دولة فلسطينية منزوعة السلاح.. كيف تسخر أمريكا من المنطق؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/03 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/03 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/رويترز

المقاومة الفلسطينية ضد الهيمنة الإسرائيلية تنبع من جذور تغوص في أعماق التاريخ، مستمدةً قوتها من ظلم تاريخي ممتد إلى اليوم، وتقلبات إقليمية معقدة، والسعي الدؤوب نحو الاعتراف الدولي وتحقيق السيادة. في صميم هذه المقاومة يبرز الطموح الثابت والمحوري: إقامة دولة فلسطينية مستقلة، هدف ظل خارج نطاق التحقيق بسبب تعنت الاحتلال أمام أي حلول سلمية، واستمرار سياساته الاستيطانية الاستعمارية. لذلك تسعى المقاومة الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، فهذا النضال ليس فقط استجابة للتحديات الراهنة، بل هو أيضاً تأكيد على أن الحق ينتزع ولا يعطى.

موقف إسرائيل تجاه الاعتراف بدولة فلسطين يعتبر موقفاً تاريخياً واضحاً منذ قيام الاحتلال. على الرغم من الاعتراف بدور السلطة الفلسطينية إدارياً، فإن إسرائيل ترفض بشكل قاطع، منحها سيادة فعلية على الضفة الغربية والقدس الشرقية. هذا الرفض يحد من قدرة السلطة الفلسطينية على تلبية طموحات واحتياجات الشعب الفلسطيني، ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الفلسطينية. السلطة الفلسطينية، التي تُعتبر عاجزة، تواجه انتقادات بسبب عدم تحقيقها تقدماً ملموساً نحو إنشاء الدولة، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم اعتراف إسرائيل بسلطتها في المجالات الرئيسية، وجزئياً آخر إلى تقاعس السلطة عن المطالبة بحقوق الفلسطينيين وانفصالها عن قواعدها الشعبية.

إضافةً إلى ذلك، يُظهر التوسع الاستيطاني المستمر من قبل الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية نيتها وسعيها لعدم الانخراط في مفاوضات سلام جادة. المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، التي تشهد توسعاً مستمراً، تضم أكثر من 600 ألف مستوطن في نحو 132 مستوطنة و113 بؤرة استيطانية، تعتبر هذه الأنشطة غير قانونية بموجب القانون الدولي. يُنظر إلى هذا التوسع على أنه عقبة رئيسية أمام السلام؛ نظراً إلى تأثيره على التركيبة المادية والديموغرافية، ما يعقد إمكانية التنازلات الإقليمية الضرورية لتحقيق حل الدولتين. كذلك، استغل المتطرفون في إسرائيل الصراع بغزة كفرصة لتوسيع الاستيطان بدلاً من وقفه، حيث أعلن وزير المالية الإسرائيلي عن خطط لبناء أكثر من 3300 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية على أراضي الفلسطينيين.

ويعتبر المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة، المستوطنات الإسرائيلية بشكل عام نشاطات غير قانونية وفقاً للقانون الدولي، وبالتحديد استناداً إلى اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع قوة الاحتلال من نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. يدعم هذا الموقف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الصادر في عام 2016، والذي يدين النشاط الاستيطاني الإسرائيلي كـ"انتهاك صارخ" للقانون الدولي ويُعلن عدم وجود "أي شرعية قانونية" له، ويطالب إسرائيل بالتوقف عن هذه الأنشطة والوفاء بالتزاماتها كقوة محتلة طبقاً لاتفاقية جنيف الرابعة. 

وهو ما يوضح أن إسرائيل لا ترى السلام حلاً من الأساس، لذلك تتوسع في بناء المستوطنات لتضع الفلسطينيين أمام وضع يستحيل القبول به؛ نظراً إلى أنه يعيق إمكانية تأسيس دولة فلسطينية كاملة المعالم متصلة جغرافياً وقابلة للحياة فتضع إسرائيل بذلك، السلام في حالة المستحيل، وتظل تبتلع على مهلٍ جل الأراضي الفلسطينية بهدوء دولي. فالمستوطنات لا تُقام فقط على الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون لدولتهم، بل تُفاقم أيضاً التوترات والعنف، وترتبط بشبكة طرق تقيد حركة الفلسطينيين وتؤثر على وصولهم إلى الخدمات وفرص العمل، مما يعزل المجتمعات الفلسطينية عن بعضها ويفككها. هذا التشرذم المادي يؤدي بالطبع إلى تشرذم سياسي واقتصادي يضعف السلطة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني، مما ينسف أي فرص لإقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة.

دولة فلسطينية منزوعة السلاح

في خضم ذلك، تأتي أمريكا شرطي العالم، بمبادرة ليست جديدة لكنها تبرزها كحل منطقي، إذ تدعو مبادرتها إلى وقف إطلاق النار في غزة وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح مقابل التطبيع العربي مع إسرائيل.

في الواقع رغم ظهور المبادرة كمسعى نحو السلام، تبدو مثيرة للسخرية، إذ كيف يمكن لدولة بلا سلاح أن تصمد أمام احتلال متواصل في عالم يغض الطرف عن الالتزام بالقوانين الدولية؟ ولن نذهب بعيداً لطرح أمثلة، فعلى أرض فلسطين نفسها بينما تستمر إسرائيل في توسيع المستوطنات والقمع ضد الفلسطينيين، تبقى السلطة الفلسطينية دون القدرة على الردع، وهذا الوضع يجعل المبادرات الأمريكية مجرد تلاعب بالفلسطنيين. 

إن الدولة تعني في النظام الدولي الحالي، القوة والسيادة والشرعية، هذه مكونات أساسية لا غنى عنها لضمان استقلال أي دولة واحترامها على الساحة الدولية. بالتالي، يمكن القول إن النظام الدولي، كما هو مُنظم حالياً، يميل إلى إعلاء شأن الدول التي تمتلك القدرة على توظيف القوة بكل أشكالها- سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو سياسية- كوسيلة للحفاظ على مصالحها وسيادتها، فكيف للمنطق الأمريكي أن يفسر لنا كيفية قيام دول فلسطينية لا تملك أي تلك المكونات؟

الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة، بما في ذلك مطلب نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة، تُعد خطوة نحو شرعنة الاحتلال وتقويض حقوق الفلسطينيين بشكل مُنظم ومُخطط له. التاريخ يقف شاهداً على هذه الحقيقة. الفكرة التي تروجها بعض الدول العربية والغربية بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تكشف عن إخفاقات تاريخية، حيث لم تتمكن هذه القوى من تحقيق السلام أو حماية الحقوق الفلسطينية بشكل فعال. المطالبة بنزع السلاح، دون معالجة جذرية للحقوق الأساسية وسيادة الشعب الفلسطيني، تُعد استراتيجية لإضعاف المقاومة الفلسطينية وفرض حلول لا تلبي طموحاتهم نحو الاستقلال وتقرير المصير.

إلى جانب ذلك، يبرز الرفض الصريح من قبل الاحتلال الإسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية، حتى وإن كانت منزوعة السلاح، النزعة الاستعمارية المتطرفة للاحتلال الذي يسعى لتحقيق "إسرائيل الكبرى"، التي تمتد "من النهر إلى البحر". هذه الرؤية تنفي أي فرصة لقيام دولة فلسطينية عن طريق المفاوضات والسلام، إذ لا يرى الاحتلال الإسرائيلي غير التوسع الإقليمي وتعزيز سيطرته على المنطقة بغطاء أمريكي. لذلك وبكل بساطة، توضح بشكل جلي رفض الاحتلال الإسرائيلي لحل الدولتين، ما يُبرز الأهمية والضرورة المنطقية والحتمية للمقاومة لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاطمة الجبوري
طالبة دكتوراة في كلية الإعلام، مهتمة بشؤون العراق و الشرق الأوسط
تحميل المزيد