اقرأ..
ما أنا بقارئ.
اقرأ..
ما أنا بقارئ.
اقرأ..
ما أنا بقارئ.
اقرأ باسم ربك…
جرى هذا الحوار المحوري بين جبريل عليه السلام ونبينا الكريم، تولّدت عنه رسالة سماوية، أحدث نقلة كونية، وأبعاداً تفضيلية على مستوى عموم الزمكان، من حيث المكان تحدّدت معالم بالأرض ليست كبقية الأرض، ظفرت بالبركة المضاعفة، ففيها الصلاة بألف مئة صلاة فيما سواه (المسجد الحرام) وبألف صلاة (المسجد النبوي)، وفي أولى القبلتين المسجد الأقصى بخمسمئة صلاة، نسأل الله لإخواننا الأبطال فيه، وبجواره قبول تضحياتهم الجسام، وأرواحهم السامية، أن يمكّنهم من عدوّهم، عدو الله، ويَكتب لهم الفتح المبين، ويغفر لنا هواننا وقلّة حيلتنا تجاههم، وإزاء وصيّة رسولنا الأعظم في تلك الليلة الأعظم (المسجد الأقصى) أما من حيث الزمان فجعل للسنة أياماً ليست كبقية الأيام، وشهراً ليس كبقية الأشهر؛ إنه الأبرك، الأخير، أنزل فيه القرآن، فعيِّن بشهر القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن…) سورة البقرة، الآية 185.
أعلنَ الحوارُ الملائكيّ النبويّ في ذلك الغار تميّز شهر رمضان عن بقيّة الأشهر، فتقرّرت المعالي جاذبيّة العقول مع القلوب، منه سطع النور.
لو عزمت على قراءة تاريخ هذه الأمة، ستجد أن أعظم انتصاراتها وتحركاتها كانت في هذا الشهر الكريم، وأنها ما فكرت في الحركة والعمل إلا في أيامه البيض، السؤال: لماذا ذلك؟ الإجابة بكل بساطة؛ لأنه شهر الوحي، لأن خُطاط المجد الأول فهموا عظمة رمضان، مكانته، رسالته، ما وراءه، حقيقته.
في ليلة السابع والعشرين من رمضان جبريل يتحدث: اقرأ اقرأ اقرأ ثلاث مرات، التكرار يُحيل إلى الأهمية، المكانة، إلى التأكيد مع التنبيه، إلى أن هذا الأمر شأن يجب الوقوف عنده، كل السطور الحمراء تُخطّ أسفل منه، ثم إن التكرار بصيغة الأمر ثم يأتي الأمر من رب الأمر قال تعالى: اقرأ باسم ربك.
اقرأ أمر موّجه للعالمين وأي أمر؟ أي نوع هو؟ إنها رسالة من رب العالمين، رسالة المعرفة: اقرأ.
أول ما يتحدد في ناسخ الأديان يُعنى بالمعرفة، بالعلم، أول ما يصل من رب الناس إلى الناس المعرفة؛ المولى عز وجل يأمر بالقراءة لا يُخير، لا يُفاضل، ولا تراتب، لا مجال للخيرة، الكل بلا استثناء مأمور بالقراءة، وما أدراك ما القراءة، وأثر القراءة؟ هنا انزاح الستار عن علّة التّكرار التي جاء بها جبريل عليه السلام؛ إنها رسالة القراءة في شهر القراءة هنا يظهر جلياً ما تميّز به هذا الشهر عن بقيّة الشُّهور؛ إنها مسألة القراءة ففيه أمر المولى عز وجل إنسانه بفعل القراءة.
رمضان موسم يشير لنا على أهمية القراءة، يحدثنا فيقول: من هنا أيها الإنسان الارتقاء، التقدم والبناء، من أراد أن يتقدّم فعليه بالقراءة، من أراد أن يتحرّر فعليه بالقراءة، من أراد التمكين فعليه بالقراءة، من أراد معرفة الكون وأسراره وكيفية التحكم في مجرياته فعليه بالقراءة، من أرد التزكية، الوصل الإلهي فعليه بها. إذن مما تميز به شهر المغفرة والعتق من النار أنه اختص برسالة القراءة، أمر الله الإنسان فيه بالقراءة.
رمضان يُشير علينا بالبداية
خلق الله سبحانه وتعالى مخلوقاً؛ ليجعله خليفة له في أرضه، لكن للخلافة شروط وأولها شرط المعرفة، أن يمتلك هذا الخليفة أدوات المعرفة من أين له ذلك؟
الإجابة في ليلة السابع والعشرين من رمضان اقرأ اقرأ اقرأ، ما أنا بقارئ، اقرأ باسم ربك، من هنا البداية، لا قيام من دون معرفة، لا عبادة من دون معرفة، لا عمارة ولا حضارة من دون معرفة، لا استخلاف بوجه حق من دون فعل القراءة، رمضان يخبرنا بأن الإشراق مصدره القراءة.
بالمعرفة الحقيقية تتعرف على خالقك أيما معرفة، كيف لمعتقد أن يكون سليماً من دون معرفة سليمة، ومن أين تأتي المعرفة السليمة؟ من القراءة، عموم القراءة قراءة: كتاب الله المسطور "القرآن"، وكتابه المنظور "الكون"، هنا نستدعي سؤال لماذا كرر جبريل عليه السلام اقرأ ثلاث مرات؟ إنها الأهمية؛ أهمية القراءة ودور القراءة؛ إنها الباب الوحيد المغيّر، المنتشل، المنقذ، أساس الحضارة، المولى عز وجل يخبرك بأن لا خلافة بالمعنى العماري الحضاري إلا من الوقوف عند أمر اقرأ، جاء ذلك الخبر في رمضان هنا تسطع جليّاً أفضلية رمضان، بالإضافة إلى كونه شهر الصيام والقيام والعتق من النار، وفيه تصفد الشياطين وفيه ليلة بألف شهر…. إلخ هو أيضاً شهر القراءةِ، شهر المعرفة، الشهر الذي سلّط فيه القرآن الضوءَ على ما يجعل الإنسان خليفة بحق على ما يشيد، ويُقيم الأنفس القيام المحمود؛ إنها القراءة.
رمضانُ يعلمنا، يذكرنا أن البداية من اقرأ، لا انطلاق لأيّ فرد أو أمة سوى عبر ممرّ القراءة، اقرأ اقرأ اقرأ في الغار تأكيد للمسألة، وضع اليد على الجرح لا يضمد الجراح ولا يقيم الأجسام إقامة معافاة سوى القراءة، لا يبني سواها، فعلاً الواقع والتاريخ يثبتان ذلك، فالأمم التي اهتمت بالمعرفة صنعت الأعاجيب، والأمم التي تجاوزت الرسالة الواضحة ومدت يد البطش وصكوك النار لمن حاول أن يقرأ كتبت نهايتها بأن أصبحت عالة على أمم جعلت من القراءة كل شيء.
القراءة هي التي تعلمك كيف تتعامل مع القرآن، كيف تفهمه، تتدبره، كيف تُعلّمَهُ، هي التي تجعلك قرآناً يَمشي، هي التي تعبد لك طريق الوصل الآمن لله.
رمضان يزورنا باستمرار؛ ليفتح لنا الكتاب لنقرأ، يدعونا بصوت شجي مرتفع إلى القراءة، حيّ على القراءة، من هنا البداية، من هنا النور، الصلاح، من هنا التعمير، من هنا يستخلف الله بحق، من هنا تشيد الحضارة، لا إيمان ولا معتقد يقيني سوى من ممر القراءة.
رمضان محطة تذكير يزورنا باستمرار لكسر الغفلة؛ ليذكرنا بسبيل الله اقرأ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.