يتزامن يوم 21 مارس/آذار عيد الأم في الدول العربية، وهو مناسبة هامة لتسليط الضوء على دور المرأة الفلسطينية لكونها أيقونة الكفاح الوطني الفلسطيني، والحفاظ على الهوية الوطنية، وهي التي نقلت حب الوطن بالتواتر إلى الأجيال عبر الحكاية والرواية الشفهية واستحضرت على الدوام تاريخ حراك الوطن الفلسطيني وكفاح شعبه المستمر بتفاصيله، كما أنها أم الشهيد وأخت الأسير والشهيدة والأسيرة في كثير من الأحيان، فضلاً عن مساهمتها في كافة صنوف العلوم والأدب والفن المقاوم للاحتلال الإسرائيلي.
دور ريادي في الحث على التعليم
أدت نكبة 48 وإنشاء إسرائيل قبل نحو ستة وسبعين عاماً إلى زعزعة النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتهجير وتشريد مئات الآلاف من النساء ليصبحن لاجئات في مخيمات بائسة. ومنذ التاريخ المذكور انتهجت إسرائيل سياسة عنصرية إزاء الأقلية العربية ومن ضمنها النساء، وكذلك هي الحال بالنسبة للفلسطينيين في الضفة والقطاع، حيث العدوان المستمر بكافة تلاوينه وصنوفه والمشهد ماثل للعيان منذ أكتوبر/تشرين الأول المنصرم. كما استمرت حالات البؤس والحرمان بين اللاجئين في مناطق اللجوء المختلفة، وقد تحملت المرأة الفلسطينية اللاجئة على مدار سنوات النكبة القسط الكبير من مرارة اللجوء، في وقت ساعدت إلى حد كبير في الحفاظ على الأسرة والتركيز على التحصيل العلمي لأفرادها كمدخل لتحسين الظروف والاستحواذ على عمل مناسب فيما بعد.
واللافت أنه خلال فترة الكفاح الوطني ظهور قامات نسوية فلسطينية داخل فلسطين التاريخية ومناطق اللجوء القريبة والبعيدة في مجالات الأدب والفن والطب والقانون والهندسة، ناهيك عن إنشاء هيئات نسوية رفدت العمل الفلسطيني المقاوم بشكل جلي وكبير. وساهمت المرأة الفلسطينية بالعمل الكفاحي المباشر خلال الانتفاضتين الأولى والثانية؛ وكان دورها ماثلاً من خلال فكرة وترسيخ الاقتصاد المنزلي إبان الانتفاضة الأولى؛ الأمر الذي عززّ صمود المنتفضين وحراكهم اليومي ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
على مدار سنوات الكفاح الفلسطيني واجهت المرأة الفلسطينية ما واجهه أبناء الشعب الفلسطيني كافة منذ الانتداب البريطاني حتى الاحتلال الإسرائيلي من تشريد وتهجير ونزوح، وكل واحدة من نساء فلسطين اختارت شكلاً من أشكال المقاومة لتكون خير سند للرجل وصانعة لرجال المستقبل في آن.
الحركة النسوية الأسيرة
إضافة إلى استشهاد المئات من النساء الفلسطينيات منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، وخلال الانتفاضتين؛ عانت كثيراً من عمليات الاعتقال والملاحقة، وفي هذا السياق، تكتسب تجربة الحركة النسوية الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي صفة مميزة وإن تداخلت إلى حد كبير في تجربتها مع تجربة الحركة الفلسطينية بشكل عام. فهي أكثر ألماً ومعاناة، وتحمل في خصوصيتها مدى النضج الوطني في المجتمع الفلسطيني، إذ شاركت وتشارك المرأة بدورها النضالي إلى جانب الرجل في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك في نضالات الحركة الأسيرة؛ ورغم قلة المصادر التي وثّقت أعداد وأسماء النساء الأسيرات، فإن المعلومات الأولية تشير إلى أن أكثر من عشرين ألف امرأة فلسطينية دخلن المعتقلات الإسرائيلية منذ بداية الاحتلال للضفة والقطاع عام 67، وكثيراً ما كانت بين المعتقلات أمهات قضين فترات طويلة في السجون، مثل ماجدة السلايمة وزهرة قرعوش وربيحة دياب وسميحة حمدان وغيرهن. وتعرضت الأسيرات لكثير من حملات التنكيل والتعذيب أثناء الاعتقال. وتفيد شهادات عدة للأسيرات أنهن تعرضن للضرب والضغط النفسي والتهديد بالاغتصاب. وشهد العامان 1968 و1969 بداية قاسية وعنيفة جداً في تاريخ الحركة النسائية الأسيرة، خصوصاً في انطلاقة تجربة الاعتقال وبدء النضال والكفاح للدفاع عن ذواتهن داخل السجون ضد مخططات تدمير وتحطيم النفسية والإرادة الوطنية لدى الأسيرات.
طليعة الكفاح
سجل تاريخ الحركة النسوية الأسيرة مواقف أسطورية عجز الرجال عنها، كما حصل العام 1996 عندما رفضت الأسيرات الإفراج المجزوء عنهن إثر اتفاق طابا، وطالبن بالإفراج الجماعي ومن دون ذلك فضلن البقاء في السجن، واستطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية ليتم الإفراج عن جميع الأسيرات في بداية العام 1997. وخاضت الأسيرات معركة الحرية بعد اتفاق أوسلو تحت شعار "لا سلام من دون إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات". وشاركن في الخطوات النضالية إلى جانب بقية الأسرى في السجون كافة، في سبيل تحقيق أهدافهن بالحرية والإفراج. وبشكل عام كانت السجون الإسرائيلية وما زالت بديل المشانق ومكان القتل الروحي والنفسي للفلسطينيين أصحاب الأرض، ووظفت إسرائيل أدوات القانون والقضاء الإسرائيلي توظيفاً مخالفاً للقوانين والأعراف الدولية خدمة لأهدافها الاستراتيجية المتمثلة بطرد الفلسطينيين واحتلال أرضهم وتهويدها في نهاية المطاف.
وثمة شهيدات وجريحات وأسيرات وأمهات ثائرات فلسطينيات قدمن الكثير لفلسطين على مذبح الحرية والتحريروالعودة، منهن الشهيدة شادية أبو غزالة، الشهيدة رجاء أبو عماشة، الشهيدة دلال المغربي، وشهيدة يوم الأرض في الثلاثين من مارس/آذار 1976 خديجة شواهنة، وثمة شهيدات ماجدات؛ الشهيدة آيات الأخرس، أم نضال فرحات، أم رضوان الشيخ خليل، وأم الشهيد أحمد جرار وأم الشهيد مهند الحلبي وأم ناصر أبو حميد وغيرهن، والقائمة تطول وتحتاج إلى عمل بحثي وموسوعي يليق بدور وتضحيات المرأة الفلسطينية في داخل فلسطين وفي المهاجر القريبة والبعيدة؛ فهي أولاً وأخيراً طليعة الكفاح الوطني الفلسطيني وأيقونته في آن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.