تسرق الآثار وتبيعها وتهدم الباقي.. ما خطورة تزوير إسرائيل لتاريخ فلسطين وإرثها الحضاري؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/29 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/29 الساعة 05:39 بتوقيت غرينتش
قصر المُورَق- جنوبي الضفة الغربية (صورة أرشيفية)/ الأناضول

اهتمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 بالآثار الفلسطينية الدالة على هوية فلسطين الحقيقية، وقد تم تشكيل لجان من علماء الآثار الإسرائيليين بغية البحث الأركيولوجي في كافة أماكن فلسطين التي أنشئت عليها إسرائيل في الخامس عشر من مايو/أيار من عام 1948، وكان الهدف من وراء ذلك تزوير التاريخ عبر تزوير الآثار الفلسطينية وإعطاء صبغة يهودية لها، ولم تسلم الأوابد التاريخية في المدن الفلسطينية الرئيسية مثل عكا ويافا والقدس وطبريا من الإجراءات الإسرائيلية لجهة تهويدها، عبر تزوير الكتابات على جدران تلك الأوابد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حاولت إسرائيل عبر مؤسساتها المختلفة تهويد الأزياء الفلسطينية، سواء تلك المتعلقة بلباس المرأة أو الرجل على حد سواء، من خلال عمليات سرقة وتزوير ممنهجة.‏

كنز حضاري

تحتضن فلسطين إرثاً تراثياً وتاريخياً يعود تاريخه لآلاف السنين، لكنها تتعرض لسرقة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي و"مافيات" بيع الآثار والتراث والتاريخ الذي لا يثمن لقاء مبالغ من المال، في وقت تتحرك العديد من الجهات الفلسطينية وتطلق الصرخة لحماية الإرث والتاريخ والحضارة. 

وفي هذا الإطار تشير الدراسات أيضاً إلى وجود أكثر من 3300 موقع أثري في الضفة الغربية، وثمة عدد من الباحثين يؤكدون أنه في كل نصف كيلومتر من مساحة فلسطين يوجد موقع أثري ذو دلالة على الهوية الحقيقية لفلسطين.‏ 

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى الآثار المدمرة للجدار الإسرائيلي على مستقبل الآثار والأوابد الفلسطينية، حيث ستؤدي عملية الاستمرار في بناء الجدار العازل في عمق أراضي الضفة الغربية في نهاية المطاف إلى ضم أكثر من 50% من مساحة الضفة الفلسطينية بشكل مباشر، كما سيضم ما يزيد عن 270 موقعاً أثرياً رئيسياً من جهة أخرى، هذا فضلاً عن 2000 معلم أثري وتاريخي، إلى جانب عشرات المواقع الأثرية والأوابد التاريخية التي تم تدميرها في مسار بناء جدار الفصل العنصري خلال المراحل السابقة.‏

معالم أثرية

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن إسرائيل شاركت بمعارض دولية، وعرضت فيها أزياء ومأكولات فلسطينية على أنها أزياء إسرائيلية، وذلك رغم أنها جزء من هوية الشعب الفلسطيني. ولم تتوقف إسرائيل بعد احتلالها للضفة والقطاع، في الخامس من يونيو 1967، عن سياساتها الرامية إلى سرقة الآثار الفلسطينية ومحاولات تهويدها، على طريق تهويد الزمان والمكان في نهاية المطاف.

‏وفي هذا السياق تشير الدراسات المتخصصة بالآثار الفلسطينية إلى أن الآثار في الضفة الفلسطينية تتعرض منذ عام 1967 لمزيد من عمليات السرقة والبيع من قِبل إسرائيل، وقد تفاقمت تلك الظاهرة بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى، في نهاية شهر سبتمبر 2000، وأشارت دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني، التابعة للسلطة الفلسطينية، إلى تعرُّض ما يزيد عن 500 موقع أثري، وأكثر من 1500 معلم أثري فرعي للسرقة والتدمير من قِبل لصوص الآثار والاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب تعرُّض عدد من مراكز القرى التاريخية لأعمال التدمير الكلي أو الجزئي، كما أكدت تلك الدائرة أن الآثار والتراث الفلسطيني يواجهان مخاطر كبيرة، نتيجة استفحال ظاهرة السرقة والاتجار، وهو ما يهدد باستنزاف الموارد الثقافية والاقتصادية لفلسطين، وتشير الدراسات الفلسطينية إلى أن من أسباب هذه الوضعية انهيار نظام الحماية في المناطق الفلسطينية بفعل السيطرة الإسرائيلية عليها، وبالتالي وقوعها تحت إدارة الاحتلال المباشرة، هذا فضلاً عن أعمال التدمير التي يقوم بها جيش الاحتلال لمواقع التراث الثقافي، كما جرى في القدس ونابلس والخليل وبيت لحم، وغيرها من المواقع الأثرية في المدن والقرى الفلسطينية المختلفة.‏

ثروة زاخمة

تعتبر عملية التصدي لتوسع وانتشار ظاهرة سرقة الآثار والاعتداء على المواقع الأثرية الفلسطينية من أكبر التحديات التي تواجه الفلسطينيين، للحفاظ على إرثهم الحضاري المهدِّد للتهويد وفق سياسات إسرائيلية مبرمجة بالتهويد، الأمر الذي يتطلب نشر وعي ثقافي مجتمعي فلسطيني، من خلال إعلانات وندوات علمية وتوعوية في كافة المراحل الدراسية، لمواجهة التحدي الإسرائيلي الجديد القديم، كما يتطلب الأمر توفير الإمكانات المادية والمعنوية والإعلامية، عبر برنامج وطني عاجل لمواجهة هذه الظاهرة، خصوصاً من خلال التوعية والتثقيف والتربية والتنسيق على المستوى المحلي الفلسطيني والإقليمي والدولي لمكافحة هذه الظاهرة، وقد يعزز هذا التوجه عضوية فلسطين الكاملة في العديد من المنظمات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها اليونسكو. 

ومن المفيد نشر دراسات عربية وفلسطينية بلغات أجنبية مختلفة، لشرح المخاطر الإسرائيلية التي تهدد الآثار الفلسطينية الدالة على الهوية العربية للمدن والقرى الفلسطينية.‏ 

ويشار إلى أن الباحثين الفلسطينيين في مجال التاريخ يؤكدون أن الآثار الفلسطينية تشكل ثروة زاخمة للشعب الفلسطيني وهويته الوطنية المتجذرة والراسخة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نبيل السهلي
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تحميل المزيد