مئة وسبعة وثلاثون يوماً من الإبادة.. متى يكتفي الاحتلال الإسرائيلي من القتل؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/21 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/21 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
عناصر من جنود الاحتلال في قطاع غزة/الأناضول

مئة وسبعة وثلاثون يوماً يا غزة وتحملتِ وحدك فيها أبشع طغيان عرفته البشرية على الإطلاق. لقد تحملتِ على مدى مئة وسبعة وثلاثين يوماً ثقل الحصار الذي لا هوادة فيه، وقبضة العدوان الإسرائيلي الإجرامي التي ضاقت حول حلقك، وفي ظل المباني المتهدمة، في الأعلى والأسفل، ما زلتِ تواصلين القتال بمفردك، لكن بثبات.

مئة وسبعة وثلاثون يوماً من الإبادة الجماعية، ليست حرباً فقط، بل حملة لا هوادة فيها من التطهير العرقي. مئة وسبعة وثلاثون يوماً من الجوع، من البرد القارس، من الخيانة والخذلان.

قرن من الحصار المستمر والعدوان الذي لا ينضب، ومئة وسبعة وثلاثون يوماً حيث يملأ أزيز الطائرات الحربية اللعينة الهواء، وهو تذكير دائم بالهلاك الوشيك. وبينما تشاهدون، في انتظار تحرك العالم، يبدو كل يوم يمر وكأنه قرن من الزمان.

غزة، حصن الصمود، حيث تقف الشجاعة والإيمان الراسخ بالله عز وجل ركائز ضد الاستبداد، وهي تقف اليوم وحيدة في وجه أحقر وألعن احتلال عرفته البشرية. غزة، الأرض التي يتخلل فيها الشرف كل نفس؛ حيث إرث أولئك الذين عاشوا وماتوا محفور في النبل.

 بالنسبة لهم، لا يقاس النصر بالانتصارات ضد المقاومة، بل بالذبح المتعمد للأطفال والمدنيين. إن حربهم ليست حرباً ضد المقاومة، بل هي حملة شرسة ضد جوهر الوجود الفلسطيني في غزة.

وبدقة لا ترحم، لا يدخرون أي ملاذ، فالمنازل والمساجد وحتى المقابر تقع فريسة لجشعهم الذي لا يشبع من أجل الهيمنة. إنهم ينحدرون إلى أعماق لا يمكن تصورها، ويدنسون حرمة الشهداء بنهب أعضائهم، ونهب ثروات الفلسطينيين وممتلكاتهم التي اكتسبوها بشق الأنفس. ومع ذلك، خلف هذه الواجهة من القوة يكمُن عدو جبان، مهزوماً ومشلولاً، غير قادر على مواجهة قوة المقاومة الحقيقية. إن معركتهم ليست معركة ضد المقاومة، بل هي مشهد عدواني بشع يستهدف العزل. ماذا يمكن للمرء أن يتوقع من جيش البامبرز، جيش التيك توك؟!

غزة، سيمفونية يومية من الدمار الذي لا هوادة فيه، تعزف أمام أعيننا بقوة مدوية. كل ركن يحمل ندوب الحرب التي لا تنضب، غارقة في الألوان القرمزية للتضحية والمعاناة. الهواء نفسه مختنق برائحة الدماء المسكوبة، وهو تذكير مؤلم بالعزيمة التي لا تتزعزع لأولئك الذين يقاومون. وفي كل لحظة تمر يولد شهداء جدد، وتصعد أرواحهم إلى السماء وسط الفوضى في الأسفل. وسط وابل القنابل المتواصل، تتردد صرخات المصابين في الشوارع المليئة بالركام، وهي سيمفونية من الألم يتردد صداها في جميع أنحاء الأرض. في الأعلى، تراقب الأشباح الصامتة لأولئك الذين تجرأوا على الوقوف ضد الطغيان في وطنهم، بينما في الأسفل، تشرب الأرض من دمائهم ودموعهم. إن غزة، التي كانت ذات يوم معقلاً للتحدي، تقف الآن شاهداً على الصمت المطبق في العالم. إن الكلمات الجوفاء والإيماءات الفارغة والإدانات والاستنكارات لا تقدم شيئاً، بينما تستمر غزة في الاحتراق بنيران الظلم واللامبالاة.

إن واقع الحياة في غزة تحت وطأة العدوان المستمر هو شهادة مروعة على المعاناة الإنسانية والقدرة على الصمود. هل رأيتم حقاً كيف يتحمل أهل غزة يوماً بعد يوم، حيث يطغى على حياتهم التهديد المستمر بالاستهداف والدمار؟ هل يمكنك أن تشهد على مشاهد اليأس والألم التي يعيشونها، وصراعاتهم المحفورة في نسيج وجودهم؟ إذا وجدت نفسك غير مبالٍ بمحنتهم، فأنا أناشدك أن تبحث في روحك، لأن القلب الذي لم تمسّه معاناتهم هو قلب خالٍ من الرحمة. خُذ لحظة للتفكير في إنسانيتك، لأنه من خلال الاعتراف بألم الآخرين نفهم حقاً عمق ضميرنا.

هل سمعت يوماً عن أحلام اختُزلت إلى مجرد البقاء على قيد الحياة؟ هل يمكنك فهم يأس أولئك الذين تكون تطلعاتهم أساسية مثل كيس طحين أو كوب ماء؟ تخيل، إن شئت، عالماً يصبح فيه العمل البسيط المتمثل في إرواء العطش أو العثور على الدفء حلماً بعيد المنال. هل سبق لك أن تأملت في الواقع القاسي الذي يواجهه أولئك الذين يتوقون إلى أبسط الضروريات؛ مثل المأوى من البرد القارس؟ في عالم يعاني من عدم المساواة والظلم، فإن امتلاك خيمة يعتبر موطناً لهم هو بالفعل حلم هائل بالنسبة للكثيرين. 

والحقيقة أن الواقع المرير للحياة اليومية التي يعيشها كل فلسطيني في غزة يشكل حقيقة قاسية لا يمكن تجاهلها. وكل يوم يحمل معه نفس المعاناة التي لا هوادة فيها، وهي عبء يتقاسمه شعب بأكمله على أرضه. وطنهم، حقهم الطبيعي، محاصر من قبل احتلال إسرائيلي مجرم يسعى إلى تجريدهم من كرامتهم وسيادتهم.

ما الذي يمكن توقعه من شعب ليس لديه أرض ولا تراث ولا حتى هوية؟

إن روح الشعب الفلسطيني تتوهّج بنار لا تطفأ. إنهم ليسوا مجرد ناجين؛ إنهم محاربون، يقاتلون قوى القمع بشجاعة وتصميم لا يتزعزعان. إن نضالهم ليس مجرد صراع من أجل الأرض أو الموارد؛ إنه كفاح من أجل روح الإنسانية ذاتها، كفاح من أجل العدالة والحرية والحق في الوجود بشروطهم الخاصة. ورغم أن الطريق أمامنا قد يكون محفوفاً بالمصاعب والتضحيات، فإن الشعب الفلسطيني لن يتعثر. ففي قلوبهم ينبض نبض أمة لا ترغب في إسكاتها، ولا ترغب في محوها من صفحات التاريخ. إنهم حراس الأمل، ووكلاء الصمود، وتجسيد التحدي الذي لا يتزعزع في مواجهة الطغيان.

على مدى أشهر متواصلة، عانت غزة من الإبادة بلا هوادة، في حين وقفنا، كشعب، مكبلي الأيدي، مجرد متفرجين على الفظائع التي تتكشف من مسافة بعيدة. إن هذا الشعور بالعجز، هو خنجر في قلب ضميرنا الجماعي. كل قطرة دم تسيل على التراب المقدس، وكل دمعة تذرفها أم شهيد مكلومة، وكل معدة طفل جائع تقرقر يأساً، وكل جسد يرتجف يتعرض للبرد القارس يُثقل كاهل أرواحنا. إنه عبء لا يمكننا تحمله، ووصمة عار على إنسانيتنا لا يمكن غسلها. وفي كل لحظة نبقى فيها صامتين ومتواطئين في تقاعسنا عن العمل، فإننا لا نخون القضية الفلسطينية فحسب، بل نخون أيضاً جوهر إنسانيتنا المشتركة. وليعلم أن لعنة الخيانة ستطاردنا جميعاً حتى ننهض متضامنين. 

أما رفح الملجأ، الذي كان ذات يوم يعتبر معقلاً آمناً وسط الفوضى السائدة في غزة، أصبح الآن رمزاً مؤرقاً للهجوم الذي لا هوادة فيه الذي يواجهه أهل غزة. لقد تحطمت فكرة الملجأ بحد ذاتها بسبب هدير القنابل الذي يصم الآذان وصرخات الأبرياء الصامتة. فهل يستمر العالم في إطلاق الإدانات الضعيفة، بينما تحترق رفح، أم أنه سوف ينهض بغضب لا ينضب للمطالبة بالعدالة لأولئك العالقين في بوتقة الحرب؟.

فلتكن أصواتنا تزأر مثل الرعد، لتهز أعمدة الطغيان، بينما نرفض الاستسلام لأغلال الظلم. مع كل قضمة من بيج ماك وكل جرعة من كراميل ماكياتو، نمتلك القدرة إما على دعم الطغيان أو تحديه. لا تدع الأقواس الذهبية أو جاذبية حورية البحر الخضراء تحجب بوصلتنا الأخلاقية؛ وبدلاً من ذلك، فلتتحول محافظنا إلى أدوات للتمرد. وفي ساحة المعركة الاستهلاكية هذه، فإن خياراتنا ليست مجرد معاملات، بل هي إعلانات تضامن. حتى لو وقفنا منفردين في مقاطعتنا، فلتكن عزيمتنا صلبة مثل الفولاذ المحصن، منيعاً أمام إغراءات الراحة.

ومهما حاولوا طمس الحقيقة أو إخفاء الواقع المرير للاحتلال الإسرائيلي، فإن خداعهم سوف ينهار مثل قلاع الرمل أمام المد. لأنه وبكل بساطة، لا أرض لإسرائيل؛ لا يوجد سوى فلسطين، وعاصمتها الشرعية القدس، لا أكثر. ولا يمكن لأي قدر من الدعاية أو الباطل أن يغير هذه الحقيقة الثابتة، لأن الحقيقة تقف ثابتة، ومنارة الأمل وسط ضباب الخداع. 

 قد يحاول المغتصبون إعادة كتابة التاريخ، لكنهم لن يتمكنوا من محو روح الشعب الفلسطيني التي لا تقهر أو إطفاء شعلة قضيته. ستبقى القدس إلى الأبد قلب فلسطين وروحها، وهي شهادة على صمود ومثابرة أمة لا تخشى الشدائد.

وبينما تمتد الأيام إلى سنوات وتمتد الدقائق مثل ساعات لا نهاية لها، لا نجد عزاءنا إلا في القوة التي منحها لنا الله تعالى. هل ستتوقف هذه الحرب التي لا هوادة فيها؟ وهل سيعود المشهد الممزق في غزة إلى هدوئه السابق؟ إيماننا بالله عز وجل فقط ، لأنه ملجؤنا الوحيد في هذه الأوقات المضطربة. يا غزة، السلام عليك ورحمة الله وبركاته وأنت تصبرين على المحن. وأولئك الذين يغضون الطرف عن معاناتكم، سينالهم القصاص العادل من الله عز وجل. ففي مواجهة الظلم والخذلان، لا تكمُن ثقتنا في قوى الإنسان الزائلة، بل في عدالة الله سبحانه وتعالى الأبدية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حفصة دهوار
كاتبة ومدونة
كاتبة ومدونة
تحميل المزيد