لن أكذب إن قلت أن اسم "عبد الرحيم كمال" صار بالنسبة لي "ماركة مسجلة"، كلما رأيته على عمل، أدرك فوراً أنني سوف أشاهده بالضرورة، وأنه سوف يستفزني بشكل ما، ويدفعني للتفكر والقراءة، وللكتابة بالتأكيد، لم يخذلني الرجل عاماً بعد آخر، لكن هذا العام، بدا الأمر مختلفاً تماماً، ابتعد المؤلف والسيناريست المصري عن نفسه، بطريقة أو بأخرى، كأنما يتحداها على طريقته، واختار موضوعاً شائكاً للغاية، كان من الممكن، أن يوقعه في مأزق عنيف، لكن ما جرى كان غريباً للغاية، رصدت نتائجه بأم عيني، فأذهلني أثر ذلك الرجل ذي العوينات التي يديم ترديد مقولته الشهيرة "الحمد لله على الحمد لله".
لماذا حسن الصباح؟!
يدور المسلسل المصري "الحشاشين" حول شخصية حسن الصباح، زعيم فرقة الحشاشين، وهي فرقة دموية اشتهرت بأعمال الاغتيالات لرموز الدولة الإسلامية في مختلف الأقطار، من إخراج بيتر ميمي، وبطولة كل من كريم عبد العزيز، وفتحي عبد الوهاب، وأحمد عيد.
أثار اختيار شخصية حسن الصباح، لتكون محور العمل، العديد من وجهات النظر، منها المعارضة بشدة، والتي اعتبرت أن القائمين على العمل تركوا كل ما في التاريخ العربي والإسلامي من أمور عظيمة، ونحّوا أنظارهم عن الواقع المتردي بشدة، ليختاروا الجماعة الأكثر دموية في التاريخ وينتجوا عنها عملاً درامياً في شهر الرحمة، وكان من بين المهاجمين للفكرة أيضاً من رأى أنه في الوقت الذي ترتكب فيه إبادة دموية بشعة بحق الفلسطينيين، جاء التركيز في عمل مصري على الإرهابيين في التاريخ العربي، لا التاريخ الغربي.
الحق أن عبد الرحيم كمال شهد هجوماً لاذعاً من معارضي فكرة المسلسل، حيث اعتبر البعض اختياره لتلك القصة بالذات، وسردها بالطريقة التي جاءت بها، مجرد تكرار لروايات المستشرقين الغربيين دون أصالة أو تفرد، وتبقى تلك الآراء وجهات نظر، في مقابل أخرى اعتبرت اختيار شخصية حسن الصباح أمراً ذكياً، وشجاعاً، نظراً لغرابة شخصية الصباح، والذي رغم هزيمته إلا أن الكتابات التاريخية التي جاءت بأقلام كارهيه، اعتبرته رجلاً استثنائياً ومنحته مكانة خاصة لفرط قوة شخصيته، وتفرده فيما فعل، على الطريق ذاته اعتبر البعض أن هذا المسلسل، ليس موجهاً للمتلقي العادي، ورأى أصحاب وجهة النظر تلك أن الفئة المستهدفة هي تلك التي قرأت من قبل في مسألة صراع المذاهب، والفرق الإسلامية، وأنه عامر بالألغاز، وغارق في أجواء ألف ليلة وليلة.
تابعت الآراء جميعاً، فيما بقي رأيي الشخصي، أن الحكم على العمل، جاء مبكراً جداً منذ الحلقات الأول، وأن هذا الرجل بالذات، لديه دائماً ما يقول، بطريقة خاصة جداً، ثمة أفكار، ورسائل، وسطور بين السطور، تستحق التأمل، والفهم، وبالتأكيد لها كل الاحترام، نظراً للجهد المبذول في الكتابة، وطريقة تناول القصة.
هذا ما جرى لأصدقائي بسبب "الحشاشين"!
لن أنسى تلك الجملة التي كتبتها صديقتي عبر صفحتها الشخصية، عقب مشاهدة الحلقات الأولى من الحشاشين، والتي دفعتها لقراءة كتاب الحشاشون لبرنارد لويس، حيث كتبت: " خلاصة قراءة ٤ ساعات في كتاب تاريخ مهم، ٧٥ صفحة من أحداث كبرى تخليك تقعد تفكر قد إيه الإنسان شخص مرعب".
وسط كثير من اللوم للكاتب على اختيار تلك الشخصية بالذات كي يتناولها، وإشادات بالاختيار الذكي، راح عدد من أصدقائي يبتعدون عن
الجدل إلى دوائرهم الخاصة كي يصدروا أحكامهم عقب مزيد من البحث والقراءة، فعادت واحدة منهم لقراءتها القديمة لرواية "آلموت" لفلاديمير بارتول، حيث أعادت قراءة الرواية من جديد، وراحت تقارن بين الرواية والعمل المصري، بينما بدأت قوائم قراءات مختلفة تماماً تظهر على السطح، من أجل فهم أعمق وأشمل لقصة المسلسل، تضمنت أعمالاً تناولت قصة حسن الصباح وقلعته الأسطورية، بشكل مباشر، أو في سياق الأحداث، أهمها:
- كتاب عقيدة الحشاشين لأوليفر بودين ترجمة محمد عبد العاطي
- كتاب الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام تأليف برنارد لويس وتعريب محمد العزب موسى
- كتاب المعرفة والسلطة في التراث الإسلامي للكاتب والباحث اللبناني سعيد علي نجدي
- كتاب فاتح العالم لعلاء الدين الجويني
- كتاب أعلام الإسماعيلية لمصطفى غالب
- الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي للدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة
- رواية آلموت لفلاديمير بارتول
- رواية الحشاش لمحمود أمين
- رواية سمرقند لأمين معلوف
- رواية قيامة الحشاشين للهادي التيمومي
- رواية سألقاك هناك لرشا سمير
- رواية نقطة الصفر لناريك ماليان
- مسرحية "أمير الحشاشين" لأبو العلا السلاموني
- حلقة "قلعة السفاحين" من سلسلة فانتازيا لأحمد خالد توفيق
- صلاح الدين ومكايد الحشاشين جورجي زيدان
- الجزء الأخير من سلسلة روايات 101 لجهاد الترباني
- رواية الحشاش الباحث عن الفردوس لمحمود أمين
- كتاب قلعة آلموت دراسة تاريخية تأليف دكتور عمار محمد يونس، واسراء محسن داوود في بابل بالعراق
- فرقة الحشاشين لجورجي زيدان
- كتاب اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي
قد تبدو أسماء الكتب عديدة، لكنها قليل من كثير، أو لنقل نقطة في بحر من الأعمال التي تناولت الحشاشين واستفزت أصدقائي للقراءة عنهم، حسناً لقد جمعت هذه الترشيحات من صفحات أصدقائي إن كنت تتساءل: من أين أتيت بها؟ فهل كان من الممكن استعادة كل تلك الأعمال، والتي يعود بعضها إلى قرون مضت، حول موضوع واحد، لولا هذا المسلسل؟ أي المسلسلات فعل هذا!
ليس هذا فحسب، لقد تضاعفت مشاهدات مقاطع الفيديو التي تدور حول موضوعات الحشاشين بموقع يوتيوب، حتى صارت لفظة الحشاشين تظهر لي عبر الصفحة الرئيسية بمناسبة ومن دون، بعضها تم إنتاجه بالفعل عقب إذاعة المسلسل، وبعضها قبلها، وجميعها حظي بفرصة مثالية في زيادة عدد المشاهدات، هكذا حظيت حلقة الحشاشين من حلقات الدحيح والتي ظهرت قبل عام واحد بـ6.5 مليون مشاهدة، حيث الكثير من الفضول والرغبة في معرفة المزيد حول "الحشاشين"، ولم يكن غريباً أن يكتشف البعض بالصدفة أن الأمر تخطى مقاطع الفيديو، والكتب، بأنواعها روايات ومسرحيات ودراسات، ووصل إلى درجة وجود لعبة تحمل نفس الاسم "لعبة الحشاشين"، ترتدي الشخصيات فيها ملابس ذلك العصر، وتتضمن الكثير من التفاصيل الصادمة، التي دفعت البعض بالفعل للتساؤل حول مدى حرمانية تلك اللعبة الإلكترونية.
استفزاز عقول المشاهدين دفعهم أيضاً إلى استخدام محركات البحث، للتعرف أكثر على موضوعات مثل: "حسن الصباح، الحشاشين، الباطنية، السلاجقة، العباسية، نظام الملك، عمر الخيام" والتي زادت معدلات البحث عنهم أكثر من 50 ضعفاً، بحسب إحصاءات جوجل.
يذهلني عدد المرات التي صرت فيها أرى كلمة "الحشاشين"، سواء عبر مواقع التواصل، أو عبر يوتيوب، وأيضاً في صورة موضوعات صحفية، لا أتحدث هنا عن المسلسل نفسه، ولكن عن كامل الإنتاج الأدبي والفني المتعلق بتلك الفئة، سواء أكان روايات، أم كتباً، أم مقاطع فيديو، أم حتى مقالات وأبحاثاً، وبالطبع حلقات المسلسل، تقود وتحرك المسألة بالكامل، وهو ما علق عليه أحدهم بقوله: "أي عمل فني يخليك تقرأ وتبحث في التاريخ أو العلم هو عمل عظيم بالضرورة". لهذا كله وأكثر اخترت وصف "مستفز" لهذا المسلسل، لكن هذا لم يكن كل شيء بشأنه!
مزيد من الاستفزاز والمآخذ
لعل عنصر الاستفزاز الأكبر في هذا العمل، هو أنه يمثل بوابة دخول مبهرة إلى عالم المسلسلات التاريخية التي كانت حكراً على تلك التركية التي نشاهدها مع يقين أننا لن نقدر على مثلها، الحقيقة أنني أصبت بانبهار شديد لنقاء الصورة، وجودة التصوير، والتمكن من أمر يبدو جديداً على صورته الحالية، في عالم الدراما المصرية، سوف تستفز مزيداً من الكتاب والمخرجين لخوض تجارب شبيهة.
حسناً.. هل هو عمل مثالي؟ بالطبع لا، ربما كان ليصبح كذلك لو أن البطل شخص آخر سوى كريم عبد العزيز، هو ممثل جميل، يبدو بحجم الدور، لكنه لم يكن الأفضل له، برأيي الذي قد يبدو صادماً، فإن ممثلاً بقيمة وقامة عبد العزيز مخيون، ربما كان ليصبح الأصلح في دور مماثل، أو ربما شاب جديد تنطبق عليه ملامح حسن الصباح.
العديد من الشخصيات في العمل كانت بحاجة لمراجعة من يقدمها، من بينهم الممثل الذي قام بشخصية نظام الملك، والذي لم يبدُ مقنعاً لي، رغم اجتهاده الشديد، مقابل تألق لافت من بعض الأدوار التي ظهر بعضها لدقائق وأحياناً لحلقات، مثل شخصية مؤذن مدينة أصفهان، ذلك الرجل المسن الذي أجاد تقديم الدور الصغير بقوة بحيث علق في ذهني، رغم ظهوره وقتله في الحلقة ذاتها، كذلك الأمر مع كل من أحمد عيد، وفتحي عبد الوهاب، حيث مارسا عادتهما في تحدي نفسيهما عاماً بعد آخر بنجاح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.