يهل علينا رمضان كل عام حاملاً معه الخير والمنح الإلهية لمن يغتنمها ويحسن استقبال الشهر الفضيل، ورمضان في اللغة سُمي بذلك لأن الصائم يرمَض في هذا الشهر ويصيب الحَرُّ جوفه من شدة العطش، وقيل إن اسم رمضان جاء من أن العرب لما وضعوا أسماء الشهور قديماً، سمّوها بالأزمنة وأحوال الطقس التي تصاحبها آنذاك، فوافق بعضها موسم الندى والمطر فسموه ربيعاً، ووافق آخر أيام رَمَضِ الحرّ وشدّته، فسمّوه رمضان، والرمض في اللغة هو شدة الحر.
رمضان في الشريعة الإسلامية وفضله:
يصوم المسلمون في شتى بقاع الأرض الشهر الفضيل كل عام والذي يوافق الشهر التاسع في التقويم الهجري، وفرض الله صيامه على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، كما أن لشهر رمضان فضلاً ومكانة عظيمة، فجعله الله الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة: 185) فهو شهر التوبة والمغفرة قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه). فهو شهر العتق من النار وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فتِّحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين).
مقاصد الصيام:
1- تقوى الله: يترك المسلم ما يحب طمعاً في رضا الله، بل يمتنع عن ضرورات الحياة من الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس رغم أنهما متاحان بين يديه طاعة لله.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
2- تعظيم شعائر الله: فرض الله علينا الصيام كما فرضه على أمم سابقة فعلينا طاعة الله فيما أمرنا به بل واحترام شعائر الله وتوقيرها وأدائها على أكمل وجه ومن أبرز معاني التعظيم لشعيرة رمضان صيامه قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]
3- تزكية النفس: الصيام هو ترويض للنفس وتأديبها بجعلها تترك ما تحب بل ما هو مباح من أجل رضا الله فتسهل عليها ترك المعاصي وما هو محرم، كما أن الصيام يجعل الإنسان يقود نفسه ويتحكم بها وبذلك يصبح حراً ينقاد لله ولا يقوده شيء من حاجات الدنيا أو يتحكم به، كما يزكي الصوم النفس ويطهرها من سيئ الأخلاق، وهذا ما تؤكده السنة المطهرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لم يَدَع قول الزُّور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه)؛ [رواه البخاري].
كيف نستقبل رمضان بشكل مختلف عن كل عام:
1- الابتهاج والفرح والسرور وشكر الله أن بلغنا الشهر الفضيل.
2- النية الخالصة لله بصوم رمضان إيماناً واحتساباً وعمل الصالحات والابتعاد عن المعاصي.
3- تجديد التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها والعزم الصادق على عدم العودة للمعاصي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ ابن آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائينَ التوَّابونَ).
4- تنظيم الوقت: المسلم الفطن الذي يدرك أهمية هذا الشهر المبارك وفضله سيستثمر كل دقيقه فيه، ولكن قد يكون ذلك صعباً أمام المهام الكثيرة والمشتتات لذلك يجب استقبال رمضان بتحديد أهدافك وتنظيم وقتك، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ". صحيح البخاري
5- صحبة القرآن: اجعل الشهر الفضيل فرصة للمداومة على قراءة القرآن الكريم وصحبته وتدبر معانيه.
6- القراءة: يمكن القراءة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته وعن صحابته رضوان الله عليهم وكيف كانوا يستقبلون رمضان ويجتهدون فيه.
7- صلة الرحم: استقبل الشهر الفضيل بالسؤال عن الأهل والاقارب وتفقد أحوالهم وتهنئتهم بقدوم رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
8- إخراج الصدقات: فرمضان شهر التنافس في الخيرات فقال سبحانه: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} (البقرة: 245).
احذر لصوص رمضان:
كلما كان الهدف عظيماً كان هناك صعوبات ومشتتات، فبينما تستعد وتشحذ الهمة للشهر الفضيل ستجد الكثير من الملهيات تظهر أمامك لتبعدك عن هدفك وتشغلك عن استثمار كل لحظة رمضانية، ومن ذلك: الإسراف في تناول الطعام وإثقال الجسد فلا يقوى على العبادة، المسلسلات والبرامج التلفزيونية، النوم، كثرة الزيارات والعزائم، وغيرها من المشتتات التي تضيع منك الوقت فتمر الأيام تلوى الأخرى وينتهي الشهر الفضيل دون أن تحقق ما خططت له من أهداف ودون أن تتعبد لله كما ينبغي، ومما يوضح ذلك قصة الإمام مالك والفيل، وهي: جلس الإمام مالك في المسجد النبوي كعادته يروي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والطلاب حوله يستمعون، فصاح صائح: جاء للمدينة فيل ولم يكن أهل المدينة قد رأوا فيلاً قبل ذلك، فالمدينة ليست موطناً للفيلة، فهرع الطلبة كلهم ليروْا الفيل وتركوا مالكاً، إلا يحيى بن يحيى الليثي، فقال له الإمام مالك: لِمَ لَمْ تخرج معهم هل رأيت الفيل من قبل؟
قال يحيى: إنَّما قدمت المدينة لأرى مالكاً لا لأرى الفيل.
فكانت رواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي عن مالك هي المعتمدة للموطأ.
لذلك احذروا الفيلة في رمضان بلغنا الله وإياكم صوم رمضان والغفران والعتق من النيران.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.