يمر المشهد السياسي الدولي بحالة من السيولة لم يسبق لها مثيل منذ تشكل ما سمي بالنظام العالمي الجديد في أعقاب نهاية الحرب الباردة، حيث يعج العالم ببؤر توتر ساخنة تنذر بسيناريوهات ملتهبه، التي ربما تشير إلى احتمالية تفجر أحداث ذات تداعيات جسيمة.
فإذا جئنا إلى الشرق الأوسط لا يبدو أن الحرب الهمجية التي يخوضها الاحتلال الإسرائيلي في غزة توشك أن تضع أوزارها، في ظل فشل مفاوضات الهدنة وخطط دولة الاحتلال لتوسيع رقعة الحرب إلى رفح على مقربة من الحدود المصرية، فضلاً عن قرب فتح جبهة جديدة ضد حزب الله في جنوب لبنان، ما يجعل احتمالية نشوب صراع إقليمي أكثر ضراوة قائمة.
أما على الضفة الأخرى من المتوسطـ فنجد الأزمة الروسية الأوكرانية تمر بتطورات لافتة، في ضوء تغيّر ميزان القوى العسكري لصالح روسيا، التي تقترب من إحراز نصر عسكري مؤزّر لجملة من الأسباب، لعل أهمها النقص الكبير الذي تشكو منه أوكرانيا في الذخيرة، بسبب توقف المساعدات العسكرية الأمريكية ورفض التصديق عليها من مجلس النواب الأمريكي، بالإضافة إلى نجاعة الاستراتيجية العسكرية للروس الذين غيّروا من تكتيكاتهم، ونجحوا في استنزاف الموارد البشرية والعسكرية للأوكران، ولاسيما منظومات الدفاع الجوي، ما سهّل المأمورية أمام سلاح الجو الروسي.
نظام عالمي على حافة الهاوية
في مواجهة هذا المعطى الجديد تعالت أصوات في دوائر صنع القرار الغربية (أبرزها الرئيس الفرنسي ماكرون) للدعوة إلى تبني سياسة حافة الهاوية، من خلال المناداة بإرسال قوات برية إلى أوكرانيا، ورغم أن واشنطن وبرلين ولندن وحلفاء أوروبيين آخرين أعلنوا عن رفضهم لذلك الطرح، فإنه يشير إلى احتمالية تجاوز الخطوط الحمراء، أو ربما هي مرحلة جس النبض. فإرسال "أي جندي" إلى أوكرانيا سواء من الدول الأوروبية أو من الحلف الأطلسي هو إعلان حرب، ولم يتأخر بالفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إرسال رسالة تحذير صريحة للغرب، تتمثل في تهديد حقيقي بحرب نووية إذا ما سعت أوروبا لذلك، في خطابه السنوي للأمة، الذي يحدد خلاله أولويات بلاده.
وبعيداً عن القارة الأوروبية والشرق الأوسط، هناك في بحر الصين تتزايد احتمالات التحرك الصيني ضد تايوان، سواء اتخذ ذلك شكل غزو عسكري أو الاكتفاء بحصار، إذ لا يوجد وقت أفضل من هذا للصينيين في ظلّ انشغال الأمريكان بالحرب في الشرق الأوسط، وأوكرانيا، والانتخابات الرئاسية القادمة.
ومن شأن اشتعال الوضع في تايوان أن يسفر عن تداعيات وخيمة على الاقتصاد العالمي؛ نظراً إلى دورها في صناعة الرقائق الإلكترونية والتجارة الدولية، في ظل واقع التباطؤ والركود الاقتصادي الذي يطال قوى اقتصادية كبرى حالياً مثل الصين وألمانيا وبريطانيا.
وبالعودة مرة أخرى للشرق الأوسط وأفريقيا، وتحديداً في السودان، وما به من حرب أهلية تُفكك أوصاله التي لا يسعنا فهمها دون إدراك سطوة العامل الخارجي، الذي حوّل السودان إلى مطمع لقوى إقليمية ودولية، تضع عينها على ثرواته وفي مقدمتها الذهب.
لكن الجديد هو دخول إيران على خط الصراع، عبر تقديمها دعماً عسكرياً للجيش السوداني بالأسلحة (وتحديداً الطائرات المسيرة) والتدريب. وفي هذا الصدد، نبهت بعض الصحف الدولية إلى أن إيران تطمح إلى إقامة قاعدة بحرية لتعظيم نفوذها بالبحر الأحمر، ما قد يزيد اضطراب المنطقة ويجعلها أكثر تعقيداً، فذلك ربما يشكل هاجساً مؤرقاً لمصر، التي تعاني بالفعل داخلياً وخارجياً، فضلاً عن الصدام المؤجل بينها وبين إثيوبيا بفعل ملف سد النهضة، والخطر الوجودي الذي يمثله على استقرارها وأمنها المائي.
تقف الأوضاع الإقليمية والدولية على مفترق طرق حرج، ما يلقي بظلال من التساؤلات حول مستقبل نظام عالمي على حافة الهاوية. فهذه الأحداث المشتعلة ربما تمهد الطريق لإعادة تشكيل نظام جديد قائم تحالفات وقواعد جديدة، وتبرز أيضاً احتمالية لحدوث انهيار شامل للنظام العالمي الحالي، مع تزايد فرص نشوب صراعات عابرة للحدود قد تغمر العالم في حروب ذات نتائج غير متوقعة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.