صدرت بعض التصريحات التي تحمل تهديدات مصرية لإسرائيل، بأنها قد تتخذ عدة إجراءات من بينها تجميد أو إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل إذا أقدمت إسرائيل على دفع سكان غزة المكدسين في رفح إلى الأراضي المصرية، لما لذلك من آثار ثلاثة خطيرة، أولها إبادة الفلسطينيين في رفح، وثانيها تصفية القضية الفلسطينية لأن إسرائيل أعلنت رغبتها وخطتها في القضاء على المقاومة، وتفريغ فلسطين من سكانها، حسب المشروع الصهيوني. أما الأثر الثالث فهو تهجير أهل غزة إلى الأراضي المصرية، بما يحتمله ذلك من نتائج خطيرة على الأمن القومي المصري، وتعلم مصر يقيناً أن خطة إسرائيل هي دفع الفلسطينيين من شمال غزة إلى وسطها إلى جنوبها، وتركيزهم في رفح، توطئةً لوضعهم بين نارين، إما الإبادة وإما التهجير، ورغم قلق الغرب والأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموماً من خطط إسرائيل، والاتفاق على تأجيل الاقتحام مقابل تنازلات من المقاومة، وما يتردد منذ أشهر من هدنة مؤقتة خلال شهر رمضان، فإن الموقف مرعب، ومن مصلحة مصر الضغط على إسرائيل قدر المستطاع لتتراجع عن خطتها في اجتياح رفح.
فما الآثار القانونية المترتبة على تجميد أو إلغاء معاهدة السلام، وهل تستطيع مصر أن تفعل ذلك بحرية، وهل تدرك إسرائيل نفس الآثار، وما هو رد فعلها إذا فعلت مصر ما توعدت به، وهل تجدي هذه التهديدات في تراجع إسرائيل عن مخططها؟
تحكم هذه النقطة المادة 44 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969، والتي تتضمن أحكام هذا الشأن.
الحكم الأول: أن المعاهدة لا تتجزأ، أي إنه لا يمكن إلغاء أو الانسحاب من المعاهدة أو وقف سريان المعاهدة جزئياً.
الحكم الثاني: أن من حق أي طرف في المعاهدة أن يقوم بأي من الإجراءات الثلاثة بصدد المعاهدة، وإبطال أو إنهاء أو الانسحاب من المعاهدة، أو وقف سريان المعاهدة، وأن كلية المعاهدة وعدم تجزئتها لا يتم إلا في الأحوال الآتية:
1- إذا كانت هذه الأحكام يمكن فصلها عن بقية المعاهدة فيما يتعلق بتطبيق هذه الأحكام، وإذا كان يبدو من المعاهدة، أو ثبت أن قبول هذه الأحكام لم يكن السبب الأساسي لموافقة الطرف الآخر على الالتزام بالمعاهدة ككل.
2- أن استمرار الالتزام ببنية أحكام المعاهدة سيكون غير عادل، ولكن هذا الحق فيما يتعلق بالمعاهدة وفق المادة 45 يسقط في حالتين:
– إذا كانت الدولة وافقت صراحةً أن تظل المعاهدة سارية، أو أنها صحيحة، أو يستمر سريانها.
– أو إذا كان سلوكها يقطع بأنها وافقت على صحة المعاهدة أو استمرار سريانها حسب الحالة.
القسم الثالث من قانون المعاهدات عنوانه إنهاء أو وقف سريان المعاهدة.
قد تنص المعاهدة على وقف سريانها في حالات معينة، أو قد تتفق أطرافها على ذلك، وتنص المادة 56 على أنه لو لم يوجد نص في المعاهدة على إنهائها، أن لوقف سريانها أو فسخها أو الانسحاب منها يجب أن تكون المعاهدة قد سمحت بهذا الإجراء، إلا إذا ثبت أن الأطراف اتجهت نيتها إلى الإقرار بإمكانية الانسحاب منها أو إلغائها، أو كان الحق في الفسخ أو الانسحاب كامناً في طبيعة المعاهدة.
وهناك قيد إجرائي على ممارسة هذا الحق، وهو أن الطرف الراغب في استخدام هذا الحق يجب أن يعطي مهلة لا تقل عن 12 شهراً، عند الإعراب عن نيته في استخدام هذا الحق.
وقف سريان المعاهدة وفق أحكام المعاهدة أو بموافقة الطرف الآخر في "م 57".
وتطبيقاً لهذه الأحكام التي تحكم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، لا تستطيع مصر قانوناً أن توقف سريان المعاهدة أو الانسحاب منها أو فسخها بشكل جزئي، كما أنه لا بد من إخطار إسرائيل بعزمها على هذا الإجراء، وأن ينفذ بعد مضي عام. فحتى لو هددت مصر فإسرائيل تعلم يقيناً هذه الأحكام ولا قيمة لهذا التهديد. وخارج إطار المعاهدة فإن مصر يجب أن تعتبر خطط إسرائيل في رفح مساساً بالأمن القومي المصري، وتستطيع مصر أن تتصدى لإسرائيل، ولذلك تعتبر إسرائيل أن هذا التهديد للاستهلاك المحلي، خاصةً أن تقارير دولية تتحدث عن أن مصر تقوم بترتيبات فُهم منها أنها تستعد لاستقبال المهجَّرين، كما أن التقارير تؤكد أن مصر تساعد إسرائيل بالغذاء والدواء.
وكان بوسع مصر بدلاً من تهديد إسرائيل الوهمي أن تستخدم أوراق القوة لإرغام إسرائيل على التراجع، ولكن إسرائيل لن تتراجع، وتعلم يقيناً أن مصر لن تنفذ تهديدها لأسباب قانونية وسياسية.
ثم إن واشنطن لن تسمح لمصر بفسخ المعاهدة أو أي إجراء مصري فيها، رغم أن نفوذ إسرائيل والولايات المتحدة لا يستند إلى المعاهدة، فهذه المعاهدة تعكس الجهد الكبير الذي بذلته واشنطن لكي تعبّر المعاهدة عن مدى الخلل، وتخلّي مصر عن أهم مصالحها.
الخلاصة أنه لا فرق بين إلغاء المعاهدة أو وقف سريانها، أو بلغة عامة تجميد المعاهدة، كما أنه يستحيل قانونياً وسياسياً أن تتخذ مصر هذا الإجراء، وسوف تنفذ إسرائيل مخططها دون اكتراث بالتهديد المصري، الهادف فقط إلى ذرّ الرماد في العيون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.