أضاع العرب الكثير من الفرص الذهبية لاستعادة حقوقهم المسلوبة، وتعزيز مكانتهم على الساحة العالمية، وآخر هذه الفرص معركة طوفان الأقصى التي حققت الكثير من المكاسب في يوم واحد، ولكنهم أضاعوها ولم يبنوا عليها، بل والأدهى من ذلك أنهم تآمروا عليها!
طوفان الأقصى.. الفرصة الضائعة
معركة طوفان الأقصى كانت فرصة ذهبية لإعادة حقوق الفلسطينيين المسلوبة منذ أكثر من 75 عاماً، وبسالة المقاومة كفت العرب جميعاً مواجهة الجيش الإسرائيلي الذي زعموا أنه لا يقهر، فقد استطاع بضعة آلاف من المجاهدين الصامدين إذلال جيش الاحتلال الإسرائيلي وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الممتد منذ أكثر من 100 عام وحتى اليوم كفى العرب جميعاً تقديم التضحيات سواء بالأرواح أو الأموال، ولكنهم أهدروا هذه الفرصة الذهبية عندما خذلوا إخوانهم الذين يدافعون عن أرضهم وعن مقدساتهم ويذودون عن شرف الأمة، وتركوهم وحدهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه، وليتهم اكتفوا بذلك، بل ساهموا في قتل إخوانهم بالصمت والتواطؤ على جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها.
خذلان أم تواطؤ؟
تحدث البعض وبخجل عن الخذلان العربي والإسلامي للفلسطينيين، وتركهم في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية المدعومة غربياً والتي تحصد أرواح العشرات بل المئات يومياً من الأبرياء، والحقيقة أن هناك تواطؤاً مكتمل الأركان لذبح الفلسطينيين من الوريد إلى الوريد وتشييع القضية الفلسطينية إلى مثواها الأخير.
والفلسطينيون يتعرضون لحرب إبادة جماعية، فهم يُقتلون بأسلحة الاحتلال الإسرائيلي الغاصب، والعرب يقتلونهم جوعاً بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وقد أظهرت صور لطائرة مسيرة تكدس أكثر من 2000 شاحنة على معبر رفع ولم يسمح لها بالدخول في الوقت الذي يعاني فيه سكان القطاع من مجاعة شديدة ويموت أطفالهم جوعاً، وظهر مسؤولو منظمات الإغاثة الإنسانية وهم يبكون على شاشات التلفزة لعجزهم عن إيصال المساعدات رغم أنهم يملكون الأموال ولديهم مئات الشاحنات الممنوعة من دخول القطاع. والأمر لم يقتصر على ذلك فهناك دول عربية منعت التحويلات المالية لفلسطين، وفي الوقت الذي يموت فيه الفلسطينيون جوعاً نجد دولاً عربية وإسلامية تمد الكيان الصهيوني بالغذاء!
وطائفة من العرب يشاركون في قتل إخوانهم الفلسطينيين بالاصطفاف في معسكر الاحتلال الإسرائيلي وداعميه من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية، وإنهاء القضية الفلسطينية وإعادة قطار التطبيع إلى مساره بعد أن توقف بسبب معركة طوفان الأقصى.
وبعض الأنظمة العربية تاجرت بالقضية الفلسطينية لسنوات وحققت من خلالها مكاسب سياسية داخلية وخارجية، وهي الآن تقبض ثمن خيانتها وبيعها للقضية.
وهناك نظم عربية تتماهى مع الاحتلال الإسرائيلي وتتبنى رؤيته وتنفذ مخططاته وإملاءاته، وبات حكامنا العرب والشعوب العربية على يقين بأن الوصول للحكم والبقاء على الكرسي مرهون برضا الصهاينة ومباركة أمريكا.
حقائق أكدتها معركة طوفان الأقصى
بعيداً عن خذلان العرب والمسلمين لإخوانهم في فلسطين، وتواطؤ بعض الأنظمة العربية مع الاحتلال الإسرائيلي على قتلهم وإبادتهم، هناك جملة من الحقائق أكدتها معركة طوفان الأقصى، ومنها أن الاحتلال الإسرائيلي كيان وظيفي ورأس حربة للاحتلال الغربي لتنفيذ مخططاته والحفاظ على مصالحه في المنطقة العربية المليئة بالخيرات والثروات والتي تتحكم في أهم المضائق على مستوى العالم.
وما يؤكد ذلك هو أن زوال الاستعمار عن دولنا العربية تزامن مع نشأة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين في عام 1948، وتولية الحكم في الأقطار العربية لأنظمة عميلة وتابعة للقوى الاستعمارية التي رحلت جيوشها عن الأراضي العربية، وبقي أذنابها لتنفيذ مخططاتهم والمحافظة على مصالحهم في المنطقة.
ويمكن أن نستنتج أيضاً أن التآمر على الثورات العربية وإجهاضها كان تمهيداً للحظة الحالية التي تصطف فيها النظم الانقلابية والعميلة مع الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة المقاومة والشعب الفلسطيني.
ومن هذه الحقائق أن الصهاينة العرب أشد خطورة على العرب والمسلمين من الصهاينة أنفسهم، فعداء اليهود لنا قديم ومعروف ومذكور في القرآن، أما فعل المنافقين في الأمة فهو أشد خطراً مما يفعله بها أعداؤها. يقول الله عز وجل: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) [سورة المائدة: 82].
ولذلك كله لا بد أن نفيق من غفلتنا وأن ندرك أن تحرر فلسطين يبدأ من تحرير أنفسنا وتحرير دولنا من المحتل الوطني الذي يحكمنا لتحقيق مصالح أعدائنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.