تعتبر الهجرة غير الشرعية عبر القوارب من لبنان ظاهرة معقدة ومحورية في السياق الإقليمي والدولي، حيث يعود تاريخ الهجرة غير الشرعية في لبنان إلى فترة طويلة، حيث شهدت البلاد تدفقاً متزايداً للمهاجرين واللاجئين منذ القرن العشرين. تأتي هذه الظاهرة نتيجة لعوامل متعددة منها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وانعدام الفرص العملية، والصراعات المستمرة في المناطق المجاورة، إضافةً إلى الرغبة في بحث عن فرص أفضل للحياة والأمان.
يعتبر لبنان من بين الدول التي شهدت زيادة في عدد المهاجرين غير النظاميين الذين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية عبر البحر المتوسط. وفق وزير الإعلام اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، فقد شهدت سواحل الشمال اللبناني ما لا يقل عن 155 محاولة هجرة غير نظامية خلال الربع الثالث من عام 2022، شارك فيها 4637 شخصاً، وأدت الى وفاة 214 شخصاً على الأقل، وفقدان 225.
وقد أظهر بحث أجرته المنظمة الدولية للهجرة خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس 2023، أنه من بين 954 مواطناً لبنانياً شملهم الاستطلاع، قال أكثر من 78% إنهم يفكرون في مغادرة لبنان، وقال ربعهم إنهم على استعداد أيضاً للتفكير في الهجرة غير النظامية. تم ذكر الصعوبات الاقتصادية والصراع وشح في الاحتياجات الأساسية، مثل الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم للأطفال، كعوامل رئيسية تقود تلك القرارات.
يخوض العديد منهم رحلة خطيرة وغالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر، حيث يتعرضون للغرق أو الاحتجاز أو الاستغلال. في فصل الشتاء تقتصر مسار هذه الرحلات إلى قبرص، وفي باقي فصول السنة، تتجه هذه الرحلات إلى إيطاليا.
في 23 نيسان/أبريل 2022، غرق قارب يقل حوالي 80 شخصاً قبالة سواحل طرابلس بلبنان. وأفادت الأنباء بأن الركاب كانوا من جنسيات مختلفة من لبنانية وفلسطينية وسورية. وكان من بين الركاب عائلات مع أطفال ورضع، وكانت الوجهة إلى قبرص. بعد الحادث، أفاد ناجون بأن طراداً من البحرية اللبنانية حاول إيقاف القارب قبل أن يصل إلى المياه الدولية. واتهم بعضهم البحرية اللبنانية بتعمد الاصطدام بالقارب، وذلك أثناء محاولتها إجباره على العودة إلى الشاطئ. للأسف التحقيقات في المحكمة العسكرية في بيروت حول هذا الحادث قد أحيلت لعدم الاختصاص إلى المدعي العام في لبنان الشمالي في 22 حزيران/يونيو 2022، وفي 21 أيلول/سبتمبر 2023، حفظت القضية.
في 21 أيلول/سبتمبر 2022، غرق قارب يقل حوالي 150 شخصاً بالقرب من جزيرة أرواد، بجانب ساحل طرطوس في سوريا. كان القارب متجهاً نحو أوروبا من شمال لبنان. وأكدت عمليات البحث والإنقاذ آنذاك مقتل معظم الأشخاص، فيما أفادت التقارير بأن 20 ناجياً قد نجحوا في السباحة إلى الشاطئ، تم نقلهم إلى المستشفى في مدينة طرطوس السورية.
في 10 آب/أغسطس 2023، تمكن أحد القوارب من الإبحار من لبنان إلى المياه الإقليمية. وكان يحمل 110 مهاجرين معظمهم سوريون والبعض الآخر لبنانيون. في 18 آب/أغسطس 2023، عند وصولهم إلى منطقة البحث والإنقاذ في مالطا، أفاد المهاجرون بأنّهم تعرضوا إلى إطلاق نار من قبل قارب اعترضهم يرفع العلم الليبي، وأن أفراداً مسلحين كانوا يطلقون النار على قاربهم. قام عناصر من الجماعة الليبية المتشددة وهم لواء طارق بن زياد بنقل جميع المهاجرين البالغ عددهم 110 إلى مصراتة، ثم تم نقلهم إلى مركز احتجاز في بنغازي. في 25 آب/أغسطس 2023، أفرج لواء طارق بن زياد عن معظم المعتقلين لكن بقي أكثر من 20 مهاجراً في مركز الاحتجاز. وفي 4 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تم إطلاق سراح جميع المعتقلين. وأفاد بعض المعتقلين لوسائل الإعلام بأنهم تعرضوا لسوء المعاملة والتعذيب أثناء احتجازهم.
وأيضاً في 11 كانون الأول/ديسمبر 2023، انطلقت مجموعة مؤلفة من 85 شخصاً، بينهم 50 امرأة وطفلاً، في رحلة غير نظامية من لبنان عبر القارب، غالبيتهم من السوريين والبعض الآخر من اللبنانيين. أفادت العائلات لاحقاً بأنه وصل المهاجرون إلى المياه الإقليمية القبرصية في 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، ومن المؤسف أنه لم تظهر أي معلومات حتى الآن بشأن مصيرهم. وفي 22 كانون الثاني/يناير 2024، أفادت الأنباء التركية بالعثور على 8 جثث على شاطئ في أنطاليا، تركيا. يعتقد بأنها قد تكون عائدة للقارب المفقود، ولكن حتى تاريخه لم تتأكد العائلات من صحة ذلك، حيث يفترض أن تقوم السلطات المعنية في لبنان وتركيا بإجراء فحص الحمض النووي، ويبدو أن الإجراءات ستكون معقدة لإجراء هذه الفحوصات.
على الرغم من التحديات التي تواجهها الهجرة غير النظامية عبر القوارب من لبنان، يجب ألا ننسى الجوانب الإنسانية في هذا السياق. فالمهاجرون يفرون من الفقر والاضطهاد والحروب، ويسعون للبحث على حياة أفضل لأنفسهم ولعائلاتهم. بناءً على ذلك، يجب أن تتعاون الحكومات والمنظمات الدولية للتصدي للأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، وتقديم الدعم اللازم للدول المتأثرة للتعامل مع هذه الظاهرة بشكل فعال وإنساني.
إن توفير الفرص الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية في بلدان المنشأ يمكن أن يقلل من الحاجة إلى اللجوء إلى وسائل الهجرة غير النظامية، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة والسلام في المنطقة. وينبغي على السلطات اللبنانية والمجتمع الدولي العمل على استعادة رفات جميع الركاب المفقودين، وتوفير حرية التنقل وفرص التوطين السريع لمن هم في حاجة، وتقديم الدعم الطبي والنفسي لمن يتم إنقاذهم في البحر. في النهاية، يتعين علينا جميعاً أن نعمل معاً لإيجاد حلول مستدامة وشاملة لمشكلة الهجرة غير النظامية، وضمان حقوق وكرامة المهاجرين واللاجئين في جميع أنحاء العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.