على بُعد أيام من نهاية شهر الحرب الخامس في غزة يقف العالم متفرجاً، يتابع الأخبار متململاً كأن ما يحدث في القطاع مشهد من مسلسلٍ قديمٍ ومستهلك.. حتى أن القلق صار مُفتقداً في هذه الأيام!
لم يعُد قادة الدول الإسلامية يتداعون في منظمة "تعاونهم" إلى قمم للشجب والاستنكار والتنديد، وافتقد الشارع العربي "جامعة" دوله وتحذيراتها من الأزمات الإنسانية والصحية وحتى البيئية.
وبينما صم مجلس الأمن آذانه عن صراخ الجوعى والمصابين والضحايا في القطاع كُرمى لعيون الفيتوهات الأميركية، صعدت إسرائيل همجيتها وأحكمت إيران رباطة جأشها عبر أذرعها وحلفائها، وتُرك المدنيون في غزة لمجاعةٍ تمزق أمعاءهم.. ولمذبحة "مليونية" قد تتربصهم برفح في قادم الأيام!
فمن يتحمل المسؤولية وفيما ينشغل العالم عن هذه المأساة الإنسانية؟
أين التعاون الإسلامي قبيل رمضان؟
لم تكن منظمة التعاون الإسلامي بدولها وقادتها على قدر تطلعات شعوب الدول الإسلامية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني في غزة، والذي يرزح تحت واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث.
لقد أظهرت الصور الأهالي في غزة يصنعون خبزهم من علف الحمير والبغال والحيوانات -أعز الله قادتنا المسلمين- ليسدوا جوعهم، فمعبر رفح مسدود أمام الإغاثة والطعام، والمعابر الإسرائيلية مغلقة لأن قاتل النفس لن يطعمها في نهاية المطاف!
ولما كان القادة المسلمون قد تعهدوا في القمة العربية الإسلامية العام الماضي بـ"كسر الحصار" عن غزة وإدخال المساعدات، يسأل المسلمون اليوم عن هذا العهد مع اقتراب حلول شهر رمضان.. حتى لا يصوم الغزيون ويُفطروا على "علف" الحمير!
جوع الفلسطينيين عربي لا إسرائيلي!
منذ تأسيسها، تداعت جامعة الدول العربية عند كل أزمة أو نزاع مسلح في دولها لاجتماعات طارئة، تعرب فيها عن "قلقها"، ويكون بيانها أحياناً شديد اللهجة وحافلاً بالاستنكار والتنديد.. دون فعلٍ ملموس يذكر.
لكن الأداء العربي الرسمي مع اندلاع حرب غزة كان استثنائياً: من قمة "طارئة" بعد شهرٍ على الحرب إلى إدانة الكفاح الفلسطيني، مروراً بالهرولة إلى التطبيع على الدم، وليس انتهاءً بعدم الضغط على إسرائيل بغية إدخال المساعدات.
أبعد من ذلك، فقد كشف الرئيس الأمريكي أنه أقنع نظيره المصري بفتح معبر رفح بينما كان الأخير ممتنعاً! هل وصل الخلاف مع التنظيمات الفلسطينية من قبل القيادة العربية إلى درجة تجويع الفلسطينيين؟
إيران تنسحب من المشهد
على المقلب الآخر، آثرت طهران خلال حرب غزة الخروج بشكل شبه كلي من الصورة، وتركت علامات استفهام كثيرة حول تبنيها للقضية الفلسطينية بالمعنى العسكري، لأن الكلام الإيراني لا يتماهى مع سلوك "ضبط النفس" الذي أعلنته رداً على تهديدات أمريكية وإسرائيلية.
من كلام المرشد الإيراني علي خامنئي عن البراءة من طوفان الأقصى، إلى الهدوء العسكري عقب اغتيال قادة الحرس الثوري في سوريا، كما ترك الشعب الغزي لمصيره خالياً إلا من الخطابات، يظهر تراجعاً إيرانياً لحساب القوى "الإمبريالية والصهيونية".
وقد شهدت الساحات الحليفة لطهران توترات ومناوشات مع أعمدة المراقبة الإسرائيلية وأطراف القواعد الأمريكية، لكن خفض التصعيد (من قِبل حلفاء إيران) على جبهات الجولان والعراق أقله، مؤكد وفق البنتاغون منذ مطلع فبراير.
الأمن الدولي بين أمريكا وإسرائيل
دولياً، لم يحرك مجلس الأمن ساكناً أمام اليد الأمريكية التي ارتفعت مراراً، رفضاً لوقف إطلاق النار بغزة. ومن البديهي أن تقويض نفوذ إسرائيل سيقابل برفض أمريكي، لكن ترك أمن العالم رهينة باليد الأمريكية والبندقية الإسرائيلية خطيئة!
لقد أفشلت واشنطن قرارات روسية – إماراتية – جزائرية بشأن إحلال السلام في غزة. وهي حين بادرت قامت بصياغة قرار بوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، دون تحديد موعد طرحه أو تاريخ التصويت عليه!
أما عن إعلانها عن عدم تأييد اجتياح رفح التي تعج باللاجئين المدنيين فهذه قمة الازدواجية! كيف لا تؤيد وهي تدعم إسرائيل سياسياً ومالياً وعسكرياً؟ واشنطن تبيع المجتمع الدولي أوهاماً كما هي العادة الأمريكية.
أدركوا جنوب غزة قبل المذبحة
وعلى ذكر رفح، فقد لوح عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس بعملية عسكرية مرتقبة في مدينة رفح جنوب غزة على أبواب شهر رمضان، وهي المدينة التي يلتجئ إليها أكثر من مليون فلسطيني هرباً من آلة الحرب الإسرائيلية.
وإذا كان الحديث عن هذا العدد الكبير من اللاجئين في رفح تقابله دقة إسرائيل في تحديد الأهداف، مثل استهداف الطفلة هند ذات السنوات الست خلال "البحث" عن مقاتلين، أو كسقوط ما يزيد على 30 ألف ضحية في غزة، فضلاً عن عشرات آلاف الجرحى والمصابين، فإن ما سينتج عن هذه العملية العسكرية هو حمام دمٍ ومذبحة!
العالم مدعو بعربهِ وغربهِ، بدياناته السماوية وبأخلاقياته، بضمائر قادته وبجهود منظماته، ومدعوٌّ بإنسانيته أولاً وأخيراً إلى منع هذه المذبحة قبل أن يفوت الأوان، كما أن عليه الضغط بكل السبل لتأمين وصول الإغاثة والدواء والغذاء لوقف المجاعة.. وإلا فليعلن نعيَ مبادئه وليشيع ضميره إلى مثواه الأخير!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.