الأجانب ممنوعون في النادي الباسكي.. كيف أصبح إينياكي ويليامز ابن المهاجرين نجم فريق بلباو؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/07 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/07 الساعة 14:19 بتوقيت غرينتش
إينياكي ويليامز ابن المهاجرين بقميص فريق أتليتيكو بلباو - shutterstock

لم يكن إينياكي ويليامز يعرف ما الذي يجعله مختلفاً عن بقية أقرانه في مدينة بلباو الإسبانية؛ أهو اللون؟ أم الاختلاف الذي لا يستطيع إنكاره مهما فعل؟

كان إينياكي مُتشككاً طوال الوقت من حقيقة ما يعنيه هذا الاختلاف، لكنه كان صغيراً بما يكفي لتشرح له والدته حقيقة الأمر برُمته، وفي يوم من الأيام أفشت هذا السر الكبير له في لحظات!

كان إينياكي جالساً في ليلة من تلك الليالي التي يعود فيها مُنهكاً من تدريبات بلباو، على التلفاز كان الفيلم الذي يُحاكي قصة وصول اللاجئين من أفريقيا إلى قارة أوروبا على قوارب أو عبر أية وسيلة أخرى.

سأل إينياكي عن طبيعة هذه الأفعال، وفي تلك اللحظة، قررت أمه أن تخبره بالحقيقة التي لم يُوارها الزمن؛ أن أسرة ويليامز كلها لا علاقة لها بمدينة بلباو.

هاجرت الأسرة أيام الحرب في غانا، وتركت خلفها كل ما تملك، أو لم تكن تملك في هجرتها ما يُسعفها أصلاً للهجرة؛ هي تلك اللحظة التي قرر فيها الوالد أن يسوق أسرته بالكامل إلى الهروب من أوضاع غانا القاسية.

لكن هجرة ويليامز لم تكن عادية إطلاقاً، حيث هاجروا من قارة أفريقيا نحو قارة أوروبا سيراً على الأقدام، وهذه الحقيقة ليست مُبالغة إطلاقاً؛ لأن إينياكي كان يعرف أن والده يُعاني من مشكلة أزلية في باطن قدمه، لكنه أبداً لم يهتدِ للتفسير الطبي الأنسب لها!

التقرحات المستديمة التي تركتها الرحلة القاسية في صحراء أفريقيا وحرارتها، بصمت على معاناة أسرة ويليامز كلها، حتى وإن كانت أسرة ويليامز قد استقرت في مدينة بلباو، فإن التقرحات تلك لم تُزل من جسدها.

لقد عانت الأسرة للخروج من قارة أفريقيا، ويوم أن وصلت إلى مناطق الخروج الحقيقية نحو قارة أوروبا، وُضعت أمامها العراقيل، وكان من الصعب على الأسرة أن تحصل على مصير أفضل من بقية أقرانها الذين أرادوا الهرب مثلها تماماً.

بعض الأسر المُهاجرة كانت تُقتل بالكامل، وكانت النساء تُغتصب، في معظم الرحلات كان الناس يموتون جوعاً أو عطشاً، وبعضهم كانت تتم مساومته لكنه لم يكن قادراً على تلبية ما يُطلب منه.

في النهاية، وصلت أسرة ويليامز إلى حدود إقليم الباسك الإسباني، وصلت بمعجزة، وصلت ربما وكأنها كانت العائلة المختارة من بين كل من كانوا معها، لكن على الحدود الباسكية كانت الصعوبة هنا أكثر وأكبر من كل ما سبقها.

لقد وقفت السلطات في الإقليم تُطالبهم بمعرفة أسباب تهجيرهم من أوطانهم؟!

لم يكن الخروج من غانا سبباً منطقياً بالنسبة للسلطات الإسبانية بشكل عام؛ لذا اضطرت الأسرة إلى الكذب بخصوص موطنها نفسه، فقالت أسرة ويليامز إنها من ليبيريا التي كان الخروج منها في ذلك الوقت يمنح أهلها حق اللجوء السياسي!

أصبح إينياكي ويليامز ابن المهاجرين نجم فريق بلباو
شارع في إقليم الباسك

دخلت أسرة ويليامز الإقليم الباسكي أخيراً، ولم تكن الأم تعلم بحملها في الشقيق الأكبر والأب المجازي لها؛ إينياكي ويليامز، الذي لم يكن سيُسمى إينياكي، وإنما تمت تسميته تيمناً بالرجل الذي ساعد أسرة ويليامز في تسهيل عملية دخولها للباسك.

وبعد أن قررت الأسرة أن تعيش في الإقليم الباسكي، غادر الأب نحو لندن بضرورة البحث عن لقمة عيش، تاركاً خلفه أسرته التي لم تكن تعلم أن إقليم الباسك هو النعيم الذي لم يكونوا سيُقابلون مثله أبداً!

في الباسك، لا يمكن تمثيل أتلتيك بلباو إلا لمن وُلد في الإقليم نفسه، وكان من حسن حظ إينياكي أن وُلد في الباسك ولم تحدث عملية الولادة في الرحلة الشاقة تلك لأمه خارج الإقليم.

كان إينياكي يتمتع بصفات استثنائية منذ الصغر، والجينات التي ورثها من أسرته الأفريقية هي من ستصل به إلى كل هذا التميز في الإقليم، وسيُصبح المهاجم الأول له، وسيلعب لمدة خمس سنوات متتالية في كافة المسابقات مع بلباو، ورغم تغير كافة الكوادر التدريبية في النادي، بلا أية إصابات تُذكر وسيدخل التاريخ من أوسع أبوابه!

إينياكي ويليامز ابن المهاجرين الذي سيصبح نجم الإقليم

سيعمل إينياكي ويليامز في صغره في كل شيء، لدرجة أنه سيتقلد وظيفة حكم الساحة في فترة ما نظير الحصول على مقابل مادي يُسعف أسرته في الوصول إلى الراحة المادية التي تفتقر إليها.

إينياكي هو الأكبر، وكان يعرف أن الحياة سترسم له طريقاً أفضل من كل ما تمناه في صغره، ورأى هذا الحلم في الشقيق الأصغر؛ نيكولاس ويليامز الذي يكبره إينياكي بثماني سنوات!

فكر إينياكي كثيراً في أن يُفسح الطريق لكافة أفراد الأسرة مستقبلاً من خلال موهبته، ويُسهل الطريق على شقيقه نيكولاس ويليامز في الوصول إلى بلباو رغم أن موهبة شقيقه لا تحتاج إلى واسطة.

مع غياب الوالد، الذي انشغل بحياته في لندن، كان إينياكي يُفكر كثيراً في طريقة إعادة لم شمل الأسرة عن طريق الظهور الحقيقي كلاعب كرة قدم في فريق أتلتيك بلباو.

حينما ظهر إينياكي مع بلباو، لم يكن يتوقع أن يحصد كل هذا النجاح المهول، وأن يحتكم على زمام القيادة الكاملة في كافة النواحي الهجومية للفريق رغم التعداد الكبير للمدينة والذي يُسعف كشافتها في تتبع المواهب بسهولة وفقاً لوثيقتها التي تنص على ألا يلعب للفريق إلا من وُلد في الإقليم الباسكي.

في الوقت نفسه، لم يكن إينياكي لاعباً عادياً في الإقليم، بل واجه صعوبات أكبر خارجه، حين حدثت الحوادث العنصرية ضده في الملاعب الإسبانية والتي أصر فيها على ألا يصمت عن هذه الإهانات، والتي دفعت فريق بلباو لتأكيد أن من يؤذي إينياكي فإنه يؤذي بلباو بأكلمها!

شارك إينياكي في الكثير من التظاهرات بخصوص العنصرية، وأعلن رفضه القاطع لكل ما يحدث في الملاعب الإسبانية ضد اللاعبين الذين تختلف ألوانهم عن قلوب كارهيهم.

لكن من الواضح أن حالة الدعم التي تعايش معها من جماهير بلباو، لا زالت لم تصل لشقيقه نيكولاس ويليامز، الذي تعرض للكثير من الحملات العنصرية من جماهير بلباو نفسها قبل أي مكان آخر.

لقد أغلق نيكولاس ويليامز كل حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد خروج أتلتيك بلباو من كأس الملك منذ سنة؛ بسبب سوء مستواه والعبارات العنصرية التي تلقاها في كافة حساباته!

وبالمثل، ربما أحب إينياكي مدينة بلباو، ويعتبر نفسه باسكياً أكثر من كونه إسبانياً، لكنه في النهاية اختار تمثيل دولة غانا بشكل رسمي، وهو قرار كان من الصعب اتخاذه بسهولة.

كان الاتحاد الغاني لكرة القدم على تواصل مستمر مع إينياكي، على عكس الاتحاد الإسباني الذي لعب إينياكي بقميصه مباراة واحدة فحسب وكانت ودية، وفي الوقت نفسه كان جد إينياكي يُحب رؤيته بقميص غانا، في تكريم رسمي للعائلة كلها على رحلة الشقاء التي بدأت وانتهت بطريقة لم يتخيلها أشد المتفائلين منهم.

أتى قرار تمثيل غانا، بعد أن استشار إينياكي جده، ولم يُفكر في الأمر مرتين بعد أن سمع ترحيب جده بالفكرة، وكان عليه أن يترك الطموحات العالية التي كان من الممكن أن ينالها بتمثيل إسبانيا وقوته المهولة، وفي نهاية المطاف اختار أن يُكرس قصة عائلته على قميصه الغاني، الذي لم يكن شقيقه الأصغر نيكولاس مُستعداً لتمثيله في ظل العروض الإسبانية القوية له!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد