احمرار الوجه أو” الإيروتوفوبيا”.. كيف يصبح الخجل مرضاً قاتلاً للفرص والأحلام؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/03 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/03 الساعة 11:25 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية - shutterstock

احمرار الوجه، أو الإيروتوفوبيا "Éreutophobie"، بعبع يقتل بعض البشر معنوياً، وربما هو من أشد الأمراض النفسية فتكاً في عالمنا اليوم، والتي يستحي بعض الناس من التصريح بها،  لأنّهم أحياناً يرونها مجلبة للاستخفاف وأحياناً للازدراء. 

لأن بعض الناس في أيامنا هذه لا يعترفون بأغلب الأمراض النفسية، فمصطلح المرض لديهم لا يرتبط إلا بالعلل الجسدية، التي لها علاقة بالأمراض العضوية والمزمنة؛ مثل السكّري، والضغط العالي، وأنواع السرطانات الحميدة والخبيثة الفتّاكة، ويتجاهلون غيرها من الأمراض النفسية التي يعاني أصحابها في صمت؛ ما يجعلهم في بعض الأحيان فاقدين للحريّة، أو غير قادرين على تحمّل المسؤولية، وتوظيف كل ما لديهم من مواهب، وطاقات وإمكانيات ذهنية وشخصية معنوية هائلة.

قد يبدو للبعض أن التواصل مع الآخرين مسألة عادية، وأمر بسيط وسهل؛ وكل ما على الإنسان أن يُحسن توظيف حواسه ليعبّر عن مشاعره وأفكاره في التّعامل مع الآخرين. لكن هذا غير ممكن في بعض الأحيان، فبالنسبة للشخص الذي يعاني من احمرار الوجه (Éreutophobie)، كما يسمّيه علماء النّفس والمختصّين، وهو اضطراب قلق يتميز بخوف شديد وغير عقلاني من الاحمرار في الوجه أمام الآخرين.

وهذا الخوف يمكن أن يكون مرتبطاً بالقلق من التقييم السلبي، أو الإحراج في المواقف الاجتماعية، مما يؤدي إلى تجنب المواقف التي قد تسبب الاحمرار. الأشخاص الذين يعانون من الإيروتوفوبيا قد يخشون الاهتمام المركز عليهم أو أي موقف يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالخجل أو الإحراج، مما يؤثر سلباً على التفاعلات الاجتماعية والأداء في مختلف جوانب الحياة.

ذلك أن احمرار الوجه علناً يترجمه كثير من الناس في الواقع، كمرادف للضّعف والشّعور بالذّنب. نظراً لعدم قدرة صاحبه على إخفاء عواطفه أو مشاعره المتمثّلة في الاحمرار الذي يعلوه ويغمر وجهه، كلّما أراد التّعبير عن رأيه تصبّب عرقاً، و تولّد لديه شعور بالخوف والضعف ويشعر بالخجل.

الإيروتوفوبيا وتأثيرها المدمر

ولأنّ أغلب الناس اليوم يقل معرفتها بهذا المرض، يصبح أحياناً علامة وصم لصاحبه، في عالم تسوده الثقافة الاستهلاكية، ويتميز بالترويج الذاتي المستمر، يواجه الأشخاص المعانون من الرهاب الاجتماعي و احمرار الوجه تحديات متزايدة، فالثقافة الاستهلاكية اليوم تدفع الأفراد نحو الترويج لأنفسهم ومشاركة إنجازاتهم، مظاهرهم، وحتى حياتهم اليومية عبر منصات مختلفة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي. هذا النهج يعزز فكرة أن القيمة الذاتية والنجاح يمكن قياسهما بالتأثير الظاهري والاعتراف الاجتماعي، وهذا ما يفاقم من خجلون اليوم.

للأشخاص الذين يعانون من الإريوتوفوبيا، يمكن أن يبدو هذا العالم المتسم بالتنافسية الشديدة والحاجة المستمرة للتفاعل الاجتماعي مخيفاً ومنفراً. إذ يصبح تسويق الذات، سواء كان ذلك للحصول على وظيفة، تكوين صداقات جديدة، أو حتى المشاركة في الأنشطة الترفيهية، عقبة كبيرة تحول دون تحقيق الإنجاز والرضا الشخصي.

في مجتمعات اليوم يولى أهمية زائدة للمظاهر دون الاهتمام بالقيم الأساسية والعمق النفسي للأفراد، سواء داخل الأسر أو في الأطر التعليمية والمهنية، نجد أنفسنا أمام بنية اجتماعية تفتقر إلى العمق وتظهر تخلفاً في تقدير الجوانب الإنسانية.

بينما أولئك الذين يعانون في صمت، ولا يستطيعون الإفصاح عن نوبات الهلع التي تحرق ذواتهم من داخل، لأنّ الخجل الذي يسكن قلوبهم ويسيطر على عقولهم، يحرمهم من توظيف إرادتهم ويمنعهم من تحمّل كامل المسؤولية.

نحن أمام أشخاص يعانون في صمت من مرض يقتل حريتهم وفرصهم. ولا نعرف عنهم سوى هذا الاحمرار الذي نراه بأعيننا و يعلو وجوههم فيتسبّب في تصبّب العرق من جباههم. وليس لدينا أيّ فكرة عن حجم الدّمار الذي ربما يتسبّب لهم فيه هذا الخوف؛ والمتمثّل في الخجل الذي يعبث بكل شيء جميل من حولهم. ويحاول بعض منّا، وبحسن النيّة،  إرجاعه إلى شدّة حياء صاحبه، وما هو بالحياء المحمود،  بل هو مرض الخجل بعينه.

مع هذا الشّغف الكبير بتسويق الذات عن طريق الوسائل التقنية المتطوّرة التي انفردت بنا، فارضة علينا وعلى أبنائنا العزلة و الوحدة، يكون العالم قد أدار ظهره نهائيّا لهذا الصنف من المرضى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رشيد مصباح
كاتب جزائري
كاتب جزائري
تحميل المزيد