اشتهر كيبلير لافيران ليما باسم بيبي، وابتعد عن وطنه الأصلي ومحل ميلاده البرازيل، ليُصبح غريب الأطوار في كل تفاصيل حياته!
لم يكن يرغب والده في إحضار طفله للعالم ليُصبح رقماً في سجلات الحكومة البرازيلية، ولم يكن راضياً عن الأسماء البرازيلية التقليدية والتي رآها مملة.
قرر والده أن يبحث في الدفاتر عن أسماء مرموقة، تيمناً منه بضرورة أن يكون ابنه مُماثلاً على اسم من سُمي به؛ واختار له كيبلر ليما على اسم أحد العلماء الذين ألهموه بشكل مبالغ فيه!
كان والده يطمح إلى أن يكون ابنه عالماً، لكن من الواضح أن مسار الكيمياء والفيزياء قد تبدل لدى الطفل البرازيلي؛ ليُصبح في الجهة المقابلة سعي وراء التغذية والتدريبات الشاقة.
وُلد بيبي في بيئة ليست مثالية بالنسبة للهيئة التي اشتهر بها في رياضة كرة القدم؛ بيئة ناعمة بين أمه وشقيقاته، وبين النوم في سرير والديه حتى فترة متأخرة من الشباب!
لم تكن أمارات العنف والحِدة ظاهرة إطلاقاً على الصبي البرازيلي، الذي لم يجد مساحة في البرازيل لإثبات نفسه، واتخذه كشافة ماريتيمو البرتغالي إلى الفريق بعد أن وصلوا في الأساس لمعاينة موهبة أخرى، لكن القدر منحه فرصة العبور من نفق البرازيل إلى أضواء البرتغال.
حينما هبط البرازيلي إلى مطار لشبونة في الثامنة عشرة من عمره، كانت أمواله بالكاد تكفي للخروج من مطار لشبونة فحسب؛ والتي كانت تُقدر بحوالي 5 يورو فقط.
وفي البرتغال، سُرعان ما أثبت موهبته وأصبح لاعباً في واحد من أكبر الأندية البرتغالية في التاريخ، والذي كان بحاجة إلى قائد في الدفاع بعد رحيل مدافعه فابيو كارفاليو؛ نادي بورتو البرتغالي.
"كيبلير لافيران ليما" بيبي.. برازيلي اختار تمثيل البرتغال
في بورتو، استحوذ بيبي على مركز قلب الدفاع، واشتراه نادي ريال مدريد في سابقة غريبة على مسامع الجميع في قارة أوروبا، بالنسبة لسعر وصل إلى 30 مليون يورو في مدافع ظن الجميع أنه مجرد ضجة إعلامية من النادي العاصمي.
في المنتخب البرتغالي، خشي الناس أن ينضم هذا البرازيلي إلى صفوف المنتخب، وفي الوقت نفسه، رأى لويس فيليبي سكولاري ضرورة ضم كيبلر بيبي للمنتخب بأي حال من الأحوال.
كان بيبي يمر بين فترات الحياة كما لو كان شعرة خفيفة، وأصبح في صفوف ريال مدريد قوياً لدرجة أنه فرض نفسه على فابيو كانافارو المُتوج بلقب كأس العالم عام 2006 مع منتخب إيطاليا.
كان كيبلر ليما، المعروف باسم "بيبي" لاعباً عادياً، حتى تلك اللحظة التي مارس فيها أشد وأسوأ أنواع التدخلات في تاريخ كرة القدم، اللقطة التي افترس بها خافيير كاسكيرو، في المباراة التي أقيمت في مسابقة الليجا الإسبانية خلال عام 2008 ضد نادي خيتافي.
حين دهس المهاجم وركله وصفع زميله، وخرج من الملعب مطروداً بالبطاقة الحمراء وسط حالة من السُباب لفريق خيتافي كله!
خرج بيبي من البيرنابيو يومها، ودخلت سمعته السيئة في مناحي اللعبة بعد هذه الواقعة لتُلاحقه وتمنع أشد الناس إعجاباً به من الإشادة به، وأصبح بيبي يتمتع بصفة "الجزار" في الليجا الإسبانية.
حينما شاهد بيبي المشهد الذي فعله في مباراة خيتافي؛ أدرك كم كان غبياً وساذجاً، وقال إن العقاب لم يكن بالطرد، ولا بالإيقاف لعشر مباريات كاملة في المسابقة، وهي واحدة من أكبر العقوبات في تاريخ الكرة الإسبانية؛ وإنما في حالة الندم التي يعيشها حتى يومنا هذا على التصرف الذي يدفع ضريبته كاملة، وبلا توقف، ومهما حسّن من نفسه!
ربما، كانت هذه اللقطة المأساوية هي السبيل الوحيد لمنح بيبي ميزة لم يكن يتوقعها: ميزة إخافة وإرهاب خصومه من فكرة الاقتراب منهم، لدرجة أن معظم نجوم الليجا الإسبانية كانوا يخشون الالتحام معه بسبب هذه اللقطة المُخيفة التي لم يرحم فيها لاعب خيتافي!
ولم يُحاول بيبي الخروج من هذه اللقطة التي حكمت عليه بما لم يُحب، حتى حدثت حادثة جديدة وضعته في مساحة أضيق؛ وهي تلك اللقطة التي دهس فيها يد ليونيل ميسي في الكلاسيكو الخاص بمنافسات كأس ملك إسبانيا، ومن قبلها في تدخله الخشن على داني ألفيس في كلاسيكو دوري أبطال أوروبا!
يصل بيبي حالياً إلى عامه الأول، بعد الأربعين، ومنذ وصول كارلو أنشيلوتي إلى صفوف ريال مدريد، تبدل بيبي كما تبدل ريال مدريد منذ تلك اللحظة في بطولة دوري أبطال أوروبا.
وأصبح المتهور البرتغالي ذو الأصول البرازيلية يتمتع بهدوء يُحسد عليه، وصاحب الحوادث المُخيفة للخصوم بات يلعب برزانة غريبة، الرجل الذي كان يحصد الكثير من البطاقات بلونيها، لم يعد يحصل على الإنذار أصلاً إلا نادراً!
فهم كيبلر ليما بيبي أن هذه الهمجية في التعامل لن يجني منها إلا كراهية الناس فحسب، وأصبح القائد الفعلي في الميدان، لا بالشارة فقط، وإنما بالأسلوب الذي يفرض على الجميع احترامه.
كبر بيبي في العمر وأصبح ناضجاً، وخرج من ريال مدريد في أوج فترات قوة الفريق، وبعد أن حقق ثلاث بطولات لدوري أبطال أوروبا، واختار أن يذهب إلى مساحة أقل من التنافس، لكنه في الوقت نفسه لم يترك مركزه في المنتخب الوطني لأي ناشئ مهما كان!
كان بيبي في أرض الملعب، رفقة منتخبه بالتبني، في الوقت الذي كان فيه نجمه وأسطورته الأولى كريستيانو رونالدو على مقاعد البدلاء، في بطولة كأس العالم قطر 2022، رغم أنه يكبر رونالدو في العمر، وهذا ما يؤكد مدى جودة بيبي نفسه، الذي لعب تحت قيادة فنية للكثير من المدربين، سواء في ريال مدريد، بورتو، أو منتخب البرتغال، في شبابه وكِبره، وفي كل المراحل كان ركيزة لا يستغني المدرب عنها أبداً.
وأصبح أكبر لاعب يُسجل في الأدوار الإقصائية لبطولة كأس العالم عبر تاريخه، في بطولة عام 2022 في دولة قطر، وأصبح أكبر مدافع يُشارك في بطولة دوري أبطال أوروبا في مشاركته الأخيرة أمام نادي أرسنال الإنجليزي!
يمكن القول إن بيبي لم يكن الشخص الذي يتوقعه الناس عن نفسه، حيث خرج من البرازيل لطلب لُقمة عيش؛ فأكل الشهد في صفوف ريال مدريد، وفارق حضن أمه وشقيقاته، لكنه وجد الحنان الذي يفتقده في بناته وزوجته.
وقيل إن من أهم أسباب وصول بيبي لهذه المرحلة من التطور في كِبره هي اهتمامه بجانب التغذية خارج الملعب، والتركيز على التدريبات البدنية كافة داخله، والاهتمام بصحته والتمتع بحياة هادئة وطيبة مع أسرته؛ وكل هذه العوامل أسعفته ليلعب دون كلل ولا تعب!
واللاعب الذي لم يخرج من الصورة النمطية العنيفة والهمجية في أذهان الناس أصبح أكثر الناس نُضجاً في كبره، ولم يُغادر أبداً ميدان اللعبة في صفوف منتخب بلاده، ولا ناديه بورتو، إلا مُنتصراً انتصارات تُرضيه على أقل تقدير.
قال معظم زملائه إن هذه الحدة في الطباع والملامح، كانت تُمارس عليهم كذلك في تدريبات الفريق، وهذا ليس عيباً في شخصية بيبي، وإنما كان السبيل إلى إظهار شغفه الدائم في ألا يخسر ما دام على قيد الحياة، وقالوا كذلك إن الشخص العنيف الذي يعتقده الناس داخل الملعب ليس هو نفس الودود الذي يبدو خارج الملعب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.