منذ اللحظة الأولى التي أعقبت عملية طوفان الأقصى دأبت كل الحكومات والدول الداعمة لإسرائيل، وخاصة الاستعمارية منها، ووسائل الإعلام التابعة لها لتسجيل موقف إدانة لساني يقدمه الضيوف العرب والفلسطينيون والمناصرون لفلسطين على شاشاتها ضد العملية، من خلال وصمها بالعملية الإرهابية من قبلهم أولاً، وكأن هذه المسألة هي الجوهر الذي تقوم عليه كل المقابلة والطرح الإعلامي منه والسياسي، في سعي عميق يهدف من خلال كل المستويات السياسية والإعلامية الغربية عند إدانة العملية إلى تحقيق خلط بين العنف الناجم عن التطرف والإرهاب، والعنف الناجم عن العمل المقاوم وحركات التحرير كرد فعل عنيف على عنف الاحتلال المتراكم ضد الشعب الواقع تحت الاحتلال.
وفي هذا السياق، لجأ وما زال يلجأ العديد من السياسيين ووسائل الإعلام الغربية إلى تشبيه عملية طوفان الأقصى في حيثياتها وضخامتها ودوافعها بهجوم الحادي عشر من سبتمبر، والتركيز على مصطلح هجوم بدلاً من عملية، وذلك ليس بغية نزع الفعل المقاوم من سياقه التاريخي في فلسطين ورفع اللوم عن الاحتلال وجرائمه المتواصلة منذ أزيد من 75 عاماً فحسب، بل لتجريم الفعل المقاوم كله السابق منه والحالي واللاحق، وإظهاره كفعل "إرهابي تشنّه مجموعة متطرفة إرهابية" لا يرتبط بوجود الاحتلال ولا يمثل الشعب الواقع تحت الاحتلال وحقه بالمقاومة كرد فعل بالضرورة، بل يمثل سلوكا اجتماعيا ثقافيا عميقا جوهره الهمجية المتجذرة لدى هذا الشعب وفقا لسردية المتدنية الغربية المهيمنة، وصولاً إلى المرحلة التي تجعل المتابع الأوروبي والغربي وغير العارف بمجريات الأحداث في فلسطين وسياقها التاريخي منذ نكبة العام 1948، وربما قبل ذلك، يقع في قوقعة تجريم المقاومة كفعل طبيعي، ووصمها بالإرهاب بناء على الإدانات اللسانية من فلسطينيين وعرب، في ديباجة لوم نمطي للضحية لمحاولتها الدفاع عن نفسها فقط.
ولكن على النقيض من ذلك، وحتى إن دان أي ضيف الفعل العنيف للمقاومة، يغفل الإعلاميون والسياسيون الغربيون حقيقة أن المساقات الأكاديمية الغربية التي درسوا منها، وكثير من الدراسات والأبحاث المحكمة التي تتداولها أكاديمياتهم والتي لا يمكن حصرها، وبالتحديد المتعلقة منها بدراسات ما بعد الاستعمار وكثير من الدراسات الإعلامية المتعلقة بالعلوم الإنسانية وعلم الاجتماع، تدين إسرائيل كدولة استعمار واحتلال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إما كاحتلال جديد عنيف يولّد حركة تحرر ومقاومة عنيفة ضده كحالة حتمية يقع فيها الشعب الذي تحت الاحتلال، أو لكونها دولة استعمارية إحلالية استيطانية تمثل نموذجاً متسلسلاً يكمل مسيرة الاستعمار ونظرية التفوق الأوربي القديم.
مع الإشارة إلى أن كل ذلك موجود أكاديمياً بالرغم من كون الفئات المهيمنة على المعاهد الغربية منحازة لإسرائيل، وبالتالي بناء على ذلك تصبح إدانة الضحية وتجريم الفعل المقاوم على المستويين السياسي والإعلامي، وحتى إن جاءت لضرورة توجيه مسار النقاش وبلسان بعض المدافعين عن القضية، تصبح إدانة للمحتل والمستعمر على المستوى النظري الأكاديمي في الغرب، وتجريماً له على كل ما اقترفه من جرائم أوصلت صاحب الأرض إلى المقاومة العنيفة لاسترداد شيء من حقوقه، أو لمحاولته الحفاظ على وجوده دون تعرضه للطمس و النسيان و الإبادة التامة كالذي حدث في تجارب شعوب استعمرها الأوروبيون في مرات سابقة يشهد عليها التاريخ والبحث الأكاديمي الغربي نفسه، ولا يمكن لأي صوت أياً تكن نيته وحجته من إدانة عنف المقاومة التغطية على المسبب الحقيقي لذلك وهو المستعمر، وبالتالي لا يمكن استخدام تلك الإدانة كمبرر يشرعن أي جريمة جديدة بحق السكان الأصليين.
تقوم نظرية إدانة الفعل المقاوم وتجريمه في دول غربية، مثل هولندا على سبيل المثال لا الحصر، على مبدأ الاستمرارية وألا تتوقف الدعاية مهما مر على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، بأن يتم بين الحين والآخر تقديم قتلى عملية الطوفان الإسرائيليين والأسرى لدى المقاومة على أنهم ضحايا مساكين أبرياء لهجوم إرهابي، ولديهم قصص إنسانية مؤثرة، في حين يتم تقديم شهداء قصف الاحتلال الإسرائيلي الذين تفوق أعدادهم بأضعاف مضاعفة على أنهم مجرد أرقام ضحايا حرب وأضرار جانبية، وهذه بطبيعة الحال إحدى الأدوات الإعلامية والسياسية الكثيرة؛ إذ يتم التذكير بهجوم أكتوبر على أنه فعل ارهابي في كل حين وإغفال إبراز جرائم الاحتلال التي تفوق الهجوم لأضعاف مضاعفة، وهذا مستمر إلى اليوم أي بعد 4 أشهر ونيف على العدوان المتواصل الذي أعقب عملية طوفان الأقصى.
إحدى الأدوات المستخدمة أيضاً هي "التلقين الإعلامي والسياسي" وهي الطريقة التي لا يفترض بالدول الديمقراطية استخدامها بل هي أسلوب شمولي بحت استخدمته وتستخدمه دول لديها استثمار كبير في مسالة " البروباغندا" مثل الدول الاشتراكية والشيوعية وألمانيا النازية سابقاً، وكذلك الأنظمة العربية الحالية التي تقمع الثورات الشعبية، ففي عديد المظاهرت الضخمة المناصرة لفلسطين في أمستردام مثلاً، استخدمت الحكومة سلاح الطيران ليس للقصف الجوي، بل لتلقين رسائل للمتظاهرين تدعوهم في جوهرها لنبذ وتجريم المقاومة، حيث كان الطيران الهولندي المتكفل بسلامة المدينة خلال المظاهرات يحلق من على مسافات غير مرتفعة ويحمل يافطات عليها عبارات باللغة الإنكليزية يمكن لكل المارة والمواطنين في المدينة رؤيتها بالعين المجردة، منها مثلاً ما يقول: "أحبوا الحمّص وليس حماس".. "اصنعوا الفلافل وليس الحرب" في محاولة للعب بالكلمات والمعاني الظاهرية والعميقة.
وإن تم التدقيق في عمق هذه الطريقة يمكن معرفة أنها تمثل خلاصة الفكر الاستعماري الغربي الأوروبي الاستعماري المنحاز لرواية الاحتلال والمجرم للمقاومة الفلسطينية على المستويات كافة الإعلامية والرسمية والسياسية وحتى العسكرية، فكل الرسائل وفكرة الإعلامين الحربي والرسمي وفكرة التفوق العرقي حاضرة بقوة، كما أن الخوض في تحليل تفاصيل هذه العبارات يكفي لفهم الخلط بين مفهومي السلام والعدل من وجهة نظر غربية، وبين مسألتي المقاومة العنيفة والعمليات المفاجئة لحركات التحرر الوطني التي هي رد فعل طبيعي على حروب الاحتلال وليست الحرب بحد ذاتها والحرب التي يمكن للمحتل أن يشنها دائماً ضد الشعب ومقاومته بصرف النظر عن وجود مقاومة عنيفة أو أقل عنفا لاعتبار أنه احتلال والطرف الأقوى.
كما أن الحقد المبالغ به ضد الفعل المقاوم أوصل الإعلام الهولندي إلى سقطة مهمة، وهي الاعتراف غير المقصود بأن الفلافل والحمص أكلتان فلسطينيتان وليستا إسرائيليتين، في مشهد يعكس أزمة حضارية أخلاقية، تؤكد الفشل بالتمييز بين تاريخ الشعب الأصلي صاحب الحمص والفلافل وبين المحتل الذي يسرق هوية السكان والبلاد، بما فيها المطبخ والطعام، وكله مقابل تلقين الجمهور فكرة تهدف لتجريم المقاومة بغض النظر عن حركة التحرر التي تمارس الفعل المقاوم وهي حماس حالياً، لكن ما لم يعلمه كابتن تلك الطائرة، أو ربما يعرفه ولا يرغب بتعميمه، هو أن المقاومة هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على هوية الشعوب التي تحت الاحتلال ليتمكنوا من صناعة الفلافل والحمص بعد فرضهم سلاما على الاحتلال الذي يحاربهم، وهو سلام يبنى على العدل ونيل الحقوق لا على الخضوع للتهميش والإلغاء وكأنهم غير موجودين.
في هذا السياق، يؤكد إيلان بابيه وهو واحد من المؤرخين الإسرائيليين الجدد والذي صار مناصرا لفلسطين و معاديا للصهيونية وهو محاضر في جامعة إكستر البريطانية، يؤكد في إحدى محاضراته بعد عملية ٧ أكتوبر أن عنف الاحتلال الإسرائيلي الناجم عن الفكر الصهيوني والصهيونية الدينية والقومية المتطرفتين اللتين تقودان إسرائيل الدولة الاستعمارية حالياً يصعب أن يقابله إلا مقاومة عنيفة جدا تماما كما جرى في طوفان الأقصى تتناسب طرديا مع عنف المستعمر، وهذا رأي أكاديمي "يهودي" مهم لتفسير نظرية الحتمية البنيوية في علم الاجتماع والتي تعني في حالة المضطهِد وضحيته الواقعة تحت الاضطهاد أن ردة فعل الأخير هي نتيجة حتمية لفعل الأول، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك.
وأما زميله الأستاذ الجامعي الأمريكي اليهودي نورمان فنكلشتاين، صاحب كتاب صناعة الهولوكوست وهو الكتاب الذي يبين زيف الأسس التي تقوم عليها البكائية الصهيونية الحالية، فيؤكد في أحاديث عديدة عبر وسائل الإعلام بعد عملية الطوفان أن تجاهل العالم لحقوق الفلسطينيين ولا سيما تهميش سكان قطاع غزة وفرض الحصار عليهم طيلة 18 عاما هو ما أفقدهم الأمل وماكان ليؤدي نتيجة كل الضغط الإسرائيلي سوى للانفجار، وهذا الرأي الذي يعتد به أكاديمياً يقود مجدداً إلى دحض كل الإدانات السياسية والإعلامية الغربية لفعل المقاومة لأن تلك الإدانات بطبيعة الحال تمثل إدانة للسبب الجوهري لكل ذلك الحال المزري للشعب المحاصر الذي أوصل حركة تحرره الوطني إلى نقطة الذروة ولا يقود سوى إلى حجة واضحة، وهي أن أي تجريم لحركة المقاومة أو الفعل المقاوم ترد عليه الشخصيات والنظريات الأكاديمية الغربية واليهودية بتجريم المستعمر نفسه على ما أوصل إليه ضحاياه وليس العكس.
وفي ما يتعلق بفكرة التلقين الإعلامي والسياسي التي يستخدمها الإعلام والسياسيون الغربيون لدفع الناس نحو وسم حركة التحرر الفلسطينية بالإرهاب وتجريم عملياتها، يمكن القول إنه لا أحد يحق له أن يفرض على أي شعب إن كان تحت الاحتلال أم لم يكن من يختاره الشعب قائدا لمرحلته ومن يراه هذا الشعب بطلاً أو إرهابياً، فالمسألة لا تقوم على رؤية غربية يتم تلقينها وفرضها على الشعوب في هذا السياق؛ لأن القضية بالنسبة للشعب لا تقوم على مصلحة هذا الآخر، بل على مصلحة الشعب نفسه الذاتية و الموضوعية وقضيته وما يتناسب مع إنهاء المأساة التي تمسه، ويتعلق الأمر بحركة سياسية وفكر إيديولوجي يشكل جزءاً لا يتجزأ من نسيجه المجتمعي والسياسي ولا يحق للآخرين الإملاء عليه في اختياره أو تكوينه بقدر ما يحق له هو الاختيار هذا من جهة، وتحسين بنيته من خلال مواجهة ومقاومة المستعمر وداعميه والتخلص منه كخطوة أساسية وجعل تلك المقاومة بنية أساسية له كأمة تسعى لتقرير مصيرها والاكتفاء بنفسها هذا من جهة أخرى.
وكما يشير المفكر العربي عزمي بشارة في هذا الخصوص إلى احتمالية الاتفاق أو الاختلاف من قِبل الشعب نفسه مع حركة التحرر الخاصة به وحماس مثالاً في الحالة الفلسطينية والاتفاق أو الاختلاف الممكن هنا مع رؤيتها على عملية الطوفان من حيث التوقيت والتفاصيل وقد يكون الخلاف الوطني على حركة التحرر نفسها من حيث طريقة إدارتها للصراع مع المستعمر وآليات نضالها ورؤيتها للحل النهائي للقضية وكثير من الأشياء والأمور وهذا حق، ولكن لا يفترض أن يكون هناك خلاف على أحقية الشعب وكل حركات تحرره بالمقاومة ضد الاستعمار أو على فكرة المقاومة بحد ذاتها أيا يكن حامل رايتها، وهذا تماما يبلور فكرة أحقية الشعب نفسه في اختيار ممثليه دون تلقين من أحد ويبين الفارق بين مسألة حق الشعب الفلسطيني بالوجود والدفاع عن نفسه والتحرر، ومسألة استخدام تجريم إحدى حركات تحرره الوطني كذريعة لإبادة كل الشعب واعتبار أن مقاومته للاحتلال كفعل شعبي إنساني، وهكذا يمكن دحض المحاولات الغربية ومن ورائها الصهيونية لتأليب الشعب العربي أو الفلسطيني الواقع تحت الاستعمار ضد حركة مقاومته بهدف تجريم فعله المقاوم وحقه بالبقاء والاستقلال.
تنبع فكرة التجريم الإعلامي والسياسي الغربي لحق الشعب الفلسطيني في اختيار إحدى حركات تحرره، ومنها حماس كخيار سياسي حالي في العمق السياسي الإيديولوجي للفكرة من بعض المدعين للفكر الليبرالي من العرب، وربما بينهم فلسطينيون، وذلك بسبب كرههم الإيديولوجي لحركة سياسية وصولا إلى الحد الذي لم يعد لديهم معه المقدرة على التمييز بين تماهيهم مع رواية السلطات القمعية والاستعمارية وبين موقفهم من حق الشعب بالمقاومة والتحرر وعدم احترامهم حق الشعب اختيار ممثليه أو حتى احترام الاختلاف الإيديولوجي مع التيارات الفكرية والسياسية الأخرى، وكل ذلك يقوم أساسا على مسألة تغليب الرؤية الإيديولوجية الضيقة التي يراد لها أن تعم على حساب المبدأ الليبرالي الذي يفترض أن يقوم على احترام الحريات بكل أنواعها الفردية كخيارات أفراد والجماعية كخيارات جماعات وأمم وشعوب.
وفي بعض الأحيان يتلاشى لدى الليبراليين و النيوليبراليين بمن فيهم من عرب متلبرلين الحاجز الفاصل بين النقد الذي يحق للجميع قوله بشأن حركة سياسية يختلفون معها وبين النقد بهدف التجريم الذي يتحول إلى تجريم عام فوق إديولوجي يلوم حركة تحرر وطني على ممارستها الفعل التحرري وينسف كل مشروعها وخياراتها السياسية ويحملها مسؤولية الدمار والقتل الذي يفترض أن يوجه للقاتل وهو المستعمر لينتقل التجريم بعدها بالنتيجة إلى تجريم حقي الشعب في الاختيار السياسي والمقاومة ضد المستعمر ما يجعل هذه المسألة تبرر اضطهاد الشعب كله، وهو ما يضع بالنتيجة كل الحالة الليبرالية التي تبحث عن لوم إيديولوجي لحركات التحرر كماكينة تخدم نظريات تبرير الاستعمار الغربي والتفوق العرقي والأخلاقي الغربي بدلا من أن تكون هذه الليبرالية جزءا من مدرسة ما بعد الاستعمار الهادفة حقا لتحطيم البنية الاستعمارية وتبعانها الكارثية على الشعوب والمجتمعات كافة.
وما لا يراه المتلبرلون العرب في هذا الخصوص، هو أن الصهاينة بكل أطيافهم الحالية المتلبرل منها والمتدين تضع التحاقد الإيديولوجي بمنزلة أقل من منزلة حربها ضد العدو المزعوم وهو الفلسطينيون جميعهم، متحدين بكل إيديولوجياتهم حول المشروع الصهيوني الذي يضمن لهم الاستمرار والخلاف تحت سقفه، وهو ما يجب أن تكون عليه حال العرب والفلسطينيين بكل فئاتهم وإيديولوجياتهم وبصرف النظر عن طبيعة الأنظمة والمعارضات والشعوب بأن يضعوا التمسك بالمشروع التحرري المضاد للصهيوني بمكانة أعلى من التصارع الداخلي الفكري والسلطوي وعلى الأقل في مراحل المواجهة؛ لأنها الضمانة الوحيدة للوجود، تيمناً يتجربة الأفارقة ووقوفهم مع جنوب أفريقيا كمثال حي.
تنصب كل الفكرة الليبرالية الغربية ومشتقاتها كنتيجة لكل ذلك على لوم الضحية واتهام الشعب الذي يناضل بدل الوقوف معه، وقد تعرضت كثير من حركات التحرر والمقاومات تاريخيا للتجريم من قبل المحتلين سواء تلك التي سلكت مسلكاً مسلحاً أو سلمياً أو مختلطاً كما جرى للمقاومة الإيرلندية من قبل الإنكليز والفيتنامية من قبل الأمريكيين والجنوب أفريقية من قِبل البيض البريطانيين والأفغانية من قبل السوفييت ثم الأميركيين، والمحتلون كانوا في غالبيتهم غربيين إذ وصموها تارة بالتطرف وعدم تمثيل كل خيارات الشعب وتارة بنعتها بالإرهاب بما فيه الديني والقومي وباختراع كثير من القصص الهادفة لتشويهها وتجريم حق الشعب نفسه في المقاومة، دون مراعاة أن الفعل هو الاحتلال والمقاومة هي الرد عليه وليست مجرد رغبة من السكان الأصليين في ممارسة العنف ضد الآخر بلا هدف سوى العنف والقتل فهذا الآخر يحتل مكانهم الفيزيائي على الأقل ولا يمكن تركه في الحيز على حسابهم وهو ما يراد إسقاطه من سياق القصة.
وبالعودة إلى نقطة تجريم المقاومة من خلال اتهام حركة المقاومة بأنها إرهابية يشير منسق الإغاثة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث في مقابلة صحافية على إحدى وسائل الإعلام الغربية في فبراير/شباط الجاري، إلى أن حركة حماس ليست حركة إرهابية بل حركة سياسية وفقا لتصنيف الأمم المتحدة، ويبين أنه من الصعب على "إسرائيل" التخلص من المجموعات المسلحة الفلسطينية دون التوصل إلى حل تفاوضي يضمن تطلعاتها.
وبالتالي، فإنه بالرغم من كل محاولات التجريم الغربية للمقاومة الفلسطينية وحركات التحرر فإن الأمر يصعب أن يستقر لهم بهذا الخصوص على كل المستويات لأن النفي يأتي بألسنة غربية ومن شخصيات اعتبارية مهمة، فليجرموها كما يشاؤون لكنها ستبقى فعلا بشريا طبيعيا ضد أي محاولة لإلغاء الإنسان وإبادته قبل أن تكون ضد الاستعمار والاحتلال كمشروع بديل لمشروع الشعب الأصلي، وسيبقى اسمها حركة تحرر وطني ومقاومة مهما كانت ايديولوجيتها، ما دام هناك احتلال موصف فوق أرضها. وحتى إن وقعت في بعض التجاوزات والأخطاء سواء اتفقت فئات الشعب أو اختلفت حول حيثيات فعلها وسلوكياتها أحياناً فهذا لا يغير من تلك الحقيقة.
كما يحق لكل الشعوب التي تحت الاحتلال والاستعمار أن تقاوم المستعمر وتحافظ على وجودها وهو حق مكفول بالقانون الدولي الحالي، ووفقاً لكل الشرائع والأعراف السماوية والأرضية تاريخياً، وبالتالي لن تستطيع دوائر القرار الغربية ووسائل إعلامها التي تجرم الفعل المقاوم للشعب الفلسطيني تحقيق ذلك وإبطال المقاومة كلياً على المدى الطويل مهما بذلت لتحقيق ذلك لأن مبدأ الحتمية الاجتماعية وكل نظريات الغرب حول الاستعمار وما بعده هي الأقرب للواقع العملي ولا يمكن لورثة الاستعمار والخبيرين به إنكار كل ذلك إلى الأبد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.