ملحمة الحرافيش رواية للكاتب نجيب محفوظ نشرت في عام ١٩٧٧، تتجزأ الرواية في عشر من الحكايات تروي قصة عائلة سكنت في حارة مصرية عبر أجيال متتالية، فتبدأ بقصة عاشور الناجي لقيطاً وجده أحد الصالحين وتولى تربيته ورعايته على الصلاح والاستقامة، يصبح عاشور شاباً قوياً يمتلك جسداً عملاقاً، وتظهر عليه علامات الفتوة، وبعد وفاة المحسن يعمل مكارياً عند أحد معارفه بجد ونشاط، ويثبت عاشور إخلاصه فيزوجه صاحب العمل ابنته الكبرى؛ ليتمتع عاشور بحياة زوجية سعيدة، تعمل زوجته بتربية الدجاج وبيع البيض، فتيسرت معيشتهم وفاح من ممر مسكنه رائحة التقلية والطعام ورُزق بالأبناء.
وأصبح عاشور الفتوة الذي يحمي الحرافيش من أصحاب الأعيان والأغنياء، يأخذ جزءاً من أموالهم ويوزعها على الحرافيش، ويفرض ذلك بسلطة القوة والفتوة، فعرفه الحرافيش بعدله واستقامته، ويهتفون له بكل مشجارة ينتصر بها "اسم الله عليه اسم الله عليه"، وتبدأ الأحداث تتصاعد عندما يقرر عاشور أن يتزوج من أخرى تدعى فلة مجهولة النسب، سيئة السمعة، فيتزوجها وتنجب له شمس الدين لينعم بحياة زوجية سعيدة، وفي إحدى الليالي يستيقظ عاشور فزعاً من حلمه، يُؤمر بترك الحارة بسبب خطر سيحدث فيُعلم زوجته الأولى زينب وأولاده، ويطلب منهم الرحيل معه إلى الجبل من أجل الاحتماء به، فترفض زوجته وأبناؤه ويذهب هو وفلة وطفلاهما تاركين الحارة، وبعد وقت يعودان إلى الحارة ويجدان أن الكل قد مات بسبب الطاعون، ويمسيان في الحارة وهي خاوية فيقول عاشور: "لن تبقى خالية إلى الأبد، لا حزن يدوم ولا فرح"، ويتسرب الإغراء إلى عاشور بالدخول إلى التكية، ما انفك يحلم بذلك، ولكن دار البنان كانت أقرب له، وهو قصر كبير كان لأحد الأعيان، غلبه الفضول "ودفع الباب فانفتح التراب يغطي الفسيفساء كما أرض السلامللك الرخامية"، فالحي أبقى من الميت، يدخل عاشور ومعه فلة، ويتنقلان من حجرة إلى أخرى، منشدين بالتحف والسجاجيد المزركشة، فالمطبخ فالحمام، وجربا الجلوس على الدواوين والأرائك ويتمتعان بنعومة الستائر والوسائد، فتقول فلة: لم تكن حياتنا السابقة إلا كابوساً.
وبمرور الأيام أخذت الحياة تتسرب إلى الحارة، وجاء الحرافيش، وفي كل يوم يعمر بيتاً وتتكون أسرة جديدة، ويصبح عاشور سيد الحارة يحكمها بالعدل، وذات ليلة يأتي شيخ الحارة يطالبه بصك ملكية بيت البنان، بتوجيهات من الحكومة، فيأخدوا عاشور إلى السجن بتهمة تعديه على بيت ليس له، وتباع الأملاك والبيوت بالمزاد العلني، فيشتريها أصحاب الأعيان والأغنياء ويرجع الحرافيش إلى فقرهم، ويعاقب عاشور بالسجن لمدة عام، وبعد انتهاء مدة محكوميته يعود ليعيش في مسكنه البسيط (البدروم)، ويبقى على عهده بحماية الحرافيش بالفتونة، وتنتهي حكايته بخروجه يوماً من بيته دون أن يعود، ويصبح عاشور الناجي رمز الرجل الصالح صاحب الذكرى الطيبة المنتظر عودته يوماً ما، ويتولى ابنه شمس الدين مكانه، ويكون على عهد أبيه مع وجود بعض التجاوزات الأخلاقية التي كان ينأى عنها عاشور، وتتوالى الأجيال من نسل عاشور وتنحرف عن نهج الناجي، حتى يأتي فتوة من نسله يؤمن بنهج الناجي فيعود إلى الفتونة، ولكن هذه المرة بمساندة الحرافيش بثورة ضد الظلم والطغيان.
من يقرأ الحرافيش كما كتبها نجيب محفوظ سيدرك أنها تختلف تماماً عما صورته السينما، فالقصص العشر متسلسلة زمنياً، جاءت مترابطة لبناء فكرة من وجهة نظر المؤلف، في حين تناولت السينما كل قصة على حدة، فقتلت الروح والهدف من الرواية، واهتمت بالأحداث المثيرة وسردها باستخدام سيناريو الحارة والفتوة والحرافيش.
تعتبر شخصية نجيب محفوظ من الشخصيات المثيرة للجدل فهو الكاتب العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل للأدب، وسبب حصوله على الجائزة، حسب لجنة نوبل، غزارة كتاباته الأدبية، واعتبر سيد الواقعية باستخدام أسلوب أدبي تجريبي من خلال المعالجة الابتكارية للحارة المصرية بين الواقعية والرمزية، واعتبر بعض النقاد حصوله على الجائزة بسبب توجهاته السياسية.
رفض نجيب محفوظ استلام الجائزة بنفسة مفوضاً ابنتيه لاستلام الجائزة عنه، وقد شاهد حفل تسليم الجائزة هو وأصدقاؤه عند عرضه على التلفاز.
إن نجيب محفوظ الموظف الحكومي في وزارة الأوقاف يظهر بحياته الروتينية الذي يكره السفر، يكتب الروايات والقصص على مكتبه في بيته، بعد انتهائه من دوامه الوظيفي في كل يوم.
وفي حقيقة الأمر هو ثائر يبحث عن الحرية والعدالة كما يراها هو، يحاول ترسيخ فكرة حكم الرجل الأوحد والبطل المنتظر (الفتوة)، وكأنه يؤيد فكرة توريث السلطة من جيل إلى جيل، وحال لسانه يقول: سيبقى الحرافيش كما هم حرافيش ما دام ينتظرون قدوم الفتوة لحمايتهم.
وجسّد أفكاره في روح أبطاله كبطله عاشور الناجي وأحفاده، وتظهر الأفكار التي يؤمن بها من خلال كتاباته، فهو يرى أن الأغنياء أشرار لا يستحقون ثرواتهم، وأن الحرافيش دائماً بحاجة لمن يساعدهم وأن شيخ الحارة المتمثل بالسياسة الدينية متملق وضعيف.
وقد تمت محاولة اغتياله بسبب رواية أولاد حارتنا، التي استخدام بها رموزاً دينية، وعندما سُئل فدافع عن روايته بأن استخدام الرمز والمرموز لتوظفيهما في الرواية هو أسلوب مستخدم في الأدب، مثل كتاب كلية ودمنة، استخدم الرمزية التي تحمل في طياتها أبعاداً سياسية واجتماعية.
مؤكداً أن هنالك حرية لكل قارئ بأن يؤول الرمزية كما يريد، ولديه الحرية باستقصاء وتفسير ما يشاء من النص الأدبي.
نجيب محفوظ نال نصيباً من اسمه الذي سُمي على اسم الطبيب الذي أخرجه للحياة بعد ولادة متعسرة، فهو نجيب ومبدع بشكل استثنائي، ومحفوظ ومحظوظ، فكيف للثائر أن يمكث في عرين السلطة!
إن هنالك علاقة وطيدة ما بين الأدب المكتوب وعلم النفس، فيعتبر الأدب الشريان النابض لعلم النفس، فالروايات إحدى أساليب التعبير عن الأحداث الفردية والجماعية فكل ما ينطقه الإنسان من أمثال شعبية وأشعار وقصص وحكايات يفصح بها عما يدور في داخله، ويستطيع المتلقي بأن يكون على درجة من التواصل الإنساني والوعي المتبادل إن كان ذلك من خلال الكلام المباشر أو استخدام الرمزية، فالتعبير الأدبي وسيلة لفهم مكنونات النفس البشرية الذي جاء علم النفس يبحث عنها وفيها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.