للثقافة صوت مدوّ في كل البلدان، ولصناعة الثقافة أدوات ومرجعيات تنهل منها وتفعلها في كل مرة أرادت فيه درء منكر أو صد معتدٍ، والفن أحد هذه الأوجه الكثيرة، وتحاول البلدان تفعيل هذا المصب المهم لذائقة الناس تحرك فيهم الفكر والأجساد معاً، ذلك أن الفكر هو المحفز للعمل والمبادرة، والأجساد هي أداة تنفيذ.
ويعمل المختصون في هذا المجال على تعظيم دور المقاومة الفلسطينية لدحر الاحتلال الإسرائيلي، وهناك عدة أوجه يخاطب فيه الشعب العُماني العالم برفضه القاطع هذا التدمير الوحشي والانتهاك الشرس بقتل العزل من نساء وأطفال وكبار سن بغزة، بالإضافة لقطع الماء والكهرباء وسبل توصيل الغذاء بهدف تجويع الشعب الغزاوي، ثم انتهاك حرمة المساجد وهدمها، واستهداف المستشفيات والمدارس والمنازل والمباني المدنية بشكل عام، بالإضافة لتدمير البنية الأساسية كالطرق ووسائل الخدمات كمحطات المياه والكهرباء وغيرها.
الشعب العُماني تحرك منذ وقت مبكر، وكان تعبيره مفعماً بما يعتلج في نفسه من ثقافة تجاه فلسطين والمسجد الأقصى، وبما أفرزه له التاريخ من عدوان غاشم بدأ في أثناء الانتداب البريطاني لأرض فلسطين في القرن الماضي، وقبل الحرب العالمية الثانية، عبر تنفيذ المظاهرات ونشر المقالات والتغريدات، بالإضافة إلى الموقف السياسي الثري، ثم ترجم كل هذا الدعم المعنوي بدعم على الأرض من خلال التبرعات الكبيرة التي وصل الكثير منها لسكان غزة، ووصول طبيب عُماني تهيأت له الظروف رغم تضييقات سلطات الاحتلال، متبرعاً لعلاج الجرحى والمصابين بغزة هو دليل أيضاً على أن هذا الشعب ما زال في عنفوان غضبه على المحتل، ويمتلك القدرة على تقديم المزيد، وهو ديدن الشعوب العربية بشكل عام.
ما نلاحظه أن ثقافة العدو لم تتغير، ينظر إلى نفسه باستكبار وعلو، بينما الشعوب الأخرى في منزلة دونية، وهذا ما يجعل الأفكار تتشوش في حال تفوقت الشعوب الأخرى خصوصاً العربية منها، بسبب وجودها في أدنى سلم التفضيلات الإنسانية والعقلية، وردة الفعل الإسرائيلية تكون في قمة البشاعة واللاإنسانية، وتلك النظرة مجرورة بثقافة متعالية خلفها لهم تاريخهم وتراثهم الإنساني.
اعتياد الدمار والقتل والتنكيل وافتعال التجويع لأهل غزة من شبابها وأطفالها ونسائها وعجائزها العزّل ما هو سوى القليل من عدو غاشم يستقوي بأمريكا التي تقوض كل قرار أممي ضد إسرائيل، الأمر الذي يجعلها في منتهى الشراسة غير عابئة بالأمم وهيئتها وأي نظام إنساني لا يخضع لإرادتها، النقطة الأخرى أن هذا الاعتياد وبعد كل هذه المدة جعل المشهد مفتوحاً وغير صادم لما تقوم به دولة الاحتلال في غزة، وهو وضع خطير، خصوصاً بعد قتل العديد من الصحفيين وإصابتهم ممن ينقلون الخبر بطريقة واضحة لا لبس فيها، وندرك تماماً أيضا أن انعدام الحياة في شمال غزة الذي جعل وصول أخبار الناس هناك غير مواتٍ لكثير من الصحفيين.
الحقيقة المعروفة عن الغرب وإسرائيل منهم أنهم يعيرون أهمية كبيرة للحيوان حيث جعلوا له يوم يحتفلون به وهو 4 أكتوبر من كل عام (يوماً للرفق بالحيوان)، وجعلت الولايات المتحدة الأمريكية منظمة باسم "هيومن رايتس" تهتم بحقوق الإنسان، والملاحظ من خلال حرب غزة أن اعتبارنا أياً مما ذكر غير متوفر في عقيدة الغرب عموماً، لأن إسرائيل أطلقت علينا حيوانات بشرية، فلم تحرك منظمات الرفق بالحيوان ساكناً، ثم يعتقد اليهود حيناً أننا بشر خلقنا لخدمتهم، وهنا فلت الأمر من منظمة حقوق الإنسان، ولم تحاول خلق توازن بين العبيد وأسيادهم على الأقل من ناحية الاشتراك الإنساني، وهي هفوة عميقة لا نجد معها سبباً وجيها سوى أن الأمر يبدو لا هذا ولا ذاك.
الجزء الإنساني هنا غير موجود بتاتاً، أقصد في الجناة بالطبع، ذلك أنهم مصممون على مبدأ الإبادة وعدم إبقاء أحد من هذه المخلوقات الغريبة التي تسعى لنيل حريتها وطرد المعتدين من الأرض، إبادة الشجر والحجر، الإنسان والحيوان، الحياة بعموميتها وشموليتها في غزة وعموم فلسطين.
ولأن تخصصي الاجتماعي يشير إلى فقدان الثقة بالعدو، فإن الأمر يكون أكثر قتامة، المشكلة حينها تكمن في اهتزاز عقل العدو بما رحب وبما جسّد الواقع من معلومات وبيانات يجدها في يوم واحد غير صحيحة وغير ثابتة رغم اعتقاده مسبقاً بالعكس، عندها يجن جنونه، ويتصرف كثور أهوَج لا يرجى منه سكون إلا بضربة على الرأس تفقده وعيه، ومن ثم يمكن التعامل معه والتعاطي المتزن مع الحدث، التعاطي المتزن بمعرفة الخلل الذي يمكن تتبعه والوصول إليه، وهو ما يجب معرفته بشكل عاجل، ولا أتصور أن المقاومة لا تدركه، لكن ربما طريق الوصول إليه في غاية الجسامة، والخطورة المقرونة بتوفر معلومات استخباراتية وميدانية للوصول إليه.
هذا باعتقادي أبسط ما يمكن أن يُفعل مع التصرفات الهمجية وغير الإنسانية التي نراها ونشهدها بغزة، ومن المهم الآن الترتيب لضرب الرأس، والرأس المقصود ليس رئيس وزراء الكيان أو الكنيست فقط وإنما أفضل ما يمكن أن تتباهى به إسرائيل وتفتخر بين الأمم، كيان اقتصادي قومي، أو دفاعي وطني، ضربة مدوية كمفاعل أو غيره.
وهذا الأمر ليس خارقاً في الحروب؛ لأن ذات الشيء تتبعه إسرائيل في غزة، تحاول ضرب الرأس حتى يكتمل وجع المقاومة وتخر وتنتهي (ولا أقصد بهذا قتل الشعوب لكنها تنفذ مخططها بطغيان شديد)، رؤوس أعضاء المقاومة والأنفاق هو كل ما لديها، أما استهداف قمة الشيء في إسرائيل فهو ما يجب أن يكون في أولوية مقاومي الاحتلال، ولنا في القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما اليابانية عبرة، ما أقصده هو إيلام إسرائيل في الداخل، إثخان وجعها بشيء أساسي لا يمكن بعدها مواصلة الحرب حيث تجد نفسها تخسر كل شيء.
كذلك، فإن رسائل المقاومة الحازمة وحتى تلك الرسائل التي تبتعد عن ميزان القوة لا ضير من بثها ليرتعد العدو وليمهل نفسه فسحة من تفكير ومتسع من وقت، وأقصد تلك الرسائل التي تزلزل العدو دون تمثلها في الواقع، رسائل تبتعد في أهدافها حتى مع فارق الإمكانات، هذه الرسائل مهمة جداً، حتى نبث الرعب والهيبة في العدو ونكسر اتزانه، عندما يشعر المسؤول أنه مستهدف فلن يقوم بعمله جيداً، سيعيش خوفاً ورعباً وهو على سرير نومه، وعندما نقصف مقرات القيادات، ومعسكرات التدريب، ونضعف القواعد الجوية التي هي سبب هذا الدمار، وغيرها يكون لنا نصيب أكثر من الانتصار على الأرض.
حب الحياة سوف يُخفّض من الاستمرار، سوف تتبدل الأولويات عند العدو، وستكون مسألة البقاء هي المسيطرة، وعليه سيكون أكثر توازناً، وستملي المقاومة حينها شروطها على نحو حازم، خصوصاً بعد أن تغيرت مؤخراً أساليبها في القتال؛ مما أحدث فرقاً في خسائر العدو، وليكن ما طرحناه ضمن الاستراتيجية القادمة أيضاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.