بدا جليّا أن الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد أكثر من 5 أشهر من اجتياح غزّة، تريد أن تمتص شيئاً من غضب الرأي العام الداخلي الذي شكّل رفقة نظيره العالمي، موجة من التنديد والشجب تجاه سياسة واشنطن في غزّة، حيث أظهر الرئيس الأمريكي امتعاضه من تصرفات حليفه الحميم بن يمين نتنياهو إزاء نيته اجتياح رفح دون خطة واضحة وأهداف يمكن تحقيقها.
منذ يومين، اجتمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في تل أبيب، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل لقاء وزراء حكومة الحرب. وقال مكتب نتنياهو في بيان إن رئيس الوزراء التقى بلينكن في تل أبيب، قبل عقد لقاء موسّع مع أعضاء المجلس الوزاري الحربي. ورغم استمرار لقاء بلينكن مع وزراء حكومة الحرب أكثر من ساعة ونصف الساعة، لم يصدر أي بيان عن الطرفين بشأن اللقاءات، لكن بحسب موقع واللا الإسرائيلي، أشار أن بلينكن أوضح لنتنياهو أن الاتجاه الحالي الذي تسلكه إسرائيل، دون خطة واضحة لليوم التالي للحرب، قد يترك إسرائيل في غزة تواجه المقاومة في حرب استنزاف سيكون من الصعب استمرارها لفترة طويلة.
وقال بلينكن لنتنياهو وأعضاء مجلس الوزراء الحربي: "أنتم بحاجة إلى خطة واضحة وإلا ستبقون ببساطة عالقين في غزة". وأخبر بلينكن أعضاء مجلس الحرب أنه في المسار الحالي ستبقى حماس في السلطة في غزة، أو ستكون هناك فوضى.
هذه الزيارة توضح التناقض الصارخ بين القول والفعل الأمريكي، ونظهر الدوافع الحقيقية للسياسة الخارجية لبايدن، فبينما تستمر واشنطن في دعمها اللامحدود العسكري والدبلوماسي لمحاولة إنقاذ إسرائيل بشتى الطرق، تريد أيضاً إرضاء الرأي العام الأمريكي بإظهار نوع من الامتعاض تجاه حليفتها من جهة، ومن جهة أخرى تقديم يد العون دون قيود ولا شروط لتحقيق الأجندات الاستعمارية في المنطقة، ضاربة عرض الحائط كل المواثيق والمعاهدات الدولية، بل كل المؤسسات التي طالما تشدّقت بتطبيق العدل والمساواة بين جميع مكونات المجتمع الدولي.
لذلك، يظهر جلياً اليوم أكثر من أي يوم مضى، كيف يريد أن يلعب الرئيس جو بايدن على الحبلين في مقدمة حملته الانتخابية التي بدأها مبكراً في منافسة الرئيس السابق دونالد ترامب والجمهوريين.
أما على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يلعب آخر أوراقه وأهمها، في ظل السخط الشعبي ضد سياساته الحكوميّة التي لن تشفع له في المقابل في ظل الاتهامات التي تطاله من مدّة، فقد سلط وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على كيفية تحول عدد متزايد من الدول الغربية ضد إسرائيل، وتصاعد الانقسامات الحزبية في السياسة الأمريكية تجاه تل أبيب. هذه العوامل تضع نتنياهو في موقف صعب، مؤثرة سلبًا على أمن وصورة الاحتلال في الساحة الدولية.
إذ أكد محللون، قد استضافتهم القناة 13 الإسرائيلية، على تصاعد الانتقادات الغربية لإسرائيل، حتى من حلفائها الأقوياء مثل ألمانيا، إلى جانب الدول التي تعارض إسرائيل تقليدياً مثل بلجيكا وإسبانيا وأيرلندا. هذه الانتقادات تتعاظم خصوصاً مع استمرار العدوان الهمجي في غزة، مما يؤدي إلى فقدان إسرائيل للشرعية الدولية بسرعة، بالأخص في ظل حرب التجويع التي تستمر فيها إسرائيل في غزة.
كما ظهرت تقارير تفيد بأن تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي والذي سبق أن انتقد نتنياهو علناً، رفض طلباً من نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الديمقراطيين بالمجلس. بينما طالبت مجموعة من 17 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ، إدارة جو بايدن، برفض مزاعم إسرائيل بأنها "لا تنتهك القانون الدولي بتقييدها المساعدات الإنسانية" وسط جدل متزايد في واشنطن حول ما إن كان على الولايات المتحدة تعليق إمداد حكومة بنيامين نتنياهو بالأسلحة، وذلك وفق ما نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية في تقرير لها، الجمعة 22 مارس/آذار 2024.
في المقابل، ما زال نتنياهو يلهث وراء التمسك بأي شيء يمكن أن ينقذ نفسه به، فيحرص ويعمل الآن على تعزيز العلاقات مع الحزب الجمهوري، حيث سعى للتواصل مع أعضائه في مجلس الشيوخ عبر منصة "زووم".
نتنياهو المهزوم من يوم 7 أكتوبر، لا يأبه بأي شيء، ولا حتى بتحذيرات حلفائه، بل سيحاول السير على حافة الهاوية ومطاردة الفلسطينيين الذي أذاقوه الهزيمة، لذلك يرفض شروط المفاوضات على الأقل في الوقت الراهن، وفي خلده تهجير سكان غزة إلى أي منطقة أخرى في العالم، كل هذا دون أي أفق سياسي او خطة واضحة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.