في أبريل/نيسان عام 2021، أُوقفت مباراة ليستر سيتي وكريستال بالاس في الدوري الإنجليزي الممتاز من أجل السماح للاعبين المسلميْن "ويسلي فوفانا، وشيخو كوياتي" بكسر صيامهما في شهر رمضان الكريم. وبذلك أصبحت تلك هي المرة الأولى في تاريخ البريميرليغ، التي توقف فيها المباراة بشكل رسمي من أجل إفطار لاعبين صائمين. حدث ذلك بإيعاز من إدارة البريميرليغ لقادة الأندية بالتحدث لحكم المباراة والاتفاق بشكل مشترك على إيقافها حتى يتسنى لأولئك اللاعبين كسر صيامهم.
يأتي شهر رمضان كل عام مجدداً لشعائر الدين الإسلامي ومعلناً عنها في المشرق والمغرب على حد سواء. وفي عالم كرة القدم، يتصادف في الآونة الأخيرة أن يتزامن الشهر الفضيل الذي يقدسه المسلمون جميعاً مع الفترات الحاسمة في الدوريات الأوروبية الكبرى والأدوار الإقصائية من البطولات الأوروبية المجمّعة مثل دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي.
ولمّا كانت كبرى الفرق الأوروبية لا تخلو من لاعبٍ مسلمٍ على الأقل في صفوفها الأساسية، كانت أحوال اللاعبين المسلمين محط اهتمامٍ ودراسةٍ في شهر الصيام. فما هي العقبات التي تواجههم على المستوى البدني وانعكاساتها على الأداء في الملعب؟ وكيف يغالب اللاعبون تلك العقبات؟ وما الدور الذي تلعبه الأندية لتذليل تلك المصاعب على عناصرها المهمة؟ والأهم من ذلك، كيف يعيش أولئك اللاعبون شعائر هذا الشهر ويتفاعلون معه في محيطهم الأوروبي وكيف يؤثرون فيه؟
عقبات وتحديات
تكمُن العقبة الأساسية، والتي تنبثق من ورائها عقبات أخرى، في متضايفة "رمضان في أوروبا" أو في بلدٍ غير مسلم. ففي البلدان المسلمة تخضع القوانين وتُغير الأنظمة لصالح المجموع المسلم الصائم بما في ذلك مواعيد التدريبات وأنظمة النوم وربما مواعيد المباريات نفسها. وربما تتآمر الحالة المزاجية العامة في كسر العزلة النفسية التي يشعر بها اللاعبون، وهو ما لا يسهل تطبيقه في أوروبا أو إيجاده في دول الغرب.
ووفق دراسة أجراها نائب رئيس اللجنة الطبية باتحاد كرة القدم الأفريقي كاف "ياسين زرقيني" وزملاؤه؛ فإن كبرى العقبات التي يواجهها اللاعبون المسلمون في شهر رمضان تتمثل أولاً في إعادة جدولة مواعيد النوم لتحقيق أكبر إفادة ممكنة منها ثم تليها مشكلة التغذية والجفاف وما ينتج عنهما من تأثيرات على مستويات اللاعبين البدنية والذهنية.
يحتاج اللاعبون المحترفون إلى ضبط أنماط النوم لما لذلك من أهمية كبرى في عملية الاستشفاء وتجنب الإصابات العضلية، خصوصاً في مستويات التنافس العالية وجداولها المزدحمة. وبالمثل، يحتاج اللاعب المحترف لثلاث وجبات رئيسية في اليوم بالإضافة للكميات المختلفة من السوائل الدافئة والماء.
وعلى قدر شدة التمارين وحدّتها وعلى قدر ضغط المباريات وحمية المنافسات، تكون المعاناة وتتحقق الصعوبة. هكذا يصف "كولو توريه" أحد اللاعبين المسلمين المعتزلين، والذي نشط في الدوري الإنجليزي الممتاز لمواسم عديدة مع ناديي مانشستر سيتي وأرسنال، معنى أن تكون لاعب كرة قدم مسلماً على هذا المستوى العالي من التنافس:"أظن أن أصعب شيء على لاعب كرة قدم هو عدم شرب الماء والمشروبات الساخنة. ولكن ما إن يبدأ الشهر فإن اليوم الأول يكون صعباً بقدرٍ لا يصدق، ثم تقل الصعوبة يوماً بعد يوم، حتى يعتاد جسدك الأمر، ولا تفكر بعدها في الماء إطلاقاً".
تلك المشكلات تلقي بظلالها أبعد من الوقت الحاضر؛ فقد أثبتت دراسات علمية أن سرعة اللاعبين تتناقص أثناء شهر الصيام مقارنةً بما قبله، ثم تعاود الارتفاع بعد انقضاء الشهر، لكنها لا تعود كما كانت قبل أسبوعين على الأقل.
لكن إيمان أولئك اللاعبين بأهمية الصيام كركن من أركان الإسلام، بالإضافة للقيمة الكبيرة التي يقدمونها لفرقهم الكبرى؛ أمثال محمد صلاح في ليفربول ومن قبل كريم بنزيما في ريال مدريد ورياض محرز في مانشستر سيتي وكثيرين غيرهم؛ دفعت الجهود في اتجاه خلق بيئة ملائمة لمواكبة ظروف الصيام والاحتراف معاً، فكيف حدث ذلك؟
العلم والإيمان: المواكبة في عصر الاحتراف
"إن إيماني هو كل شيء، وبدونه لم أكن لأكون الشخص الذي أنا عليه الآن؛ لأنني أؤمن أن هذا الإيمان يدفعني للأمام، ويجعلني شخصاً أفضل".
-كولو توريه، لاعب كرة قدم مسلم معتزل.
عطفاً على ما تقدم ذكره، فإن محاولات مواكبة تلك الصعوبات أمرٌ غير هين. ولكن جزءاً أصيلاً من نجاح تلك المحاولات هو إيمان أولئك اللاعبين المسلمين بجدوى الصيام وتمسكهم به من منطلق الفريضة وأيضاً بما يعكسه الجانب الروحاني لديهم على المستويين الذهني والجسماني، فيقوّي لديهم حساً بالمسؤولية وتجنب الصدام مع المؤسسات والأفراد المحترفين في تلك المهنة المتطلِّبة.
ذلك عن الجانبين النفسي والروحاني، ولكن ماذا عن النوم والطعام والشراب، الذين هم أساس المشكلة وعقدتها؟
يرى "زرقيني" أن مشكلة ضبط أنماط النوم، يمكن تفاديها بالتحضير المسبق لها تدريجياً، قبل بداية شهر رمضان، حتى لا يفاجأ اللاعب بتذبذبٍ في مستويات التركيز والاستشفاء مع بداية الشهر. فيصبح الموعد الأنسب للنوم في الحادية عشرة مساءً، ثم الاستيقاظ للسحور والنوم بعده في الخامسة لمدة ساعتين.
أما فيما يخص مشكلة الطعام والشراب، فإنهما تخضعان لمعايير أكثر مرونة؛ فمثلاً لو وافق الصيام جلسات تدريبية نهارية في فصل الصيف، فإن الخطط توضع لأجل تجنب مشاكل الجفاف بالأساس. أما لو كانت الجلسات في وقت متأخر من اليوم في الشتاء أو الخريف، فإن المكونات الغذائية ومصادر الطاقة تكون شغل طاقم التغذية الشاغل.
ومع التطور الكبير الذي تشهده كافة جوانب اللعبة؛ فقد أصبح هناك مختصون في الفرق الطبية والتغذية داخل المؤسسات الكبرى التي تعني بتلك التفاصيل لحدٍ بعيد، وهو ما أعفى اللاعبين من عناء التفكير في ضبط تلك الأمور بشكل فردي.
ويرى الطبيب "ظفار إقبال"، الطبيب السابق لنادي ليفربول الإنجليزي، أن حالة التفاهم المتبادل بين شركاء العملية الاحترافية، من لاعبين ومدربين بالمقام الأول؛ هو ما يجعل الأمر أكثر سهولة على اللاعبين، فبدلاً من أن يضطروا -مثلاً- إلى إجراء حصتين تدريبيتين في شمس الظهيرة، يكتفون بواحدة بالخارج والأخرى في القاعات المغلقة المكيفة.
أثر الشعائر الدينية على المجتمع الغربي
تجسد فريضة الصيام ملمحاً لافتاً لغير المسلمين من ناحية الشعائر، فتثار التساؤلات وتطرح الأسئلة ويعجب الكثيرون من ذلك الإيمان العجيب الذي يجعل أولئك اللاعبين يؤدون واجبهم بهذه الكفاءة مع الصيام عن الطعام والشراب!
وقد فطن بعض الشبان المسلمين لهذا الأمر، وعزموا على استغلاله؛ فأنشأوا مؤسسة غير ربحية تسمى نجوم سبورت، تسعى لدعم اللاعبين المسلمين وتوعية الجماهير والأندية وإداراتها بطبيعة الصيام والطريقة الأمثل لتعاملهم مع اللاعبين، وقد لاقت انتشاراً هائلاً في إنجلترا وبين أنديتها.
فنجد بعض الأندية مثل نادي تشيلسي، تدعو جمهورها لحضور إفطار جماعي في ملعبهم ستامفورد بريدج في لندن خلال شهر رمضان المنصرم.
وفي الموسم الحالي، دعا نادي برينتفورد إمام المسجد المحلي للحديث مع لاعبي الفريق وطاقم التدريب عن الشهر الكريم وطقوسه ونصائحه للاعبين فيما يتعلق بالمأكل والمشرب والتعافي.
في سياق متصل، نجد أن تلك الشعائر حين يمارسها لاعبو كرة القدم في هذا المستوى العالي، فإنها تدفع الناس دفعاً في تلك المجتمعات للبحث ومحاولة الفهم الصحيح للدين الإسلامي والتخلص مما يوصف بالإسلاموفوبيا.
وقد أظهرت دراسة أجريت في جامعة ستانفورد، أن جرائم الكراهية ضد المسلمين قد انخفضت بنسبة 18.9% في إقليم الميرسيسايد، في الفترة التي أعقبت انضمام النجم المصري المسلم محمد صلاح إلى صفوف النادي. ولم تلحظ الدراسة أي انخفاض مماثل لأي جرائم في تلك الفترة الزمنية، كما أن التغريدات المعادية للإسلام من قبل جماهير نادي ليفربول قد انخفضت للنصف، مقارنة بجماهير الأندية الأخرى، وهو تغير ضخم.
يرجع البعض ذلك التأثير للزيادة المطردة للاعبين المسلمين في الدوريات الأوروبية الكبرى بدرجاتها المختلفة. فقد وصل عدد أولئك اللاعبين في الدوري الإنجليزي فقط إلى 79 لاعباً بمن ذلك لاعبو الأكاديميات، مقارنة بالموسم الافتتاحي للبريمرليغ 1992/1993، الذي لم يكن فيه سوى لاعب مسلم واحد فقط.
ويبدو أن ذلك التأثير قد قُيّضت له أسباب الاستمرار، مع الصعود الدائم للاعبين يقدسون شعائر دينهم ويحترمونها ولا يجدون حرجاً في إظهارها للمجتمع مع إظهار جودتهم التي لا غبار عليها حتى في أوقات الصيام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.