أبو عَبدِ ٱللّٰهِ عثمان بن عفان ٱلأُمَوِيُّ ٱلقُرَشِيُّ، ذو النورين، الذي تستحي منه الملائكة، ومَن جمع الأُمة على مصحف واحد، ومن السابقين الصادقين، القائمين الصائمين، المنفقين في سبيل الله، شهِد له رسول الله بالجنة، وزوّجه بابنتيه، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وثالث الخلفاء الراشدين، وأفضل من قرأ القرآن على النبي ﷺ، ومن الأئمة الذين يتأسى الناس بهديهم، وبأقوالهم وأفعالهم، فسيرته من أقوى مصادر الإيمان، والعاطفة الإسلامية الصحيحة، والفهم السليم لهذا الدين.
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد الله بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، ويلتقي نسبه بنسب رسول الله في عبد مناف، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد مناف بن قصي، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي شقيقة عبد الله والد النبي. كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما ولد له من رقية بنت رسول الله عبد الله، اكتنى به، فكناه المسلمون أبا عبد الله.
وكان رضي الله عنه يلقب بذي النورين، وقد قال عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي: قال لي خالي حسين الجعفي: يا بني، أتدري لِمَ سمِّي عثمان بذي النورين؟ قلت لا أدري، قال: لم يجمع بين ابنتي نبي منذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان، فلذلك سمي ذا النورين، وقيل إنه يسمى ذا النورين لأنه كان يكثر من تلاوة القرآن في كل ليلة في صلاته، فالقرآن نور، وقيام الليل نور.
إنَّ شخصيَّة ذي النُّورين تعتبر شخصيَّة قياديَّةً، فقد اتَّصف رضي الله عنه بصفات القائد الرَّبَّاني، ونُجمِلها في أمورٍ من أهمها: إيمانُه العظيم بالله واليوم الآخر، والعلم الشَّرعي، والثِّقة بالله، والقدوة، والصِّدق، والكفاءة، والشَّجاعة، والمروءة، والزُّهد، وحب التَّضحية، والتَّواضع، وقبول النَّصيحة، والحلم، والصَّبر، وعلو الهمَّة، والحزم، والإرادة القويَّة، والعدل، والقدرة على حلِّ المشكلات، والقدرة على التَّعليم، وإعداد القادة، وغير ذلك من الصِّفات، وبسبب ما أودع الله فيه من صفات القيادة الربَّانيَّة استطاع أن يحافظ على الدَّولة، وينتقل بفضل الله وتوفيقه بالأمَّة نحو أهدافها المرسومة، بخطوات ثابتة.
علمه وورعه
كان عثمان رضي الله عنه من كبار علماء الصَّحابة في القرآن الكريم، والسُّنَّة النَّبويَّة، ومن المجتهدين الفقهاء في المجال القضائي والمالي والجهادي، وكان رضي الله عنه حريصاً على اتِّباع هدي النَّبيِّ ﷺ وأبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، وقد لازم ذو النُّورين النَّبيَّ ﷺ فاستفاد من علمه وهديه، ما جعله من كبار علماء الصَّحابة رضي الله عنهم جميعاً، وكان رضي الله عنه قادراً على توجيه رعيَّته توجيهاً مفيداً، وتعليمهم واجباتهم، ونقل آرائه النَّابعة من علمه وخبرته وتجاربه وممارسته إليهم؛ حتَّى يرتقوا في مجال الدَّعوة والتَّربية والتَّعليم والجهاد، والاستعداد للقاء الله عزَّ وجلَّ، وقد روى عثمان رضي الله عنه أحاديث عن رسول الله، انتفعت بها الأمَّة.
وكان عثمان رضي الله عنه يهتم بالجانب العملي التطبيقي، ولا يكتفي بمجرد البيان النظري، وكان على علم بمعارف العرب في الجاهلية، ومنها الأنساب، والأمثال، وأخبار الأيام، وقد ساح في الأرض، وعرف معارف القوافل والأدلاء من أبناء الصحراء العربية، وأبناء كل صحراء، وأسلم فكان من أفقه المسلمين في أحكام الدين، وأحفظهم للقرآن والسنة، روى عن النبي ﷺ قرابة مئة وخمسين حديثاً.
وقال محمد بن سيرين وهو يتكلم عن الصحابة: "كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر"، وكان أقرب الصحابة إلى مجرى الحوادث، بين المسلمين والمشركين، فكان من سفراء الإسلام، في غير موقف من مواقف الخلاف أو الوفاق، تارة بين المسلمين وأعدائهم، وتارة بينهم وبين الأسرى منهم في أرض الأعداء، وكان كاتباً يجيد الكتابة، فاعتمد عليه النبي ﷺ في تدوين الوحي، واعتمد عليه الصديق في كتابة الوثائق المهمة، ومنها الوثيقة التي عهد فيها بالأمر بعده لخليفته الفاروق، وزودته معرفته بالأخبار والأنساب وسياحته في البلاد بزادٍ حسن من مادة الحديث، مع ذوي الكمال من الرجال.
قال عبد الرحمن بن حاطب: "ما رأيت أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ كان إذا حدَّث أتم حديثاً ولا أحسن من عثمان بن عفان، إلا أنه كان رجلاً يهاب الحديث، ولم يكن حديثه لغواً ولا ثرثرة يزجى بها الفراغ بين أهل الفراغ".
عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته
من أبرز ما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته، والذي يدل على حسن علمه ورشاد إدارته:
انتهاج سياسة الاتباع والتفويض: حيث سار عثمان رضي الله عنه على كتاب الله تعالى، وسنة نبيه ﷺ، والتزم بكل قرارات الخلفاء من قبله واجتهاداتهم، واتبع ما اتفق عليه أهل الشورى، وثبت رضي الله عنه في زمنه مجلس الشورى، وهو مجلس مكون من مجموعة من الصحابة يساعدونه في إدارة الدولة.
إدارة الولايات: أعاد عثمان رضي الله عنه ترتيب الولايات وحكامها، ولم يتركها كما كانت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان يديرها بالتشاور مع كبار الصحابة، كما ضمَّ بعض الولايات إلى بعضها البعض لما يراه في مصلحة المسلمين، وكان دائم النصح لولاته، بأن يكونوا رعاةً للأمة وليسوا سادة عليها، وكان يأمرهم بالعدل والرحمة وإعطاء الحقوق لأهلها، ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وأوصاهم بالذمة، وقيادة الجيوش، والشورى والتشاور، وأمرهم باتباع منهج أبي بكر وعمر، والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والابتعاد عن البدع، فضلاً عن الاهتمام باللغة العربية، والمحافظة على القرآن وقراءته. ونهض عثمان رضي الله عنه بالاقتصاد الإسلامي، حيث اتبع عثمان رضي الله عنه السياسة المالية لعمر بن الخطاب نفسها، وكان عهده عهد رخاء على المسلمين.
جمع القرآن الكريم: إذ قرر عثمان رضي الله عنه إعادة توحيد المسلمين على مصحف واحد، وهو ما سُمِّي لاحقاً بمصحف عثمان، أو مصحف الإمام، وذلك لانتشار الكثير من النسخ المكتوبة والمنقولة على نحو خاطئ، ما أدى إلى وقوع خلافات بين الناس على المصحف الصحيح، وجمع عثمان المسلمين على لغة قريش، أي لهجة قريش، وكتبت 6 نسخ ووزعت نسخة لكل ولاية.
فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ومناقبه
جمع الله في أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه كل الفضائل والمناقب التي جعلته عظيماً جليلاً، واستحق أن يكون ثالث الخلفاء الراشدين المهديين، رضي الله عنهم أجمعين، وفضائل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ومناقبه كثيرة جليلة عظيمة، أشهر من أن تُذكر، وأكثر من أن تُحصر، نستحضر بعضها من الأحاديث:
فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة)، [رواه الترمذي والنسائي وأحمد، وصححه الألباني، وللحديث تتمة].
ويروي لنا عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه في قصة تجهيز عثمان لجيش العسرة، قال: رأيت النبي ﷺ يقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين)، [أخرجه أحمد والترمذي، وحسّنه الألباني].
وأيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال لرقية، زوجة عثمان: (أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خُلُقاً)، [أخرجه أحمد في فضائل الصحابة والطبراني].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي ﷺ رفع يديه وقال: (اللهم إني قد رضيتُ عن عثمان، فارضَ عنه، اللهم إني قد رضيت عن عثمان، فارضَ عنه، اللهم إني قد رضيت عن عثمان، فارضَ عنه)، [رواه ابن عساكر].
وأنس بن مالك رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله ﷺ: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان)، [أخرجه الترمذي والنسائي، وللحديث تتمة).
مقتله واستشهاده
في أواخر عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومع اتساع الفتوحات الإسلامية ووجود عناصر حديثة العهد بالإسلام، التي لم تتشرب روح النظام والطاعة، أراد بعض الحاقدين على الإسلام، وفي مقدمتهم اليهود، إثارة الفتنة للنيل من وحدة المسلمين ودولتهم، فأخذوا يثيرون الشبهات حول سياسة عثمان رضي الله عنه، وحرّضوا الناس في مصر والكوفة والبصرة على الثورة، فانخدع بقولهم بعض من غرر به، وساروا معهم نحو المدينة لتنفيذ مخططهم، وقابلوا الخليفة وطالبوه بالتنازل، فدعاهم إلى الاجتماع بالمسجد مع كبار الصحابة وغيرهم من أهل المدينة، وفنّد افتراءاتهم وأجاب عن أسئلتهم وعفا عنهم، فرجعوا إلى بلادهم، لكنهم أضمروا شراً، وتواعدوا على الحضور ثانية إلى المدينة لتنفيذ مؤامراتهم، التي زيّنها لهم عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل، والذي تظاهر بالإسلام.
وفي شـوال، سنة 35 من الهجرة النبوية، رجعت الفرقة التي أتت من مصر وادعوا أن كتاباً بقتل زعماء أهل مصر وجدوه مع البريد، وأنكر عثمان رضي الله عنه الكتاب، لكنهم حاصروه في داره عشرين أو أربعين يوماً، ومنعوه من الصلاة بالمسجد، بل ومن الماء، ولما رأى بعض الصحابة ذلك استعـدوا لقتالهم وردهم، لكن الخليفة منعهم، إذ لم يُرد أن تسيل من أجله قطرة دم مسلم، ولكن المتآمريـن اقتحموا داره من الخلف- من دار أبي حَزْم الأنصاري- وهجموا عليه وهو يقـرأ القـرآن، وأكبت عليه زوجـُه نائلـة لتحميه بنفسها، لكنهم ضربوها بالسيف فقطعت أصابعها، وتمكنوا منه رضي الله عنه فسال دمه على المصحف، ومات شهيداً في صبيحة عيد الأضحى سنة 35هـ، ودفن بالبقيع، وكان مقتله بداية الفتنة بين المسلمين إلى يومنا هذا.
قتل واستشهد عثمان رضي الله عنه في سنة 35 للهجرة، وبشكل شنيع، وكانت سِنّه عند مقتله اثنين وثمانين عاماً، ودفن بالبقيع، وكان مقتله على يد مجموعة من الساخطين على حكمه، والذين تم اعتبارهم لاحقاً مارقين وخارجين على إجماع أهل الحل والعقد، وكان مقتله مقدمة لأحداث جسام في تاريخ المسلمين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.