هناك في أقصى الغرب، وفي أرض الولايات المتحدة الأمريكية التي تتعاون على إبادة الشعب الفلسطيني، زرع ناشطون 13 ألف علم لفلسطين في حديقة الكابيتول (مقر الكونغرس الأمريكي) كناية عن عدد الأطفال الذين قُتِلُوا، هناك استطاع هؤلاء التعبير عما يعتلج في صدورهم وقضيتهم الكبرى وهم مجموعة تناهض القتل والتدمير في فلسطين، وتقف مع الحق، ولعل هذا الحال يجعلني أطوف حول مجتمعاتنا العربية التي يحاول بعض شعوبها أدلجة القضية بغية طرحها كقضية تخص الفلسطينيين وحدهم ليس لبقية العرب شأن بها، وهذه الأيديولوجيا وهْمٌ غريب استطاعت السياسة الغربية تدجيجه في عقول السياسيين لتصل إلى بعض من الشعوب العربية، ومن خلال سياسة "فرق تسد"، وهُم في الحقيقة الأقرب من الشعوب الغربية الذين ينشطون لمحاولة دفع بلدانهم للتوقف عن القتل، هنا لا يحاول بعض العرب المساهمة في تفعيل مقاطعة البضائع التي لها ارتباط بالصهيونية العالمية، والتي تسهم في القتل المتعمد للشعب الفلسطيني، فضلاً عن أنشطة تساهم في وقف القتل، بل يمارسون توسعة لانتشار أفكارهم المناهضة للمقاومة الفلسطينية، وهذا واضح في بعض بلداننا العربية.
ولست هنا بكلماتي للنيل من عزيمة الشعوب العربية التي ما زالت تناهض سياسة العدو بكل ما أوتيت، ولكن لتوضيح تخاذل البعض أمام كل هذه الجرائم، إذ يرون أن الدعاء كافٍ دون العمل، ويتناسون كيف حثنا الله على العمل لقيام الساعة.
بينما يتناقش البعض في بلادنا حول مدى جدية أو فاعلية المقاطعة أو المظاهرات، لا يكترث بعض الناس في الشوارع الأوروبية لهذه النقاشات والفلسفة الفارغة، فالمعادلة بسيطة لديهم فهم ينزلون إلى اليوم في الشوارع ليملؤوها بالصخب بالحق، لكيلا يفقدوا إنسانيتهم وشعورهم، حتى ولو استمرت حكوماتهم في دعم الاحتلال.
ما أريد أن أقوله هو أنه في شوارع بعض المدن الغربية، تتجلى المظاهرات، والاحتجاجات، والمقاطعات كأصداء لصوت يسعى جاهداً للانعتاق من ظلم الصمت، أصوات لا تريد أن تفقد إنسانيتها، هذه الأفعال، وإن بدت بسيطة، تلعب دورًا جوهريًا في كسر حواجز الجهل، لتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين، وتمرير رسائلهم وسردياتهم إلى أمم ربما لا تعرفهم، بل قد تدعم حكومات تلك الشعوب آلة الحرب التي تهددهم بالفناء.
بعض الشباب في الغرب يتظاهرون من أجل فلسطين ليعبروا عن إنسانيتهم ويؤكدوا حقهم في الحرية بأروع صورها، حين تصير هذه الحرية درعاً تحمي بها الآخرين، الذين ربما لا يدركون أن هناك من يسمعهم أو يصرخ من أجلهم.
ورغم الثمن الباهظ الذي قد يدفعونه جراء ذلك، بما في ذلك الاعتقال وتضييق الخناق عليهم من قبل حكوماتهم، فإنهم يستمرون في دعم فلسطين بكل ما أوتوا من قوة. وفي المقابل، يطمح بعض شباب بلادنا العربية إلى العيش بسلام، معتبرين الحرب الدائرة حربًا لا تخصهم، ولا تتوافق مع طموحاتهم المستقبلية السلمية، وهذا تغييب مؤسف للوعي.
إذ يراودني سؤال: ما نوع السلام الذي يمكن تصوره والاحتلال يحيطنا من كل جانب؟ كيف يمكن الحديث عن السلام ولا أحد يعبر عن يأسك وحزنك؟ كيف يمكن للسلام أن يزهر في أرض لا تعكس هويتك ولا تحتفي بتاريخك؟
يُظهر بعض الشباب تجاهلاً للواقع، معتقدين منطقية موقفهم بسبب تأثير وسائل الإعلام المحلية التي تسعى لتصوير الدمار في غزة كمحصلة لأسباب سياسية معقدة، بعيدة كل البعد عنهم، في محاولة لتشويه التاريخ وزرع ثقافة الخضوع في أجيال بأكملها.
ليتناسى هؤلاء ما يفعله المحتل في المسجد الأقصى وما يعانيه من تنكيل واعتقال وتدنيس. وليغضوا الطرف عن المجازر والانتهاكات التي استمرت لأكثر من خمسة وسبعين عاماً، بحق الشعب الفلسطيني وأراضيه التي ما زالت مستمرة إلى اليوم وبشكل يزداد بشاعة كل يوم.
وليتناسوا أن الذين يستشهدون يوميًا هم أقرباؤهم وأبناء جلدتهم. أتمنى أن نستلهم الدروس من تلك الشبيبة الغربية السلمية التي تتجمع بين فترة وأخرى للمطالبة بوقف القتل في غزة، ومن صنعاء وشعب اليمن عمومًا وبعض شعوب الأرض الذين يؤمنون بحق الحياة الكريمة والحرية في مواجهة التنكيل والاستعباد؛ فزرع الأعلام الفلسطينية في أمريكا، التي تبعد آلاف الأميال عن الأرض المقدسة، يحمل دلالات عميقة بأن رسالة المقاومة قد وصلت وأهدافها فُهمت وذرائعها استُشعِرت وتُم التنبه لها، بينما يشير ترويج الكراهية ضد المقاومة وتقزيمها في بعض منابر الإعلام العربي، وفي أوساطها، إلى دلالات أعمق على التأخر والتغييب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.