريقة، إذ من المحتمل أن يكون اللاعب فاقداً للتركيز اللازم بسبب الصيام.

وأنا هنا أتحدث عن نقص التركيز بسبب الصيام، حتى ولو كانت الكثير من الدراسات العلمية الحديثة تؤكد عدم وجود تأثير سلبي للصيام على أداء الرياضيين. 

دراسة من "الفيفا" تؤكد عدم تأثير الصيام سلبياً على أداء الرياضي 

من أهم هذه الدراسات تلك التي قام بها الدكتور الجزائري ياسين زرقيني، الرئيس السابق للجنة الطبية لدى الاتحاد الجزائري لكرة القدم، والعضو السابق للجنة الطبية باتحاد الكرة الدولي "فيفا"، الذي أنجز في السنوات الماضية عدة دراسات علمية، بطلب وبإشراف الاتحاد الدولي لكرة القدم حول تأثير صيام شهر رمضان على أداء لاعبي كرة القدم.

وقد أثبتت تلك الدراسات أنّ الصيام لا يضر أبداً بصحة اللاعبين، ولا يؤثر على لياقتهم البدنية، ولكنه بالعكس قد يكون محفزاً إيجابياً عند بعض الرياضيين. وكشف الدكتور زرقيني في أحد تصريحاته السابقة أنّ قصة اهتمام "الفيفا" بصيام اللاعبين في شهر رمضان تعود إلى العام 2004، وذلك خلال نهائيات كأس العالم لكرة القدم داخل الصالات التي جرت بغواتيمالا، حيث أثار المنتخب المصري، الذي شارك في الدورة انتباه المتتبعين، عندما حقق نتائج جيدة في الأسبوع الأول من البطولة، ثم تراجع أداؤه بشكل غريب في الأسبوع الثاني، ما طرح عدة تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لذلك. 

ولما علم رئيس "الفيفا"، في ذلك الوقت، السويسري جوزيف سيب بلاتر، بأنّ اللاعبين المصريين كانوا صائمين طلب من الدكتور زرقيني القيام بدراسة حول الموضوع. وهي الدراسة أو الدراسات الميدانية التي قام بها الدكتور طيلة 8 سنوات، بالجزائر وبتونس وقطر، وحتى بأوروبا، خلال معسكرات الأندية والمنتخبات العربية، وكشفت أنّ الصيام ليس له أي آثار سلبية على صحة اللاعبين ولياقتهم البدنية، وأنّ اللاعبين الصائمين كانوا أحسن في اختبار قياس السرعة من اللاعبين المُفطرين، ما يعني أنّ عامل الصيام بإمكانه أن يكون محفزاً بالنسبة لبعض الرياضيين.

نقص النوم في رمضان  يؤثر على صحة  الرياضي 

وبالمقابل، يرى الدكتور الجزائري عبد الرحمن غلايمي، المختص في الطب الرياضي وأمراض القلب "أنه بإمكان رياضي النخبة مواصلة تحضيراته بصورة طبيعية خلال شهر رمضان المعظم، شريطة مراعاة البرنامج المتعلق بالتدريبات والتغذية والنوم".

وأوضح الدكتور غلايمي، في تصريحات لوكالة الأنباء الجزائرية، تزامن نشرها قبل ساعات قليلة من وفاة وسيم جزار، أنّ أول عائق يكون خطراً على الرياضي هو نقص النوم، الذي يتسبب في مضاعفات وإصابات تحد من تطوره.

وشرح ذلك بأنّ "النوم خلال الشهر الفضيل يتسبب في إصابات في حال عدم التقيد به. فرياضي النخبة المطالب بتقديم جهد عالٍ يبقى عرضة للإصابات في حال عدم احترامه للمدة المعتادة للنوم، لا سيما في الشطر الأول من الليل المخصص للاسترجاع، وهو أمر غير مرغوب فيه لدى الرياضي". 

ولاحظ الدكتور غلايمي أنه خلال شهر رمضان يحدث "تغيير بيولوجي في العادات الغذائية وفي التصرفات"، إذ يكون الرياضي معتاداً يومياً على تناول ثلاث وجبات أساسية، خلافاً لشهر رمضان، حيث تقل فترات النوم وحجم المياه في جسم الإنسان.

ومن هذا المنطلق يوضح الطبيب بأنه "يجب أخذ كل هذه التغييرات بعين الاعتبار، حيث ينبغي تفادي القيام بمجهودات كبيرة، التي تتطلب من الرياضي طاقة قد لا يتحملها الجسم بسبب الصيام".

وجاء كلام الدكتور غلايمي عن رياضيي النخبة، ولكن يمكن إسقاطه على الرياضيين الشباب في سن المرحوم وسيم جزار، ليبقى النقاش والجدل مفتوحاً عن سبب وفاة ابن مدينة رأس الماء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مراد حاج
صحفي وكاتب جزائري
صحفي وكاتب جزائري
تحميل المزيد