تبدو الأمور السياسية في كركوك معقدة، وهذا أمر مألوف بالنسبة لمشهد سياسي يضم مختلف الأطراف والتوجهات؛ إذ تتميز مدينة كركوك العراقية بتنوعها القومي والمذهبي والطائفي، لذا ليس من الغريب أن يكون هناك بعض من الحدة السياسية.
أسفرت نتائج الانتخابات عما كان متوقعاً، حيث أصبح من الصعب على الأحزاب الكردية تشكيل حكومة محلية بمفردها بعد أن نالت سبعة مقاعد موزعة بين حزبين؛ حيث حاز حزب الاتحاد الوطني الكردستاني خمسة مقاعد والحزب الديمقراطي الكردستاني مقعدين. كما ضمنت هذه الأحزاب كوتا المسيحيين التي فازت بها حركة بابليون، المتحالفة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
في المقابل، حصلت الأحزاب العربية على ستة مقاعد موزعة بين التحالف العربي بثلاثة مقاعد، والقيادة بمقعدين، والعروبة بمقعد واحد، بينما فازت الجبهة التركمانية بمقعدين.
وبناءً على هذه النتائج، أصبح تحالف العرب مع التركمان يمتلك ثمانية مقاعد، في حين يمتلك تحالف الكرد مع المسيحيين ثمانية مقاعد أيضاً. وبالتالي، أصبحت المعادلة السياسية في كركوك معقدة للغاية، ومن ثم، أصبحت المعادلة السياسية في كركوك شديدة التعقيد، حيث يعجز أي طرف عن تحقيق الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة المحلية بالمحافظة.
هذه الحالة من الجمود السياسي دعت إلى تدخل رئيس الوزراء وفريقه، الذين عملوا على جمع جميع الأطراف المعنية في حوار لمناقشة واستكشاف الحلول الممكنة. وبعد ذلك، خرج رئيس الوزراء بنقاط وجملة تفاهمات قرأها المواطن الكركوكي على أنها ليست الحل الأمثل للمشكلة.
قبل ذلك، برزت لحظة أمل للتفاهم، حيث التقت الأطراف العربية والكردية والتركمانية بهدف تشكيل تحالف كركوكي وطني يتجاوز الانقسامات القومية، ينتخب من خلاله محافظ ورئيس للمجلس وتوزيع بقية المناصب الإدارية. إلا أن منصب المحافظ ظل نقطة خلاف رئيسية، تؤدي إلى توقف الاجتماعات وتبريد المفاوضات مؤقتاً، قبل أن تستأنف مجدداً، ليعود منصب المحافظ ليصب على شعلة النار الثلج.
تعول الأحزاب العربية في هذه المفاوضات على عامل الوقت، إذ ترى أن تأخير تشكيل الحكومة المحلية لمدة عام كامل لا يشكل مشكلة، نظراً لاحتفاظهم بمنصب المحافظ وإدارة القوات الاتحادية للملف الأمني في المحافظة، بينما تظهر بغداد رضاها عما يجري في كركوك. هذا الوضع يشكل نقطة قوة للأحزاب العربية في عملية التفاوض، رغم أنهم قد يواجهون تحديات متعلقة بالتوقيتات القانونية وغياب تفسير واضح لكيفية التعاطي مع مثل هذه الأزمات القانونية.
أما عن موقف التركمان في هذه المفاوضات قد يكون أكثر هدوءاً نظراً لأنهم حلفاء للأحزاب العربية، ولديهم ضمانات بالحفاظ على حقوقهم، ومع ذلك فقد طرحوا مبادرة تتضمن مجموعة من الاقتراحات، أحدها تدوير منصب المحافظ بين المكونات الثلاثة لمدة ستة عشر شهراً لكل مكون.
بينما يأتي الموقف السياسي الكردي كالأكثر تشدداً، لا سيما من وجهة نظر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فهم بحاجة إلى ما يرد اعتبارهم في كركوك، وقد قطعوا وعوداً قبل الانتخابات المحلية لجمهورهم بأنهم سيعودون بمنصب المحافظ، فحزب الاتحاد يعتبر أن كركوك ساحته وهو صاحب الغلبة فيها جماهيرياً، ودائماً ما يحقق نتائج انتخابية طيبة في كركوك، ولاشك في أن خسارة منصب المحافظ سينعكس سلباً على ساحته الجماهيرية، لذا هو يجاهد في سبيل الحصول على المنصب، ولو لأول سنتين، مع أنهم يرفعون سقف المطالب لدورة كاملة.
يمثل منصب المحافظ رمزية بالنسبة لجميع مكونات الشعب العراقي، حيث يرى جمهور الكتل السياسية أن من يحصد إدارة كركوك و يحصل على منصب المحافظ سيفرض سلطته ونفوذه في المحافظة، ويعيد صياغة التعاملات والقوانين ويصبح التمييز القومي بشتى أنواعه منتشراً في دوائر الدولة والأجهزة الأمنية بل حتى في الأماكن العامة.
ويجدر بنا التذكير على أن كركوك تحتل المرتبة الثانية في قائمة أغنى مدن العراق النفطية، وتبعد كركوك على بعد 298 كيلومتراً شمال العاصمة بغداد، ويقدر عدد سكانها بحوالي 1.6 مليون نسمة، وفقاً لأحدث البيانات الإحصائية الرسمية.
تتميز كركوك بطابع فريد عن سائر المحافظات العراقية، خصوصاً بوجود ستة حقول نفطية عملاقة فيها، والتي تُقدّر احتياطياتها بحوالي 13 مليار برميل من النفط.
وكما ذكرت تتميز المدينة بتنوعها الديموغرافي، إذ تضم في طياتها مجموعة متنوعة من مكونات الشعب العراقي.
وبالعودة للمفاوضات بين الكتل السياسية انتشرت اتفاقات حول تداول منصب المحافظ بين الكرد والعرب، لكل منهما سنتان، فيما يحصل التركمان على نائب المحافظ، لكنها تبدو رؤية غير ناضجة بعد أن نفاها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك الأحزاب العربية.
تشير المصادر إلى أن التحالف الأكثر ترجيحاً لعقد أول جلسة لمجلس محافظة كركوك هو تحالف العرب مع التركمان والديمقراطي الكردستاني، وذلك في إطار اتفاق سياسي يضمن حقوق جميع الأطراف ولا يستثني أو يقصي أي طرف على حساب طرف آخر. ومن خلال هذا التحالف، يمكن إدارة كركوك لمدة أربع سنوات، مع إمكانية كتابة فصل جديد في تاريخ المحافظة وكسر حاجز القومية الذي يتغلغل بعمق في سياسات الأحزاب في كركوك.
ومع ذلك، يبرز السؤال حول إمكانية استبعاد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يمتلك خمسة مقاعد ومقعد كوتا المسيحيين، خاصةً أنه يسعى إلى منصب المحافظ ويرفض التنازل عنه مهما كانت الظروف، كما يصرح بذلك في وسائل الإعلام والاجتماعات الرسمية. إلا أن الظروف الإقليمية العامة لا تبدو مواتية لمثل هذا الطرح، حيث تحظى كركوك باهتمام خاص من قبل الجارتين تركيا وإيران.
إذ ستسعى الدولتان المجاورتان إلى احتواء التوسع الكردي في محافظة كركوك لضمان عدم خوض مغامرة جديدة، وقد تدعمان تنصيب محافظ عربي أو الحفاظ على الوضع الحالي إذا لم تكن هناك حلول نهائية.
بشكل عام، يعتبر العراقيون قضية كركوك قضية وطنية لا يمكن المساومة عليها، ولا يمكن حل خلافاتها إلا من خلال حلول وطنية تضمن لجميع أبنائها العيش بسلام وأمان تحت راية العراق.
وفي الوقت الحالي، لا توجد حلول واضحة، ولكن هناك رسائل تشير إلى أن الحلول ستظهر في الوقت المناسب، وقد ننتظر حتى ما بعد انتخابات برلمان إقليم كردستان لحسم الأمر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.