لقد اتسعت دائرة السقوط في براثن الموت، لتمتد من القصف، مروراً بالمرض، وانتهاءً بالموت جوعاً.
مستشفى كمال عدوان في شمال غزة أعلن هذا الأسبوع وفاة 7 أطفال جوعاً من مجمل 20 طفلاً توفوا حتى الآن في قطاع غزة جوعاً ومن الجفاف وسوء التغذية، ليتسلل شبح الموت إلى آخرين لا يزالون عاجزين عند تأمين لقمة العيش، ولا يزال عداد الموت مستمراً.
"واقع مرعب" يربض على أنفاس سكان القطاع منذ 5 أشهر بلا ماء ولا كهرباء ولا أي وسيلة أخرى للحياة، يقول الناس لقد عدنا للعصور الحجرية، بدلاً من الحليب نعطي الأطفال الماء والسكر.
إضافة إلى انتشار أمراض عديدة بين الأطفال، مثل التهاب الكبد الوبائي والأمراض الصدرية والمعوية وغيرها، بسبب نقص المناعة في ظل "سوء تغذية غير مسبوق".
فيما ينتظر المئات من أهل الشمال لساعات في دوار النابلسي بجنوب غرب مدينة غزة على أمل الحصول على ما تيسر من دقيق تحمله شاحنات مساعدات، بعدما كانوا يقتاتون على طحين علف الحيوانات، لكن يد الموت امتدت لعدد كبير منهم.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قال إن فريقاً ميدانياً تابعاً له وثَّق إطلاق الدبابات الإسرائيلية النيران "بشكل مباشر" تجاه "آلاف المدنيين الجياع" جنوب غرب مدينة غزة، ووصف ما حدث بأنه "مجزرة دامية".
إطلاق القذائف والنار استهدفت المدنيين الفلسطينيين بمجرد وصول الشاحنات التي تقل المساعدات، ما أدى إلى أن العشرات سقطوا بعد صعودهم على الشاحنات لمحاولة أخذ كيس طحين، وأن العشرات استُهدفوا وهم يحملون كيس طحين أو كرتونة معلبات لإطعام أطفالهم وأفراد أسرهم الذين أنهكهم الجوع.
وفي مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة هناك المئات من المصابين والقتلى وصلوا إلى المستشفى الذي يعمل بطاقة جزئية، ودون طواقم طبية كافية، ما اضطر المواطنين إلى التعامل مع الجرحى ومحاولة تقديم الإسعافات الأولية وسط حالة تدافع كبيرة، في حين نُقل القتلى والمصابون على عربات تجرها حيوانات، وبعضهم لا يزال معهم أكياس الطحين التي اختلطت بالدماء.
غير أن لإسرائيل رواية أخرى، إذ قالت إنه حدث "تزاحم وتدافع" لدى وصول الشاحنات، ما أسفر عن حدوث "إصابات".
وبعد ساعات قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إن تحقيقاً مبدئياً للجيش الإسرائيلي خلُص إلى أن قواته "تسببت في نحو 10 من الإصابات والوفيات"، وليس المئات، في حادثة شمال غزة، في أعقاب تدافع حدث خلال محاولة الفلسطينيين الإسراع نحو شاحنات المساعدات، وهو ما أشارت تقارير إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين فيما بدأت مجموعة صغيرة من الفلسطينيين بالتحرك نحو قوات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة في المنطقة.
وتابعت: "أطلق الجنود أعيرة تحذيرية في الهواء وعلى أرجل من اقتربوا من القوات"، وأكدت أن التحقيق خلص إلى أن القوات "أصابت حوالي 10 فلسطينيين".
تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية شكك كذلك في رواية الاحتلال الإسرائيلي بشأن المجزرة التي ارتكبها بحق مدنيين فلسطينيين احتشدوا للحصول على مساعدات.
واتهم التحقيق الجيش الإسرائيلي بتعديل المواد المصورة التي بثها وادعى من خلالها أن من قتلوا كانوا قد سقطوا جراء عملية دهس وتدافع، وذلك لدرء المسؤولية عن قواته في ارتكاب المجزرة التي وقعت فجر الخميس وأسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 116 فلسطينياً حتى الآن، بحسب حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في القطاع.
وقالت نيويورك تايمز في تحقيقها إن صور الجيش الإسرائيلي تشتمل على مقاطع مشتتة لانتشار أعداد كبيرة من الناس في طوابير انتظار المساعدات، ثم جثث متناثرة ومحاولات اختباء لأعداد من الناجين.
وبيّن تحليل المادة المصورة الذي قامت به نيويورك تايمز أن الصور التي بثتها قناة الجزيرة من شارع جانبي مكنت من تكملة الوقائع وتوضيح ما حدث على الأرض، حيث تظهر إطلاقاً للرصاص بينما تتفرق حشود من الناس وتختبئ.
غزة تستنجد بالإنسانية
يخاطرون للحصول على دقيق قل وجوده في شمال قطاع غزة، وما أن يصلوا إلى تلك الشاحنة حتى يمطرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقذائف والرصاص، الدقيق أصبح أحمرَ من كثرة الدماء التي سالت.
رحلة مروعة، بين جراح الحروب وجوع الحصار، بين رصاص القصف وآهات الاحتضار.
لا نعرف متى يتوقف عداد الموت، وهل يوجد حد لهذا النزيف الدموي بينما يستلقي العالم على أسرَّته؟
ما زالت غزة تستنجد بالإنسانية والضمائر الحية إن وجدت، فيما ترجو أن تلتفت إليها أعين الرحمة قبل أن تغرق كلها في بحر من الدماء والدمار ولا يبقى فيها بشر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.