يعتبر الاقتصاد الإسرائيلي إحدى أهم ركائز المشروع الاستيطاني الاستعماري وعامل جذب لمزيد من يهود العالم باتجاه فلسطين المحتلة، فضلاً عن كونه أداة لتمويل استراتيجية العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني والدول العربية؛ حيث نشهد فصوله الإجرامية بحق الغزيين والشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية منذ أكتوبر المنصرم.
تجاوز الناتج المحلي الإسرائيلي الـ(500) مليار دولار سنوياً خلال السنوات الأخيرة، ورغم القيمة المرتفعة، فإن إسرائيل تعتمد أيضاً على المساعدات المالية والعسكرية السخية من قِبل الغرب، وخاصة أمريكا.
وفي الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل وجيشها وأذرعها الأمنية بعملية إبادة جماعية ممنهجة بحق الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، صادق الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، الأربعاء، على مشروع قانون الموازنة العامة المعدلة بسبب الحرب لعام 2024، ومشاريع القوانين المرافقة لها، في ظل الحرب في غزة، والتوتر الأمني في الشمال. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية: "بعد أكثر من ثلاثة أسابيع، صادقت الهيئة العامة للكنيست اليوم (الأربعاء)، على التغييرات في ميزانية عام 2024، بما يتوافق مع احتياجات الحرب".
وتم إقرار الميزانية المعدلة بعد تأخير أكثر من 3 أسابيع، في القراءة الثانية والثالثة بأغلبية 62 صوتاً ومعارضة 55 من أصل 120 نائباً بالكنيست.
فبعد أكثر من 3 أسابيع، صادقت الهيئة العامة للكنيست، اليوم، على التغييرات في ميزانية 2024، بما يتوافق مع احتياجات الحرب. وتحتاج مشروعات القوانين بالكنيست للتصويت عليها في 3 قراءات لتصبح قوانين سارية المفعول.
وبسبب معارضة بعض أعضاء الائتلاف الحكومي، كانت هناك مخاوف في وقت سابق من عدم إقرار الميزانية، غير أنه تُوصّل لاحقاً إلى تفاهمات وصوّت معظم المعارضين من داخل الائتلاف لصالح الميزانية المعدلة.
ومشروع القانون الذي صوّت عليه أعضاء الكنيست هو مشروع قانون الموازنة الإضافية، الذي بموجبه سيكون سقف الإنفاق الحكومي لعام 2024 هو 584.1 مليار شيكل (160 مليار دولار) بعد نفقات الحرب، بزيادة إجمالية قدرها 70 مليار شيكل (19 مليار دولار)، مقارنة مع موازنة الأساس المصادق عليها في مايو/أيار 2023.
الاقتصاد الإسرائيلي على المدى البعيد
كان من أهم تداعيات العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، تراجع النشاط الاقتصادي وتالياً ارتفاع عجز موازنة متوقع في موازنة إسرائيل خلال العام الحالي.
لذا وسط الحرب، يجد الاحتلال الإسرائيلي نفسه عند مفترق طرق حرج، حيث يواجه واحداً من أكبر عجز في الميزانية في تاريخها؛ العبء المالي الذي تحمله الاحتلال خلال جائحة فيروس كورونا في عام 2020 يبدو أنه مجرد بداية لما هو آتٍ، مع توقعات بزيادة هائلة في الديون خلال عام 2024. هذه الزيادة في الديون، التي تقدر بحوالي 210 مليارات شيكل (58 مليار دولار)، تعد بمثابة إنذار للمخاطر المالية المتصاعدة التي تواجهها الدولة.
ويضاف إلى هذا السيناريو المعقد تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل للمرة الأولى على الإطلاق، مما يعكس كيف تكهل الحرب اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ إن انخفض تصنيف إسرائيل إلى مستوى A2 من قبل وكالة موديز لخدمات المستثمرين هو دلالة واضحة على الخسائر الاقتصادية الجسيمة التي تلحقها الحرب بإسرائيل، مما يجعل مهمة الحفاظ على استقرارها المالي على المستوى البعيد أكثر تعقيداً.
الحرب لا تكبّد الاحتلال على المستوى المالي فحسب، بل أيضاً على مستقبل تدفق الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي يعد عنصراً حيوياً لنمو الاقتصاد الإسرائيلي. انخفاض حاد في هذه الاستثمارات، بنسبة 60% مقارنة بالسنوات السابقة، يسلط الضوء على تأثير الحرب على تفكيك الداخل الإسرائيلي على المستوى المادي.
مع هذه الخلفية، يجد الاحتلال نفسه خلال هذه الحرب، في مواجهة تحديات داخل وخارج الميدان أيضاً للحفاظ على استقراره الاقتصادي. الانخفاض الحاد في الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الفائقة، الذي يمثل أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، حيث تم إلغاء أو تأخير اتفاقيات لأكثر من
40% من شركات التقنية، بينما تمكّنت 10% فقط من عقد اجتماعات مع المستثمرين. وفي استطلاع أجرته شركة أبحاث السوق المحلية (IVC) وشمل 507 شركات تقنية إسرائيلية متقدمة، أبلغ أكثر من 70% من هذه الشركات تأجيل أو إلغاء الطلبات والمشروعات المهمة الخاصة بهم. فحرب الإبادة التي يشنها على غزة والتحديات الداخلية لا تؤدي فقط إلى تقويض النمو الاقتصادي، بل تؤثر أيضاً على المكانة الاقتصادية للاحتلال، إذ يصف نفسه بأنه "أمة الشركات الناشئة".
هذا بجانب الهجرة العكسية التي تشهدها إسرائيل والتي قد تؤثر على اقتصادها بشكل ملموس، حيث غادر إسرائيل نحو 370 ألفاً منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مع إضافة 470 ألفاً آخرين كانوا خارج البلاد أثناء اندلاع الحرب ولم يعودوا حتى الآن.
وهذا يعني وجود "هجرة سلبية" تُقدر بنحو نصف مليون شخص، بالإضافة إلى آلاف العمال الأجانب واللاجئين والسياسيين الذين غادروا إسرائيل. ورغم أن الهجرة إلى إسرائيل لم تتوقف بشكل كامل، فقد تراجعت بشكل كبير، ما يثير المخاوف لدى قادة الاحتلال بشأن ارتفاع منسوب الهجرة السلبية، والتي بدورها قد تؤثر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال تقليل القوى العاملة والإمكانات الاقتصادية للاحتلال.
وبالرجوع إلى بنود الموازنة الإسرائيلية للعام الحالي 2024، رغم استمرار الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية المتراكمة، إلا أن نسبة كبيرة من النفقات في الموازنة الإسرائيلية تم تخصيصها للجيش والأجهزة الأمنية ولوزارة الحرب، وهي بذلك موازنة استمرار للحرب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.