لماذا استبدلنا وحدة الإسلام بتشرذم القومية وعصبيتها؟

تم النشر: 2024/03/19 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/19 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش

لماذا تحتل فلسطين مكانة خاصة لدى العرب والمسلمين؟ لماذا بالرغم من ترسيم الحدود بين الدول مازالت قلوبهم متصلة ببعضها، يحزنون لمصاب بعضهم؟ ويتألمون لجروح بعضهم؟ 

نجحت القوى الاستعمارية في تقسيم الأراضي التي كانت تحكمها الخلافة العثمانية، في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، نجحت في جعل كل دولة منفصلة عن الأخرى، لها حدود، وحكومة، ونشيد خاص بها، جعلوا زيارة الإخوة بعضهم لبعض، والذين لا تفصل بينهم سوى عدة كيلومترات، عمليةً معقدةً تحتاج أوراقاً والعديد من الإجراءات، والموافقات، والتفتيش، وغيرها.

لكن رغم ذلك لم يستطيعوا فصل الأرواح المتآلفة المترابطة، ترى لماذا؟ 

لأن جذور الأخوّة التي زرعها الإسلام راسخة في النفوس.

أتى الإسلام بالإخاء والمحبة والمساواة بين البشر، ليمحو العصبية القبلية من نفوس المؤمنين، ومن ذلك الإخاء بين قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة المنورة، ووقف الحرب الشرسة التي كانت بينهم بمجرد أن دخلوا الإسلام، وطبعت في نفوسهم أخلاقه، واهتدوا بتعاليمه، فكان الإسلام ديناً للسلام، وكذلك المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، حين هاجر أهل مكة من المسلمين للمدينة، فضرب الأنصار أروع النماذج في إيثار المهاجرين على أنفسهم.

القومية والعصبية القبلية وجهان لعملة واحدة

أما في العصر الحالي، فمصطلح القومية هو مرادف للعصبية القبلية، بأن يصبح انتماؤك واهتمامك منحصراً داخل حدود الأرض التي وُلدت بها، وما عدا ذلك لا يهم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تَدَاعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فجعل المسلمين وحدةً واحدةً لا تنفصل، وقال صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبّك بين أصابعه)، وقوله ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فكانت تعاليم الإسلام وهديه صلى الله عليه وسلم تدعو إلى الوحدة  بين المسلمين لا الفرقة والتحزب.

ما الذي حرّك جيشاً كاملاً لفتح عمورية؟

في السادس من رمضان عام 223هـ انزعج الخليفة العباسي المعتصم بالله عندما بلغه دخول الروم حصن "زبطرة"، وقتْل خيرة أهلها، وأخذهم في الأسر ألف امرأة من المسلمات، وبلغه صرخة امرأة من المسلمات لما أُخذت في الأسر "وامعتصماه"، فلبَّى الخليفة النداء وجهَّز جيشاً، فحرَّروا المرأة، وفتحوا المدينة التي كانت مسجونة بها بأكملها وحرروها من الروم، لو استحضرنا هذه الروح لما كان الوضع في غزة على ما هو عليه، فالنساء في غزة يعشن حرب إبادة جماعية، راح ضحيتها أكثر من 9 آلاف شهيدة، وترملت أكثر من 14 ألف امرأة، ويتعرض آلاف في غزة إلى الاعتداءات والأسر والإهانة والجوع، دون أي ردة فعل من العرب والمسلمين لوقف الحرب.

هل المسجد الأقصى للفلسطينيين فقط؟

المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، ويمتلك قدسية كبيرة لدى المسلمين، كما أنه من المساجد الثلاثة التي تُشد لها الرحال في الإسلام، وكان الإسراء من المسجد الحرام والمعراج من المسجد الأقصى، وبعد فتح بيت المقدس على يد جيش المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح في الثالث عشر من رمضان، وصل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى فلسطين لتسلم مفاتيح مدينة القدس بنفسه، وأذن بلال بن رباح رضي الله عنه، مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، كما أذن في المسجد الحرام يوم فتح مكة، وأذن في المسجد النبوي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فحتى لو اختلفت الأماكن فالإسلام يجمعنا، ومقدساته واجب على كل مسلم أن يهبَّ للدفاع عنها، ليس فقط أهل فلسطين، من منطلق سعة الدين ووحدته للمسلمين، وخروجاً من ضيق القومية وتشتيتها للمسلمين والعرب، ومن أبرز الأمثلة على ذلك صلاح الدين الأيوبي، وهو من أصل كردي، ما الذي حمله على محاربة الصليبيين وفتح بيت المقدس بعد أن حرّرها عام 583هـ؟ إنه الإسلام الذي نبذ التعصب والعنصرية وجمع بين المسلمين بأخوة أقوى من أخوة الدم والنسب، إنها الأخوة في الإسلام، التي تستلزم منا نصرة وعون بعضنا البعض، قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، سورة الحجرات.

يقول سيد قطب في كتابه (في التاريخ فكرة ومنهاج): الوطن الإسلامي كله وحدة، ومن اعتدى على مسلم واحد فقد اعتدى على المسلمين جميعاً.

ويذكر في كتابه (معالم في الطريق): "اتصلت الوشيجة بين المسلمين العرب وإخوانهم: صهيب الرومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وتوارت عصبية القبيلة، وعصبية الجنس، وعصبية الأرض، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية.

ومما سبق يتضح أنه لا ضير في الاختلاف في الثقافات والعلوم واللهجات،  وجميل أن تنصهر كل تلك الخبرات المختلفة المتنوعة بين الشعوب في بوتقة واحدة تدفع الأمة للأمام، لا أن يتسبب الاختلاف في خلاف وعصبية جاهلية، تبني بيننا حوائط وحواجز منيعة تحت مسمى القومية، وتفرض علينا العزلة والابتعاد، وإشعال فتيل الفتنة من قبل أيادٍ خفية لتتحول الأخوة لعداوة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، سورة الحجرات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ريهام عبدالعزيز السيد
كاتبة ومعلقة صوتية
كاتبة ومعلقة صوتية
تحميل المزيد