الزواج في الوطن العربي.. لماذا يُقيَّم الشاب على قدر ماله؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/22 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/22 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش

على مر التاريخ تم الاهتمام بعلاقة الإنسان بالمادية المتمثلة في صورتها المعروفة وهي المال، وتغير شخصية الإنسان بتفاوت ما يملك وما يستطيع أن يقدمه، ولكن تلك الصورة تغيرت أكثر في السنوات الأخيرة مع انتشار تطور التكنولوجيا، وتحول العالم إلى قرية صغيرة، أدى ذلك إلى ما هو أكبر مما تتحمله قدرات الأفراد النفسية والمادية، فحِمل الإنسان زاد، لأن طموحات الأفراد تفاقمت، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي أو الأفلام والمسلسلات، وظهور رواد تلك الأعمال بسيارات فارهة أو بيوت باهظة، والسفر من هنا إلى هناك، وأنماط من الحياة التي تعتبر غير واقعية للفرد العادي، وتجعله يظن أنه غريب ومتأخر، ويعاني الفقر والقحط، وينظر لنفسه نظرة دونية هزت ثقته الداخلية.

وأكثر ما عزز تلك الفكرة في خلجات الفرد العادي، أنه عندما يذهب لطلب يد إحداهن للزواج يُفاجأ أنه ليس بكفء، لا لأن خلقه سيئ أو غير حاصل على شهادة جامعية معتبرة، بل لأنه لا يمتلك الأموال الكافية التي تريدها عائلة العروس، ولا يستطيع أن يلبي الطلبات الوهمية التي تنبع من رؤوس ليست بالعاقلة، بل رؤوس غلبها المرض المادي الذي يقضي على المجتمعات، المرض الذي تغلغل شيئاً شيئاً في أفراد مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مرض من الصعب التخلص منه؛ لخلو الأخلاق والدين، والبعد عن البوصلة الصائبة التي من المفترض أن تؤدي إلى مجتمعات أكثر هدوءاً وأكثر تفهماً ووعياً.

فمن الأسباب الأساسية لزيادة نسبة الطلاق هي الاختيار الخاطئ من البداية، الاختيار على أسس مفككة، أسس لا تقيم بيتاً، بيتاً مسؤولاً يحمل قيماً أو يربي أجيالاً، بل يأسس على المادة دون الروح، على المصالح لا النبل والأخلاق، على الاستغلال والنفوذ لا على المودة والرحمة، فالنتيجة كانت طبيعية، وهي أن نرى مجتمعاتنا العربية تفسد وتتدهور تدريجياً، وأن نرى حالات الأمراض النفسية تزيد وتنتشر بين جميع الفئات العمرية، خصوصاًالأطفال، والكره يغلب الحب، والجرائم تحدث أكثر من سنوات سابقة، أليس هذا مؤشر على ضرورة أن نغير تفكيرنا في طرق اختيار الزوج أو الزوجة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مجتمعاتنا؟!

الزواج الذي هو حق طبيعي لأي إنسان عاقل أصبح الآن من الزوائد الصعبة، لعدة أسباب اقتصادية لدولنا العربية، وكما ذكرنا سابقاً أن النظرة السطحية المادية التي لا تفكر في الخُلق والشرف والعائلة، قبل المال والأملاك والمصالح هو إحدى أكبر الأسباب، لكن كيف يمكننا تغيير المجتمع لينظر للزواج بطريقة أخرى؟

المعايير التي على أسسها نختار شركاء الحياة هي منبع الصلاح أو الفساد، فالمادة ليست هي المعيار الصحيح لقياس تلك الأمور الشائكة والمصيرية، بل الأخلاق والنسب والشرف من المفترض أن نقيس عليها معاييرنا في اختيار الزواج، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" رواه الترمذي وغيره.


وأيضاً على النظير، فاختيار الزوجة الصالحة معيار صلاح المجتمع ونموه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تُنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه البخاري ومسلم.

فنظراً لما سبق نجد أن الفرد يحتاج لتغيير عقليته في أشياء مفصلية مثل الزواج، فلتحسين منظومة أي دولة يجب أن نبدأ بمنظومة الصلاح، وهي منظومة الأسرة الصالحة التي تعتبر العنصر الأساسي لبناء المجتمع، فإن حسنت الأسرة حسن المجتمع، وبالتالي ستنتج أمة تقية صالحة، تحب النقاء وتكره الفساد، تحب الأمانة وتكره الغش، ما علينا فقط أن نهمل المادة قليلاً، وننظر للروح والأخلاق، حينما نفعل ذلك ستتغير أمور شتى، وستقر أعيننا بالنعيم العظيم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر هشام مغربي
كاتب مصري
مهندس وكاتب مصري، له العديد من المقالات والقصص المنشورة. من أعماله "أذنبت مرة أخرى".
تحميل المزيد