كشفت القناة الـ13 الإسرائيلية قبل أيام أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على مقترح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تقييد دخول فلسطينيي الداخل والقدس إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ومن المتوقع أن يتم اتخاذ قرار نهائي رسمي بهذا الشأن خلال الأيام القليلة المقبلة، في وقت لم يلقَ قبولاً لدى الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، خوفاً من التصعيد في القدس والضفة الغربية وحدوث هبَّة فلسطينية عارمة ضد القرار كما حصل عام 2021.
مع استمرار الاقتحامات الإسرائيلية للأقصى المبارك، تبرز أسئلة إلى الأمام حول قضية القدس من جديد لكونها أحد الثوابت الفلسطينية، وإجماعاً إسرائيلياً حول مستقبل المدينة، حيث تمخض عن ذلك ثابت سياسي تجلى برفع شعار وخطاب إسرائيلي موحد "القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية"، ويمكن استقراء ذلك في الأفكار التي طرحها بعض القادة والأكاديميين والاستراتيجيين الإسرائيليين، ناهيك عن النتائج والتوصيات التي تمّ تسجيلها في نهاية ندوات ومؤتمرات عقدت في مراكز البحث الإسرائيلية كمؤتمر هرتسيليا الاستراتيجي الذي يعقد بشكل دوري سنوياً منذ عام 2000. وكان ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي عبّر في الرابع والعشرين من يونيو /حزيران 1948 بوضوح عن النوايا الإسرائيلية في القدس. وفي نقاش دار حينها في الكنيست، قال بن غوريون: "إن المسألة لم تكن إلحاق القدس بإسرائيل، بل كيفية تحقيق هذا الهدف في ضوء العقبات والظروف العسكرية والاقتصادية التي تواجه تحقيقه، ومنذ العام المذكور اتسم موقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه قضية القدس بالتصلب شأنها في ذلك شأن قضية اللاجئين وحق عودتهم حسب القرار 194 لعام 1948.
والثابت أن أخطر ما يواجه مستقبل القدس النشاطات التهويدية والتي ما زلنا نشهد فصولها بوتيرة متسارعة؛ حيث تتكرر الاقتحامات باحات الأقصى المبارك من قبل المستوطنين بحراسة من الشرطة الإسرائيلية، فضلاً عن عمليات الهدم المبرمجة لأحياء القدس المختلفة ومحاولة تهجير المقدسيين منها.
ومع احتلال إسرائيل للضفة الغربية بما فيها الجزء الشرقي من مدينة القدس وقطاع غزة في الخامس من يونيو/حزيران 1967، بدأت تظهر مشاريع وأفكار إسرائيلية عدة حول مستقبل الأراضي العربية المحتلة. وتركزت الرؤى على إبقاء القدس الموحدة تحت "السيادة الإسرائيلية" باعتبارها "العاصمة الأبدية لإسرائيل". ومن أهم المشاريع المطروحة التي تضمنت إبقاء السيطرة الكاملة على مدينة القدس: مشروع بن غوريون في عام 1967، حيث كان أول من طرح فكرة منح السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة حكماً ذاتياً يديرون شؤون حياتهم في إطاره، وذلك بعد أن وضعت حرب حزيران أوزارها بأسبوعين تقريباً. فقد وزّع بن غوريون على الصحف مشروعاً يتضمن بعض الأفكار ميّز فيها بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والفلسطينيين في الخارج، وفي الوقت نفسه ميّز أيضاً بين سكان قطاع غزة وإخوانهم في الضفة الفلسطينية، إضافة إلى الاقتراح الذي تضمنه المشروع بضم القدس إلى حدود "دولة إسرائيل"، وفي يوليو/تموز 1967 طرح وزير الخارجية آنذاك إيغال آلون على حكومته مشروعاً يتعلق بسيناء والجولان، استند فيه إلى أفكار بن غوريون، غير أن مشروع آلون كان أكثر تفصيلاً وتحديداً ووضوحاً.
وتبعاً للأفكار والمشاريع الإسرائيلية المتتالية من أحزاب وشخصيات اسرائيلية حول مستقبل القدس، أعلنت إسرائيل ضمّ الجزء الشرقي من مدينة القدس في الثلاثين من يوليو/تموز 1980، ورغم مرور أربعة وأربعين عاماً على ضم الجزء الشرقي من المدينة، لم تتوقف النشاطات الاستيطانية في جنباتها بغية تهويدها على المستوى الجغرافي والديموغرافي، لكن أخطر تلك النشاطات التهويدية والتي ما زلنا نشهد فصولها بوتيرة متسارعة؛ الاقتحامات المتكررة لباحات الأقصى المبارك من قبل المستوطنين بحراسة من الشرطة الإسرائيلية، فضلاً عن عمليات الهدم المبرمجة لأحياء القدس المختلفة ومحاولة تهجير المقدسيين منها، جنباً الى جنب مع محاولات اسرائيلية حثيثة لفرض التقسيم الزماني والمكان بغرض تهويدها في نهاية المطاف.
وعلى مر العقود، شهدت مدينة القدس وبخاصة المسجد الأقصى سلسلة من الأحداث التي كان لها تأثير بالغ في تأجيج مشاعر الغضب والمقاومة بين الفلسطينيين، مما أدى إلى نشوء العديد من الهبات والانتفاضات الفلسطينية.
من اللحظات المحورية في هذا الصراع، كانت الانتفاضة الأولى في الفترة ما بين 1987 و1993، التي برزت كحركة شعبية عارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من أنها لم تكن مركزة بشكل مباشر حول المسجد الأقصى، إلا أنها أسست لموجة من الاحتجاجات والمقاومة في وجه السياسات الإسرائيلية.
ثم جاءت زيارة أرييل شارون للمسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000، فكانت شرارة اندلاع الانتفاضة الثانية إذ أثارت زيارة شارون، آنذاك زعيم المعارضة الإسرائيلية، إلى المسجد الأقصى موجة من الغضب الفلسطيني، مما أدى إلى اندلاع لما يعرف بانتفاضة الأقصى.
وفي عام 2014، واجهت القدس هبة شعبية رداً على محاولات تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى والضغوط المتزايدة على الأحياء العربية في القدس، مما عكس الرفض الفلسطيني الدائم لسياسات التهويد والتغيير الديموغرافي.
أما عن هبَّة باب الأسباط في عام 2017، فكانت استجابة لتركيب بوابات إلكترونية عند مداخل المسجد الأقصى، أظهرت قوة وتصميم الاحتجاج الشعبي الفلسطيني ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة والتضييق على الحريات الدينية، فنظم الفلسطينيون احتجاجات وصلوات جماعية رفضًا لهذه الإجراءات.
أما ما سبق طوفان الأقصى، فكانت الاحتجاجات التي اندلعت في مايو 2021، على خلفية التهديدات بإخلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح والعنف في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، فكانت بمثابة الشرارة التي أدت إلى تصعيد كبير ضد الاحتلال الإسرائيلي من قبل المقاومة في غزة، فبدأت ما أطلق عليها معركة سيف القدس.
كل واحدة من هذه الهبَّات والانتفاضات تعكس ليس فقط الرفض الفلسطيني للسياسات الإسرائيلية بل وأيضاً إصرارهم على التمسك بحقوقهم وهويتهم، مؤكدة على الدور المحوري للقدس كرمز من رموز الصمود والتحدي في قلب هذا النضال ضد الاحتلال.
هذه الأحداث تمثل لحظات محورية أسهمت في تشكيل الوعي الجماعي الفلسطيني وأدت إلى تعبئة شعبية ضد السياسات والممارسات الإسرائيلية. كل هبة أو انتفاضة تعكس الرفض الفلسطيني للوضع الراهن والإصرار على المطالبة بالحقوق والسيادة.
ومن نافلة القول إنه في حال تمّت الموافقة بشكل نهائي على مقترح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بمنع دخول فلسطينيي الداخل وأهالي الضفة الغربية بما فيها القدس إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، ربما سنشهد هبَّة فلسطينية عارمة للشعب الفلسطيني داخل أراضي فلسطين التاريخية والمهاجر القريبة والبعيدة، وسيكون صداها مدوياً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.