بُعيد بدء معركة طوفان الأقصى بأيام، هاجم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حركة حماس، ثم تراجعت الرئاسة عن ذلك، كي تعطي نفسها فرصة للترقب والتريث في مجريات الأحداث، فإنْ انتصرت حماس انتصرت فتح معها، وإن خُذلت سلّطت عليها أقلامها، وفي مرحلة الصمت تلك، كان لابد من تصريحٍ هنا وهناك معادٍ لحماس، من باب أخذ الحيطة، وذلك من خلال ظهور بعض المسؤولين في الحركة على الفضائيات لتقديم رواية تقول إن الطوفان مرفوض فلسطينياً قبل أن يكون مرفوضاً إقليمياً.
ومع توغل جيش الاحتلال في بعض المناطق، ربما ظنت "فتح" أن الأمور قد حُسمت لصالح الاحتلال، فاستثمرت انتقاد حماس لتشكيل حكومة فلسطينية برئاسة محمد مصطفى، لتصدر بعدها "فتح" بياناً أثبت حالة التخبط الكبيرة جداً التي تعاني منها الحركة، بعد أن تراجعت شعبيتها بشكل ملحوظ وفق إحصائيات رسمية صادرة عن مكاتب الإحصاء في رام الله، وذلك أنّ بيان فتح لا يتماشى أبداً مع تصريحات مسؤولين وأعضاء داخل الحركة، أثنوا سابقاً على الطوفان، وتمنّوا أيضاً أنْ لو كانوا جزءاً منه، وبالتالي وضعت الحركة نفسها، من خلال هذا البيان، في حالة صِدام مع ذاتِها قبل أي شيء آخر، ولا أعلم كيف سوف توفّق "فتح" بين بيانها هذا، وبين رسالة القيادي في صفوفها مروان البرغوثي المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 20 عاماً؟ والذي وجّه رسالة من معتقله يُحيّي فيها المقاومة الفلسطينية، ويدعو أجهزة أمن السلطة الفلسطينية إلى الالتحام معها، والانتفاض في وجه الاحتلال، كما دعا زملاءه في الحركة إلى الالتفاف الكامل حول خيار المقاومة، مشيداً بمعركة طوفان الأقصى التي اعتبرتها فتح مغامرة!
وكيف سوف توفق "فتح" بين بيانها المخوّن للطوفان، ونعيها لصالح العاروري الذي نعته أكثر مما نعته حماس؟ وإني أكاد أجزم أن الحركة أسبغت على العاروري من المدائح ما لم يسبغه أصحاب الشأن أنفسهم، بل كيف سوف توفق "فتح" أيضاً، بين بيانها وتصريحات بعض أعضائها الذين يظهرون على وسائل الإعلام يشيدون بالطوفان ومهندسيه وقادته وجنوده وداعميه، مُتَحدّين بذلك تعميماً أصدره محمود عباس بعد المعركة بأيام، بضرورة عدم التعليق على الطوفان والالتزام بذلك، وعدم المشاركة قطعاً في أية مظاهرات داعمة لقطاع غزة في الضفة الغربية، ليغيب جُلّ أتباعه عن المظاهرات، في الوقت الذي تعج فيه شوارع تونس والمغرب واليمن وبغداد وعمّان ومدن وعواصم أوروبية بالمظاهرات التي لم تهدأ بعد، رغم مرور أكثر من 5 أشهر.
عن منطق بيان فتح
كما اتهمت "صاحبة الطلقة الأولى" نظيرتها الخضراء بأنها جلبت الدبابات إلى القطاع، مُضيفةً بذلك نكتة جديدة إلى البيان، لأننا لو أردنا أن نتعامل بهذا المنطق "الأعوج"، فإننا نستطيع القول إذاً إنّ ياسر عرفات هو المسؤول عن جلب الدبابات الإسرائيلية إلى مقر المقاطعة برام الله أثناء حصاره، وهو المسؤول عن عملية اغتياله، وهو المسؤول عن جلب الحروب الإسرائيلية على مخيمات لبنان، والمناضلون في جنين وطولكرم وغيرها من المناطق الملتهبة في الضفة الغربية المحتلة هم المسؤولون عن جلب الاقتحامات والدبابات الإسرائيلية!! أيُّ فكرٍ ساذجٍ هذا؟ و أيُّ بُعدٍ عن كوكب السياسة هذا البعد؟ متى يُلام المناضلون على مواجهتهم المستعمرين والمحتلين؟ وهل طوفان الأقصى هي المواجهة اليتيمة في تاريخ الصراع مع الاحتلال؟ ألم تسبقها طوفانات من صنيعة مختلف الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة فتح داخل فلسطين وخارجها؟
أمّا عن مزاعم ارتهان حماس لإيران والتي ذكرها البيان، فإنّ هذه النقطة تحديداً هي أكثر ما أثار السخرية، لأن إعلام "فتح" لم تصله بعد جملة التقارير التي أثبتت أن إيران وصلها نبأ طوفان الأقصى من قناة الجزيرة كحال بقية المتابعين، ولم تكن على دراية بأي ركن من أركان المواجهة، والكلام ذاته ينطبق على حزب الله أيضاً الذي صرّح في أكثر من مناسبة وعلى لسان أمينه العام حسن نصر الله بأن طوفان الأقصى كانت قراراً فلسطينياً بامتياز، وهذا ما يُبطل كل تلك المزاعم.
ولعل المثير للسخرية في ذلك البيان المسحوب من الإنترنت والمضاف إليه فقط 7 أكتوبر، أنّ الحركة عاتبة لعدم إخبارها والتنسيق معها ومشاورتها في التخطيط لهجمات السابع من أكتوبر، ولعل حسابات التواصل الاجتماعي التي غصّت بالتندّر والفكاهة على هذه السذاجات، لهي خيرُ مُجيبٍ على مثل هذه المزاعم.
إن حركة "فتح" آثرت اتخاذ موقف واضح من الطوفان دون أية مواربة، يتمثل في رفض الطوفان والالتحام ضده، وشن هجوم إعلامي قوامه التباكي على الكارثة الإنسانية التي تسبب بها جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل القطاع، في حين أن الحركة اتخذت قراراً بالمقابل، بإيفاد شرطي مرور عند الاحتلال في قطاع غزة، وكأنها تريد أن تقول إن ما عجز الاحتلال عن تحقيقه فسوف تقدمه "فتح" مجاناً وعلى طبق من ذهب، إلّا أنّ مثلاً شعبياً يقول: "الخروج من الحمّام ليس كالدخول إليه".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.