اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في يوم 24 فبراير/شباط لعام 2022، حينما صدر إعلان من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يُفيد ببدء ما وصفها بـ"عملية عسكرية خاصة". مرت الأشهر والسنوات، ولم يتمكن أي من الطرفين من إعلان النصر في هذه الحرب، التي بدا أنها فاقت توقعات روسيا نفسها بشأن مدتها وشدتها.
من بين آخر تطورات الصراع الكثيرة، تبرز واقعة سيطرة القوات الروسية على منطقة أفدييفكا، بعد محاولات مضنية ومستمرة للسيطرة عليها. هذه المنطقة، التي شهدت على مدار أشهر طويلة اشتباكات عنيفة ودامية، كانت تُعدّ من النقاط الاستراتيجية المهمة في ساحة المعركة، أصبحت تحت السيطرة الروسية. ويبدو أنه لا توجد خطوة ملموسة واضحة نحو إنهاء الحرب.
على مدار الفترة الطويلة من القتال، لم يُظهر أي من الطرفين قدرة على تحقيق تقدم حاسم يُنهي الحرب لصالحه، حيث أظهرت أوكرانيا قدرة استثنائية على تفادي النتائج الكارثية التي كان يمكن أن تترتب على سقوط العاصمة كييف، وانهيار نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي، والاضطرار إلى الاستسلام للقوات الروسية.
على الرغم من هذا الإنجاز، واجهت الدولة خسارة كبيرة تمثلت في فقدان ما يقرب من 18% من إجمالي أراضيها، دون أن تتمكن من استعادتها، خاصة بعد الفشل الذي مني به هجومها المضاد الذي نفذته ضد القوات الروسية في شرق البلاد خلال العام المنصرم.
من جانبها، رغم نجاح روسيا في فرض سيطرتها على أربعة أقاليم أوكرانية وضمها إلى أراضيها بصورة فعلية، فإنها لم تتمكن من إكراه كييف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى تسوية سلمية تأخذ بعين الاعتبار الوضع الجديد.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، أبدت روسيا مرونة عالية في مواجهة العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة عليها من قبل الغرب؛ حيث تمكنت من التحول بنجاح إلى اقتصاد حربي لم يؤثر على قدراتها العسكرية بالشكل الذي كان يأمله الغرب.
الحرب الروسية الأوكرانية و عامها الأخير
بينما تدخل الحرب عامها الثالث، لا تبدو الأفق مشرقة لكييف، حيث تتكاثف الغيوم القاتمة مع تطورات مقلقة لا تضع أوكرانيا فقط، بل أوروبا كلها أمام تحديات جسام. فالأنباء المتعلقة بوفاة الشخصية المعارضة الروسية البارزة، أليكسي نافالني، إلى جانب تراجع القوات الأوكرانية في أفدييفكا، والتهديدات الروسية ضد دول البلطيق، والتصريحات المبهمة من دونالد ترامب بشأن دور حلف شمال الأطلسي، جميعها تسهم في تكوين أجواء من اليأس والتوتر.
الواقع يشير إلى أن كييف تواجه صعوبات جمة في مواصلة مساعيها الحربية دون دعم خارجي إضافي. المساعدات العسكرية بقيمة 60 مليار دولار، المطروحة أمام الكونغرس الأمريكي، تُعد حيوية لضمان استمرارية قدرة أوكرانيا في الصمود في الحرب، لكن مازال الجمهوريون يعرقلون تمريرها في مجلس النواب الأميركي، وهذا يوضح أن القادم ربما لن يكون أفضل.
لذلك، أعلن الرئيس زيلينسكي بنفسه وبكل وضوح أن بلاده قد تخسر الصراع دون مزيد من الدعم. أوروبا، من جانبها، تجد صعوبة في تلبية الحاجة الماسة لأوكرانيا إلى الذخيرة والمعدات بالسرعة المطلوبة، مما يجعل دور واشنطن محورياً في سد هذه الفجوة في الوقت المناسب لتعزيز الجهد الحربي الأوكراني، بالإضافة لذلك قالت الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الأوروبيين الرئيسيين، الثلاثاء 27 فبراير/شباط 2024، إنهم لا يعتزمون إرسال قوات برية إلى أوكرانيا، وذلك بعد أن ألمحت فرنسا إلى هذا الاحتمال، ما دفع الكرملين للتحذير من أن أي تحرك من هذا النوع سيؤدي حتماً إلى صراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
هذه الديناميكيات تبرز التحديات العميقة والمعقدة التي تواجهها أوكرانيا وحلفائها في الحرب. في ظل الاستنزاف الكبير الذي تشهده المقدرات الدفاعية والهجومية للجانب الأوكراني، وفي ظل تخوّف في الدّاخل من فشل الدفاع على كل الأراضي الأوكرانيّة، وفي ظل تراجع القوّات الأوكرانية بالفعل شرقاً، لذلك يعتقد أن هذه الحرب ستختتم فقط عبر توصل الأطراف إلى اتفاق سلام. ومع ذلك، فإن المعايير التي سيستند إليها أي تفاوض لإبرام اتفاق سلام ستكون أساسية لتحديد الفائز والخاسر في هذه الحرب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.