محمد النني الذي يشبهنا ولا يخذلنا

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/13 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/13 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
محمد النني لاعب نادي أرسنال ومنتخب مصر - shutterstock

خرج محمد النني، خلف محمد صلاح، لرحلة الاحتراف التي صدّرها نادي المقاولون العرب لقارة أوروبا.

ربما كان نجاح محمد صلاح أضخم وأكبر بكثير، لكن درجة الاختلاف في مسيرة الثنائي جعلت الناس يُدركون حقائق كثيرة حول لاعب كرة القدم بشكل خاص.

المواقف التي تقلّد بها محمد النني في إظهار هويته هي مواقف يصعب إنكارها، وإن كان الناس يتعمدون طوال الوقت السخرية من محمد النني اللاعب الذي لا يُعجبهم.

في فترة من الفترات تعرّض محمد النني لحملة كبيرة من الانتقادات، وتفهم الناس مدى درجة السخرية؛ بسبب سوء مستواه مع منتخب مصر وعدم إدراك مركزه الحقيقي بالنسبة للمنتخب.

ما كان منه إلا أن تقبّل هذه الحملة الشنيعة، التي لم تتوقف فقط عند الجماهير الغاضبة، وإنما وصلت للإعلام المصري أيضاً، الذي مارس على محمد النني فقرة الكراسي الموسيقية.

وفقرة الكراسي الموسيقية في الإعلام المصري الرياضي هي فقرة يتم فيها السخرية والتنكيل بك بشتى الطرق، وبمختلف الأفكار التي يُمكن أن تُقال عنك، داخل وخارج الملعب.

خلال هذه الهجمات لم يردّ محمد النني على أي شخص تطاول عليه، وكان اللاعب يكتفي فقط بالتعامل بشكل طبيعي مع هذا الأمر، بل إنّه بعد فترة من هذه الانتقادات يظهر في البرامج التي انتقدته، مع الإعلاميين أنفسهم الذين تطاولوا عليه، ويرفض الرد عليهم بطريقة تُخجلهم، ويتعامل معهم كأن شيئاً لم يكن!

لكن، على عكس صمته الدائم بخصوص الحديث عن نفسه فإن الرجل لا يصمت أبداً في تصدير الأفكار الراسخة لديه، والقضايا التي يؤمن بها، والمبادئ التي تربّى عليها.

سخَّر النني حساباته لدعم القضايا العربية، والتحدث بصفة واضحة عن هويته؛ المسلم العربي الذي ينتمي إلى مجتمع ربما يخجل بعض أبنائه عن التعبير عن ثقافته بشكل واضح في أوروبا.

يظهر محمد النني في كل يوم جمعة مُستغلاً اليوم المبارك لدى المسلمين، في قراءة سورة من القرآن، وتهنئة متابعيه بحلول اليوم المبارك، ولا مانع لديه من وضع أحاديث وتفسيرات عبر حساباته، بالإضافة إلى مداومته على هذا الأمر، الذي يبدو بسيطاً وتلقائياً، لكن مع النني فإن الأمر أصدق بكثير.

نُشر مقطع له، العام الماضي، أثناء تأدية شعائر الحج وهو يرش من بخاخة في يده على الحُجاج؛ لتخفيف حرارة الجو عليهم، ولمساعدتهم في هذه المناسك المُباركة، ومعظم من كانوا هُناك أشادوا بحسن خُلقه وسلوكه في التعامل مع الحُجاج.

لذلك لم يكن غريباً أن يظهر محمد النني منذ أيام في افتتاحية أول مسجد داخل نادي أرسنال، الذي أسهم محمد النني في تشييده للصلاة داخل جدران النادي اللندني.

محمد النني الذي يشبهنا
Social Media/ محمد النني يفتتح غرفة صلاة في نادي أرسنال الإنجليزي

الطريق إلى النجاح لم يكن مفروشاً بالورود بالنسبة لمحمد النني؛ فقد واجه تحديات جسيمة ليُصقل من نفسه كلاعب كرة قدم محترف. في رحلته تشابه محنته تلك التي عاشها محمد صلاح: الفقر، صعوبة التنقل، وأمور أخرى يشرحها لنا محمد النني بنفسه.

محمد النني الذي يشبهنا

بوعي تام بقسوة هذه المصاعب يبادر النني بمد يد العون، متجرداً من كل أثر للتكبر. يظهر ذلك في تواصله مع أطفال مخيم الزعتري للاجئين السوريين، الذين عانوا من ويلات الحرب في وطنهم، حيث دعمهم معنوياً ومادياً، مشدداً على رسالة أن الحياة لا تعرف المستحيل سواء في الحرب أو السلام.

أخبرهم محمد النني الذي يشبهنا ويشعر بنا عن صعوبة تلك الرحلة، الرحلة التي كان يخرج فيها من مدينة المحلة المصرية نحو العاصمة المصرية القاهرة، وهي رحلة تستغرق 6 ساعات يومياً بالقطار، ذهاباً وإياباً.

وكيف كانت والدته تصحبه في هذه الرحلة الشاقة ثلاث مرات أسبوعياً، وكانا يستقلان القطار دون غيره؛ بسبب نقص الموارد المادية وعدم القدرة على التنقل في المواصلات الأسرع.

ورغم أن والدته رحلت عن الدنيا وفارقته لم يُفارق هو حلمه وحلمها، واستمر في سعيه لكي يُصبح مُؤثراً، قبل أن يكون لاعباً في المقام الأول.

وعندما امتلك محمد النني أخيراً الشهرة والأموال كان يبدو أن السعي لم يكن سعي المادة، وإنما سعي العمل قبل كل شيء!

الفتى الذي لم يكن يحلم بالتواجد في العاصمة المصرية أصبح حالياً لاعباً في صفوف أحد أكبر أندية العاصمة الإنجليزية لندن، وهذا لم يمنعه من الخوف أو التردد أن يخسر هذه المكانة، في عالم يُصبح من الصعب فيه الحديث دون الخوف.

تحول محمد النني من اللاعب العبقري الذي نبحث عنه إلى المُساند العظيم الذي نفتقده، واكتسب شرفاً ربما هو أكبر من كل الجوائز الفردية للاعبين، التي تصب في النهاية في خزائنهم لا خزائننا، وهي الاحترام الكبير من الناس.

يتحدث محمد النني في الخارج كما لو كان العربي الوحيد الذي يقف مع الحق، ويدعمه بشتى الطرق، دون خوف، حتى من إدارة نادي أرسنال التي عاقبت زميله السابق مسعود أوزيل حين تحدث!

في كل مرة يظهر فيها اسم فلسطين كان محمد النني أول المبادرين بدعم القضية والأحداث الحاصلة، وربما لم يُفكر أبداً مرتين في الوضعية التي عصفت بالألماني مسعود أوزيل حينما تحدث عن مسلمي الإيغور!

في لندن، منذ مدة قريبة، تحول النني لأكثر شخصية تُسلط عليها الأضواء في العاصمة.

التليغراف الإنجليزية نشرت تقريراً كاملاً، تتحدث فيه عن غضب شديد مُوجه ناحية اللاعب المصري، بل والمفاجأة أن هذا الغضب الشديد كان مُوجهاً من الطائفة اليهودية النشطة في بريطانيا.

الطائفة التي استشاطت غضباً من دعم النني لقضية العرب، واعتبروه يُدرج السياسة في رياضة بعيدة عنها، بل واعتبروه يُعادي زميله في الفريق الأوكراني أليكساندر زينشينكو، الذي أعلن دعمه لإسرائيل علنياً بعد أحداث طوفان الأقصى!

بعد تغيير الصورة الشخصية لحساباته في كل المنصات، وتأكيد دعمه لأشقائه العرب؛ حذر نادي أرسنال كل لاعبيه من عواقب إبداء أية ردة فعل اتجاه أية قضية في الأيام القادمة، وطلب منهم الابتعاد عن نشر منشورات ذات طابع سياسي.

وبالمناسبة، واقعة النني الحالية تزيد من حقد المعنيين ضده؛ لأن الطائفة نفسها تقدمت باحتجاج رسمي ضده منذ سنتين، لدعمه القضية نفسها، وطلبوا من نادي أرسنال أن يتخذ ضده إجراءات قوية بصفته يُفرق بين الناس.

يتحدث جايسون كاولي، مؤلف كتاب "اللعبة الأخيرة" عن دخول لاعبي كرة القدم عالم السياسة.

قال جايسون إن لاعب كرة القدم، على الأغلب، وهذا ما حصل مع كل نجوم العالم كان إما فقيراً في بداياته، وإما لم ينل تعليماً جيداً طوال حياته، ومنهم من لم ينل تعليماً أصلاً.

بمجرد أن يصل أي لاعب إلى مساحة الشهرة الرهيبة فإنه يشعر بحجم تأثيره، وكلمته المسموعة، التي يُمكن له من خلالها أن يضغط على أية جهة سيادية في العالم، وبلا خوف.

استشهد في حديثه بموقف ماركوس راشفورد، لاعب نادي مانشستر يونايتد، حينما ألغت الحكومة البريطانية وجبات الأطفال في المدارس أثناء جائحة كورونا.

ضغط ماركوس راشفورد على بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني في تلك الفترة، عبر تغريدة كتبها على موقع تويتر، وطالبه بأن يعدل عن قراره ويُعيد الأمر لطبيعته بسبب الحالة المادية لبعض الأطفال وأسرهم.

وتبنّت الجمعيات الخيرية في لندن مبادرة راشفورد، وشارك فيها ماركوس راشفورد بعد أن اكتسب احترام الطوائف الإنجليزية كلها، بسبب هذا الموقف الإنساني.

بعد واقعة جورج فلويد الشهيرة، لاعبو كرة السلة في أمريكا اتخذوا قراراً فعلياً بمنع استكمال منافسات الدوري، مع أن القواعد تنص على منع اللاعبين من التدخل في أي أمر سياسي، لكن بعد ضغطهم المستمر رضخت الجهات لطلبهم، ووافقوا أيضاً على حركة الجلوس تضامناً معه، وأصبحت حركة عالمية في حملة Black lives matter.

جايسون يبرز أهمية الدعم المتواصل والمبادرة الحاسمة من جانب المشاهير في الدفاع عن قضاياهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستفيدين من شهرتهم للفت الانتباه. هذا النهج هو الذي أسهم في تحقيق التقدم حتى الآن. مع الزمن من المتوقع أن تتحطم الحواجز المقامة ضد هذه القضايا، ما سيؤدي إلى ردود فعل دولية تؤكد على التضامن معها، ذلك لأن العالم سيعمق البحث في جذور هذه القضايا ليفهم الظالم من المظلوم.

هذه الخصائص، إلى جانب أخرى ربما، تميز محمد النني عن العديد من المحترفين العرب في أوروبا. النني يعكس صورة الإنسان العادي الذي يشبهنا في تواضعه وأسلوبه، يتكلم بحرية دون تحفظ، ويظهر بساطته في صوره وتفاعلاته. يتجاهل الانتقادات ويختار بعناية اللحظات التي يتحدث فيها. سافر للخارج لكن ثقافته ما زالت راسخه، وسلوكه ما زال هو نفس السلوك الذي خرج به من مصر.

محمد النني لم يخذلنا أبداً، لم يخذل قضايانا وأفكارنا، كان معنا قلباً وقالباً، يتواجد كل جمعة بهيئته البسيطة، ويكون من أبرز المشاركين في كل حدث يتبرأ منه غيره.

"رحم الله إنساناً آتاه الشُّهرة فأفاد الناس بها..".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد